الجميل
كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
تقرَّبوا إلى الله بكثرة الأعمال الخيرية التي تبقى ويظلّ أجرها جارياً بعد الممات، علمية أو ماليّة. فنِعْمَ الْعلم -والله-، ونِعْمَ المال الذي يدرّ على صاحبه في الدُّنيا والآخرة بالأجر والثواب، نِعم الْعلم والمال الذي يُذكر به صاحبه بخير ويدعو له لأجله من لا يعرفه بعد أن يودَع الثرى، ويتخلّى عنه الأهل والأصدقاء، بعد أن تتمزّق أوصاله وتبلى عظامه ..
الحمد لله: العلم الخبير، أحمده سبحانه وأستعينه وأستهديه، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلّى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وأَصحابه، وأتباعه وعلى كل مَن سار على نهجه.
أمَّا بعد: فيا أيُّها النّاس: لقد دعى الإسلام ذويه إلى الإكثار من أَعمال البِرّ ومتابعتِها، ولا سيّما ما يتعدّى نفعهُ، ويستمرّ إدراره على الإنسان حيًّا أو ميتاً، يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام مسلم -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاثة: إلاَّ من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
والمراد بالصّدقة الجارية: ما وقفه المسلم لله قبل الممات، أو بعده، بالإيصاء كعمارة المساجد، وإجراء المياه، وتسهيل الطرق وإعانة المحتاج، ونحو ذلك.
وبالعلم النافع: ما استُمدّ من كتاب الله وسنّة رسوله، وعمل به حقًّا وبذل للنّاس، وفي هذا الحديث الشريف، بيان عظم ثواب الوقف الجاري، وبيان وعظم ثواب توريث العلم النافع، بالتعليم والتأليف والنشر، وعظيم ثواب السعي في طلب الولد الصالح بالتزوّج ابتداءً، ثم بتوجيهه وتربيته إذا وُجِدَ، توجيهاً وتربية إسلامييّن.
كما وأنَّ الحديث يحثُّ على العمل الصالح بوجه عام، والسعي في مواصلته واستمراره بعد الموت تضمنه قوله: "إلاَّ من ثلاثة" فإنها لا تنقطع بالموت، وتبقى مستمرّة بعد موت صاحبها تدرّ عليه بالخير والأجر والدُّعاء له؛ ممّن عرفه وممّن لم يعرفه.
ولا غرابة -أيُّها المسلمون- فقد جاءت نُصوص أُخرى تدلُّ على أنَّ العمل الصالح في الحياة، يخلد لصاحبه أجراً، وذكراً حسناً بعد الممات، يقول تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) [يّـس:12] والمراد بآثارهم فيما فسّره جماعة من العلماء،: "ما خلّفوه بعدهم من أعمال صالحة تبقى جارية بعد مماتهم".
وفي هذا المعنى يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من سنَّ سُنَّةً حسنة في الإسلام؛ فله أجرها وأجر من عَمِل بها إلى يوم القيامة، لا يَنْقُص ذلك من أجر العامل شيئاً"، ويقول فيما رواه البيهقي وابن ماجه بسند حسن: "إنَّ ممّا يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً علّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون- وتقرّبوا إلى الله بالْتماسِ وعمل ما؛ يترك لكم ذكراً حسناً، وآثاراً تُحمد، ولسانَ صدقٍ في الآخرين.
تقرَّبوا إلى الله بكثرة الأعمال الخيرية التي تبقى ويظلّ أجرها جارياً بعد الممات، علمية أو ماليّة. فنِعْمَ الْعلم -والله-، ونِعْمَ المال الذي يدرّ على صاحبه في الدُّنيا والآخرة بالأجر والثواب، نِعم الْعلم والمال الذي يُذكر به صاحبه بخير ويدعو له لأجله من لا يعرفه بعد أن يودَع الثرى، ويتخلّى عنه الأهل والأصدقاء، بعد أن تتمزّق أوصاله وتبلى عظامه.
فسعياً سعياً -أيُّها المسلمون- إلى فعل الخيرات، وتكثير الأعمال المتعدّي نفعُها، والْباقي ذكرها؛ فإن أحدَكم إلى ما بعد الموت من عمل بِرّ وخير أحوج منه إلى ما قبله، ومبادرةً مبادرة إلى ما يخلّد لكم الأجر، والثناء المستطاب الذي تضْحون به أحياء، وأنتم في عالم الأموات.
وحذار حذار -أيُّها الإخوة- من وقف الإضرار، والمحاباة كمن يقصد بالوقف إضرار شريك، أو حرمان وارث، أو نفعه دون غيره من الورثة، فالوقف عبادة لله لا تصحّ إلاَّ إذ خلُصت لله، وتمشّت مع ما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وتحرُّوا بمصاريف أوقافكم الْفُقراء والأَقرباء، وكلّما يشمل نفعه وتشتد الحاجة إليه؛ كالمياه والمساجد، والطرق والمدارس الإسلامية، والْكُتب الدينية، وبما ينفق منه أوقات المساغب والضرورات، والأَزمان الْفاضلة كرمضان.
روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: "أصاب عمر أرضاً بخيبر؛ فأَتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستشير فيها، فقال: يا رسول الله. إِني أَصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منها فما تأمرني به؟ قال: "إنْ شئت حبست أصلها وتصدّقت بها".
قال: فتصدّق بها عمر، أنه لا يُباع أصلهّا، ولا يُبتاع، ولا يُورّث، ولا يوهب. قال: فتصدّق بها عمر في الْفُقراء، وفي الْقُربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم تصديقاً، غير متموّل فيه".
يقول جلّ وعلا: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92]
أقول قولي هذا، وأسألُ الله تعالى أن يُحيينَا حياةً طيّبة، وأن يتوفّانا مسلمين، ويكتب لنا لسان صدقٍ في الآخرين، إنَّه تعالى حسبُنا ونعم الوكيل.