العربية
المؤلف | زيد بن مسفر البحري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
هذه جملة من الآداب المتعلقة بالخروج إلى المساجد وآداب المساجد، فنسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على أنفسنا، وأن نطبق مثل هذه السنن، ومثل هذه الآداب الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا عباد الله عنوان خطبتنا في هذا اليوم: (آداب المساجد والمشي إليها).
فمن آداب الخروج إلى المساجد أن المسلم إذا خرج من بيته يقول دعاء الخروج، وهذا الدعاء شامل لخروج الإنسان من بيته لحاجة أو لغرض دنيوي أو للمسجد، يقول ما ثبت في سنن أبي داود والنسائي من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت، وتتنحى عنه الشياطين، فيقول شيطان لآخَر: كيف لك برجل قد هُدي وكفي ووقي؟".
وأيضا يقول عند خروجه من بيته للمسجد أو لغيره، ما ثبت عند أحمد والترمذي: "اللهم أني أعوذ بك أنْ أَضِلّ أو أُضَل، أو أَزِل أو أُزَل، أو أَظلِم أو أُظلَم، أو أجهَل أو يُجهَل علي"، وهناك لفظة ضعيفة، "أو أبغي أو يُبغى علي"، هذه اللفظة ضعيفة لا تصح سنداً.
ومما يقال عند خروج الرجل من بيته إلى المسجد على سبيل التخصيص، ما جاء في صحيح مسلمٍ مِن فعله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من بيته إلى المسجد قال: "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن أمامي ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وأعطني نوراً".
ومن آداب الخروج إلى المساجد أن يستاك المصلي، لما ثبت عند الطبراني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما خرج للمسجد للصلاة إلا استاك، فهذه سُنة قد يجهلها كثير من الناس، فعند خروجك من بيتك إلى المسجد يسن لك أن تستاك.
ومن آداب الخروج إلى المساجد أن يخرج بسكينة ووقار، لما جاء في الصحيحين: "إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصَلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا".
ما السكنية، وما الوقار؟ السكينة تتعلق بالحركات من الأقوال والأفعال، بمعنى أن المسلم إذا خرج يكون متريثاً مترسلاً لا يكثر الالتفات ولا يكثر الكلام إلا بما ورد عن الشرع في مثل هذا المقام؛ ولذلك، من صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه "إذا مشى لا يلتفت"، سواء مشى للمسجد أو لغيره؛ لأن كثرة الالتفات تدل على ضعف هيبة الإنسان وقدره.
وأما الوقار ففي الهيئة، بمعنى أنه يخرج على هيئة حسنة؛ لأنه سيقابل رب العالمين، بمعنى يكون شماغه وثوبه على اللبس المعتاد، ما يأتي مثلاً وطرف أحد شماغه أعلى من الآخر، أو أنه يأتي وقد كف أكمام ثيابه، أو أنه رفع ثوبه وربطه في حقوه، فهذا ليس من الوقار.
ومن آداب الخروج إلى المساجد أن يأتي إليها ماشياً على قدميه إن تيسر له ذلك، فإن عجز أو كان المكان بعيداً، فركب دابته فلا جناح عليه.
في حديث أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- كما في صحيح مسلم، قال: إن هناك رجلاً لا نرى أبعد منه من المسجد، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء والرمضاء، فقال: ما أحب أن بيتي بجوار المسجد، إني أحب أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي، فأُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "قد أعطاك الله ذلك كله".
وفي رواية أبي داود: "قد أنطاك الله ذلك كله"، لأن في المشي على الأقدام الخطى، وبكل خطوة له حسنة، وتحط عنه خطيئة، لما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيحين: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة".
ومن آداب الخروج إلى المساجد: حتى يتحقق لك أجر الخطوات إلى المساجد لرفع الدرجات، وتكفير السيئات كما قال ابن حجر - رحمه الله - في الفتح، قال: "حتى يتحقق ذلك يتوضأ في بيته"، فلا يؤخر وضوءه إلى أن يأتي إلى دورات المياه في المساجد، وإنما يتوضأ في البيت، وهذا أدب عظيم، ولذلك جاء عند أبي داود من حديث أبي أمامة، وحسنه الألباني رحمه الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ خرج من بيته إلى المسجد متطهراً لفريضة كان كأجر الحاج المحرم".
وصفه بأنه محرم، ولعل وصفه بأنه محرم -والعلم عند الله- لأن الإحرام شرط لصحة الحج كما أن الوضوء شرط لصحة الصلاة، وأفضل ما يكون الوضوء يكون في البيت.
