المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إنَّ ذكرَ اللهِ -تعالى- لهُ أثرٌ كبيرٌ في حياةِ المسلمِ، فهوَ مِنْ أفضلِ الأعمالِ وأجلِّها وأحبِّهَا إلى اللهِ -تعالى-، وهوَ منْ أقوى أسبابِ زيادةِ الإيمانِ والثباتِ واليقينِ, والعزِّ والشرفِ والسؤددِ والنُصرةِ والتمكينِ، وهوَ المعينُ على الطاعةِ...
الْخُطبَةُ الْأُولَى:
الحمدُ للهِ القائلِ في كتابِه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)[الأحزاب: 41]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)[الحشر:18].
أيُّها المؤمنونَ: القلبُ يصدأُ وجلاؤُه ذِكرُ اللهِ، ومَنْ داومَ على ذكرِ اللهِ حَافَظَ على حياةِ قلبِه, وأيْقظَه مِنَ الغفلةِ، وبَعَثَ فيهِ السكينةَ والطمأنينةَ، وأورثَه الرِّضَا والأنسَ, وانشراحَ الصدرِ وراحةَ البالِ، وصدَقَ اللهُ العظيمُ: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28].
ومَنْ أرادَ أَنْ يعرفَ حياةَ قلبِه فلينْظرْ قَدْرَ ذكرِه لربِّه، فَمَنْ اتصلَ باللهِ وأَكثرَ مِنْ ذكرِه وشكرِه وعبادتِه؛ فهوَ صاحبُ قلبٍ حيٍّ، أمَّا مَنْ أَعْرضَ عن ذكرِ ربِّه؛ فَقَدْ حَرَمَ قَلْبَه أسبابَ حياتِه, قالَ ابنُ القيِّمُ -رحمه الله-: "وسمعتُ شيخَ الاسلامِ ابنِ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ- يقولُ: الذكرُ للقلبِ مثلُ الماءِ للسمكِ، فكيفَ يكونُ حالُ السمكِ إذا فارقَ الماءَ؟!" انتهى كلامه.
وليعَلْمْ صاحبُ القلبِ الميِّتِ أنَّه إذا عادَ إلى طاعةِ ربِّه وأكثرَ مِنْ ذكرِه عادتْ لهُ حياتُه، ودبَّتْ فيه الروحُ، قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ"، وفي روايةٍ لمسلمٍ: "مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".
عبادَ اللهِ: إنَّ ذكرَ اللهِ -تعالى- لهُ أثرٌ كبيرٌ في حياةِ المسلمِ، فهوَ مِنْ أفضلِ الأعمالِ وأجلِّها وأحبِّهَا إلى اللهِ -تعالى-، وهوَ منْ أقوى أسبابِ زيادةِ الإيمانِ والثباتِ واليقينِ, والعزِّ والشرفِ والسؤددِ والنُصرةِ والتمكينِ، وهوَ المعينُ على الطاعةِ، والحصنُ الحصينُ الذي يلوذُ بهِ عندَ تَسلُّطِ الشياطينِ ونزولِ المصائبِ والابتلاءاتِ.
وكلَّمَا كانَ العبدُ ذاكرًا للهِ في كلِّ أحيانِه رَبِحَ أفضلَ الأجورِ, ونالَ أعلى الدرجاتِ، وشَغَلَ نفسَه وألزمهَا بمَا فيهِ سعادتُها ونجاتُها، ورفعتُها وعزتُها، وأبعدَ عنهَا الأهواءَ والأدواءَ التي تُمرِضُها.
وقد كانَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ملازمًا للذكرِ في جميعِ أحوالِه، تقولُ عائشةُ -رضيَّ اللهُ عنهَا-: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ الله عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ"(رواه مسلم)، وكانَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقولُ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ فِي الْيَوْمِ، مِائَةَ مَرَّةٍ"(رواه مسلم).
أيُّهَا المؤمنونَ: ومِنْ فضائلِ ذكرِ اللهِ -تعالى- ما يأتي:
أنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- يَذْكُر مَنْ يَذْكُره، قالَ -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)[البقرة: 152].
وأنَّه سببُ فلاحِ العبدِ في الدُّنيَا والآخرةِ، قالَ -تعالى-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة: 10].
وأنَّه مِنْ أسبابِ مغفرةِ الذُنوبِ، قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ"(البخاري ومسلم).
وأنَّه مِنْ أفضلِ الأعمالِ؛ لقولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمالِكُمْ، وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أن تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ؟"، قَالَوا: بَلَى، قَالَ: "ذِكر الله -تعالى-"(رواه مسلم).
ومن فضائله: أنَّه سببٌ مٍنْ أسبَابِ استجابةِ الدُّعاءِ؛ لقولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لله، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ"(البخاري ومسلم).
ومنها: أنَّه سببٌ للنجاةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ"(رواه أحمد).
أعوذُ باللهِ منْ الشَّيطانِ الرجيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)[الأحزاب: 41، 44].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ, ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلموا أنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- وعدَ عبادَه المكثرينَ مِنْ ذكرِه بالمغفرةِ وعظيمِ الأجرِ؛ فقالَ -تعالى-: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 35]، وامتدحَ -سبحَانَه- أولِي العقولِ مِنْ المؤمنينَ؛ فقالَ عنهُم: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران: 190، 191].
وأثنَى النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- علَى المكثرينَ مِنْ ذِكرِ اللهِ بأنَّهمْ هُمْ السَّابقونَ، قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "سَبَقَ المُفَرِّدُونَ", قالوا: وَمَا المُفَرِّدُونَ يَا رسولَ الله؟, قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللهَ كثيرا والذَّاكِرَاتِ"(رواه مسلم).
عِبادَ اللهِ: احذروا مِنَ الغفلةِ والانشغالِ بالأموالِ والأهلِ والأولادِ عنْ ذكرِ اللهِ -تعالى-؛ فقدْ قالَ -سُبحانَه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون: 9].
وأكثروا مِنْ ذِكرِ اللهِ في سائِر أحوالِكُم وأوقاتِكُم، والهجُوا بذكرِه وشُكرِه وتسبيحِه وتهليلِه وتكبيرِه؛ فكلُّ لحظةٍ مِنْ أعمَارنَا -إنْ لمْ نستغلَّهَا في هذهِ العبادةِ العظيمةِ- فإنَّها تَضيعُ علينَا, ولا نَستفيدُ منَّهَا، أسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ لنَا ولكُم.
هذا, وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى, والقدوةِ المجتبى؛ فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ -جلَّ وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].