ومن آداب الخروج إلى المساجد أن يأتي إليها بأحسن لباس، لا يأتي بثياب رثة أو برائحة كريهة، بعض الناس يبخل على نفسه أن يصب الماء على بدنه، بل إن البعض لا يغتسل إلا إذا أتى يوم الجمعة أو إذا كانت هناك مناسبة من جماع أو ما شابه ذلك، وهذا خطأ، قال الله - تعالى -: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31].
وثبت عند الطبراني من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وصححه الألباني -رحمه الله -، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم فليصل في ثوبين"؛ فإن ثيابهم تختلف عن ثيابنا: "إذا صلى أحدكم فليصل في ثوبين؛ فإن الله أحق أن يتزين له"، ليس كما يفعله البعض: يأتي إلى المسجد بقميص النوم، أو كما قلنا بثياب رثة، أو تنبعث منه رائحة كريهة.
ولذلك؛ حذر الإسلام المسلم من أن يأتي إلى المسجد وقد أكل ثوما أو بصلا كما في الصحيحين من حديث جابر -رضي الله عنه-: "مَن أكل ثوماً أو بصلاً"، وفي رواية عند مسلم: "أو كراثاً فلا يقربن مسجدنا"؛ لأن في ذلك أذية لإخوانه المسلمين، فما ظنكم إذاً بمن يؤذي إخوانه إذا أتى إلى المساجد بشرب الدخان، تلك الرائحة الكريهة المنتنة؟! أو بما يفعله بعض من الناس من تشغيل جهاز الجوال حتى يشغل الناس عن صلاتهم وأذكارهم.
وأدهى من ذلك وأمرُّ أن يضع رنة الجوال على نغمات موسيقية لا تليق به كمسلم، فكيف تليق بهذا المكان العظيم الذي يجب أن يرفع فيه ذكر الله، لا أن يرفع فيه ذكر الشيطان؟ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ) [النور:36-37].
خمس دقائق أو عشر دقائق أو ربع ساعة تعزلك عن الدنيا، ألا تحتسبها عند الله -عز وجل-؟ (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ)، وما هي الأشغال عند كثير من الناس؟.
ومن آداب الخروج إلى المساجد أنه إذا أتى المسجد يُقدِّم رجله اليمنى ويقول ما ورد عند مسلم وفي السنن وفي أحاديث كثيرة: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم.
ومن آداب المساجد إذا دخل ألا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لحديث أبي قتادة -رضي الله عنه- في الصحيحين: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".
ويغني عن هاتين الركعتين السُّنَّة التي لراتبة الظهر، أو لراتبة الفجر، فإنها تغني، أهم شيء ألا يجلس حتى يؤدي صلاة من ركعتين فأكثر، ولذلك؛ لو دخل والناس يصلون صلاة الفرض أغنت صلاة الفرض عن تحية المسجد.
ومن آداب المساجد أن يحرص المسلم على الصف الأول، لما في الصحيحين: "لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".
تصور لو أن الصف الأول لم يبق فيه إلا فرجة واحدة تسع لشخص واحد، فأتى اثنان في وقت واحد، كان حرياً بهما أن يقترعا أيهما يظفر بهذه الفرجة من الآخر لفضل هذا المكان؛ ولذلك استغفر النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في السنن: "استغفر للصف الأول ثلاثاً، وللصف الثاني مرة"، فما ظنكم بالصف الثالث والرابع والخامس وهكذا؟!.
فعلى المسلم أن يأتي إلى المساجد مبكراً حتى يظفر بهذا المكان العظيم، وأفضل ما يكون من الصف الأول أن يلي الإمام، ولاسيما أهل الفضل وأهل العلم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي مسعود -رضي الله عنه-: "لِيَلِيني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
ومن آداب المساجد أن يُحرص على نظافتها، وإذا رُئِيَ فيها شيءٌ من القذر يُخرَجُ. عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- عند مسلم: "عرضت علي أمتي بأعمالها حسنها وسيئها، فرأيت في محاسن أعمال أمتي الأذى يماط عن الطريق، ورأيت من مساوئ أعمال أمتي النخامة تكون في المسجد لا تدفن".
فما ظنكم بمن يلقي الأقذار في المسجد؟! مطلوب منه أن ينظف المسجد، وإذا به يلقي أقذاره في المسجد! وقد رأيت في بعض المساجد من يقلم الجلد الذي خلف عقبه وينثره في المسجد! ورأيت أظفاراً من أظفار القدمين أو اليدين في بعض المساجد! أهذا يليق بالمساجد؟ لا والله!.
وبُلِّغْتُ أن هناك أناساً يخرجون ما في أنوفهم ثم يلقونه في المسجد، هذا لا يليق بمكانة المسجد ولا بعظمته.
ثم إن الواجب على المسلم أن يراعي إخوانه الآخرين، قد يكون الإنسان به مرض، فلا يجوز له أن يقذر إخوانه وأن يقززهم بالأذية، النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند أبي داود قال: "ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن".
حتى الجهر بالقرآن، لا ينبغي لك أن تجهر بالقرآن! إذا آذيت أخاك المسلم في ذكره أو في قراءته. فما ظنكم بمن يرفع صوته بالتنخم أو بإخراج ما في أنفه؟ لا شك أن الإنسان قد يصاب بمرض، بزكام أو ما شابه ذلك، ولكن يأخذ المنديل وبصوت خفيض ويخرج ما في فمه أو في أنفه، أما أن يرفع صوته بذلك فإن هذا مما يتقذر منه إخوانه المسلمون، فواجب على المسلم ألا يؤذي إخوانه بهذه الأشياء.
ومن آداب المساجد أن تسوى الصفوف، بل هي من الواجبات، وإذا قلت من آداب المساجد فلا يعني أنها سنن، فقد أذكر شيئاً من الواجبات، لكن هي من الآداب، لكنها آداب واجبة، وقد تكون آداباً مستحبة، فمن آداب المساجد: أن تسوى الصفوف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم"، وفي رواية: "أو ليخالفن الله بين قلوبكم"
ومن الآداب قبل الصلاة: ألا يقال فيها ذكر، بعض الناس إذا انتهت الإقامة، قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا"، أو "اللهم اجعل لنا منها حظاً ونصيباً"، أو إذا قال الإمام استووا، قال: "استوينا"، هذا كله لم يرد.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام في مصلاه كبَّر". دل على ماذا؟ دل على أنه -عليه الصلاة والسلام- لا يقول شيئاً قبل التكبير، وما ورد من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عند أبي داود من متابعة المؤذن في الإقامة، فهو حديث ضعيف، كون المؤذن يتابع في الإقامة، الوارد في ذلك حديث ضعيف، وذلك إذا قال: "قد قامت الصلاة، قال: أقامها الله وأدامها" هذه ضعيفة، وما ورد -كما قلت- عن ابن عمر عند أبي داود من متابعة المؤذن في الإقامة، فهو حديث ضعيف، لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا عباد الله، من آداب المساجد أن المسلم إذا خرج من المسجد فالسنة له أن يقدم رجله اليسرى، ويقول ما ورد.
وورد عند مسلم وفي السنن وفي الأحاديث الأخرى: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك"، وفي رواية: "اللهم إني أسألك من فضلك"، ويقول: "اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم"، هذه واردة عند الخروج من المسجد.
وفي ذهابك إلى البيت تستحضر معنى الحديث الذي ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة ذلك الرجل الذي قال: "إني أحب أن يكتب ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي"، ولذلك كان بعض الصحابة كزيد بن ثابت -رضي الله عنه-، كما ذكر ابن حجر -رحمه الله- في الفتح، إذا خرج من بيته إلى المسجد قارب بين خطاه، فقد تكون الخطوات من بيته إلى المسجد مائة خطوة، يجعلها مائة وعشرين خطوة من باب أن يكتب له بكل خطوة ذلكم الأجر الذي ذكرناه، فهذا من مقاربة الخطى، وقد أخذ بذلك بعض العلماء.
ورأى بعض العلماء أن الأمر يبقى على ما هو عليه ويمشي مشيه المعتاد، ولذلك ثبت عند ابن عساكر وحسنه الألباني -رحمه الله-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا مشى، مشى مشية من ليس بعاجز ولا كسلان".
وهذا الحديث يبين ما ورد من فعله -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم: "كان إذا مشى كأنما ينحط من صبب"، كأنه سيل انحدر من علو إلى سفل.
وفي رواية: "كان إذا مشى يتوكأ"، كأنه يمشي إلى قُدام، فقال العلماء إن هذا يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يمشي مشية عاجز ولا كسلان.
وليس معنى ذلك أنه كان يسرع سرعة تخرجه عن وقاره وعن هيبته، كلا! وإنما كان -صلى الله عليه وسلم- "إذا مشى أقلع"، كما في إحدى الروايات.
هذه جملة من الآداب المتعلقة بالخروج إلى المساجد وآداب المساجد، فنسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على أنفسنا، وأن نطبق مثل هذه السنن، ومثل هذه الآداب الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.