السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل |
فمن آيات الله في وباء كورونا: آية التذكير بالقوي القدير، فحينما طغت الحياة المادية على الإنسان المعاصر، وغره ما وصل إليه من الحضارة المعاصرة، والقدرات البديعة في الصناعات البشرية التي هُدي إليها؛ نسي...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب70-71].
أما بعد: أيها المسلمون: إن العقلاء من الناس يكفيهم من العبر سماع صحة الخبر، أو رؤية من نزلت فيه بعض آيات الله من البشر، ولا يحتاجون إلى زمن طويل تستمر فيه مشاهد العبرة حتى يعتبروا، ولا ينقصهم المزيد من تعدد صنوف العظة حتى يدكروا، بل تكفيهم الآية والآيتان من آيات الله حتى يستلهموا منها الذكرى التي بها يتعظون، ويستوحوا منها الفائدة التي بدروسها يعتبرون؛ غير أن أكثر الناس كما قال الله تعالى: (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)[المائدة:103].
وها هو العالم اليوم يعيش موجة جديدة من موجات وباء كورونا، أفما كانت تكفي الموجة الأولى للناس كي يرجعوا إلى رشدهم معتبرين، فيؤبوا إلى ربهم تائبين؟.
عباد الله: إن وباء كورونا مشهد مؤثر ظهرت للعالم فيه آيات من آيات الله، التي من تأملها حق التأمل هدته إلى صلاح دنياه وآخرته؛ فمن آيات الله في وباء كورونا:
آية التذكير بالقوي القدير، فحينما طغت الحياة المادية على الإنسان المعاصر، وغره ما وصل إليه من الحضارة المعاصرة، والقدرات البديعة في الصناعات البشرية التي هُدي إليها؛ نسي قوة الله، وغفل عن قدرته، وغاب عنه أن لهذا الكون مدبراً قادراً، يتصرف فيه كما يشاء، ويصنع فيه ما يريد، وأن قدرات البشر العلمية وغيرها لا تساوي شيئًا أمام قدرة الخالق العظيم -سبحانه وتعالى-، قال تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج:74]، وقال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)[الزمر:67].
ومن آيات الله في هذا الوباء المنتشر: كونه وباءً يتناسب مع ما وصل إليه الإنسان من التطور العلمي، والتقدم الطبي الذي أضحى يتباهى به؛ فهذا الوباء كائن مجهري دقيق لا يرى بالعين المجردة.
فهل تستطيع-أيها الإنسان العصري المغرور بما وصلت إليه علومك الغزيرة وقواتك الكثيرة-أن تمنع هذا الداء من دخول الأبدان، ومن تنقله بين البلدان من غير جواز ولا استئذان؟
هل استطاع العالم المتقدم اليوم أن يحوط نفسه من وصول هذا الوباء إلى شعوبه أغنيائهم وفقرائهم راعيهم ومرعيهم، أما أن تلك الشعوب اليوم هي أكثر شعوب العالم تضرراً بكورونا؟، وصدق الله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق:37].
إن هذا الوباء المعاصر في عصر التقدم العلمي البشري يقابله ما أرسله الله على فرعون وقومه من الآيات التي كانت تناسب عصرهم بكونها آيات ظاهرة وليست مجهرية ككورونا، فما تلك الآيات التي أرسلت عليهم، وهل اتعظوا بها عن غيهم؟ اسمعوا إلى الجواب في قوله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)[الأعراف:133-136].
نعم، لقد سمعتم-معشر الفضلاء-أن هذه العقوبة بهذه الآيات لم يستفد منها فرعون وقومه، حتى نزلت عليهم العقوبة التي استأصلت شأفتهم وقطعت دابرهم، فهل الناس البعيدون عن الله اليوم لم تكفهم جائحة كورونا بما فيها من الآيات حتى يرجعوا إلى ربهم تائبين، أم أنهم ينتظرون عقوبة أكبر من ذلك حتى يكونوا عبرة لمن للمعتبرين؟!!
فيا سعد من اعتبر بغيره، ولم يكن عبرة لغيره.
أيها المسلمون: ألا نتعلم من مدرسة كورونا دروسًا تكون نافعة لنا في حياتنا وبعد مماتنا؛ فإن هذا الوباء يعلم الناس كل الناس: أن البشر ضعفاء عاجزون جاهلون فقراء إلى ربهم، مهما كانوا أقوياء قادرين، ومهما كانوا أغنياء عالمين؛ قال سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[الإسراء:85]. وعن بسر بن جحاش القرشي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بزق يوماً في كفه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال: " قال الله: ابن آدم: أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه! حتى إذا سويتك وعدلتك، مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي، قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة"(رواه أحمد).
فتواضع -أيها الإنسان – لربك فكن له عبداً لا هواك وشهوتك.
ونتعلم من وباء كورونا: أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فكم بذل الناس من وسائل الحماية واستعملوا من أسباب الوقاية- دون أن يلتفتوا إلى خالقهم مستشفين متضرعين-، ومع ذلك ما زال منجل كورونا يحصد موتى ومصابين كل يوم، فلماذا لا نفر إلى الله تائبين داعين وقد قال ربنا: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام:43].
أيها المؤمنون: إن حكومات الغرب وسائر بلاد الكفر قد لجأوا في مقاومة كورونا إلى الوسائل المادية الاحترازية منها والدوائية فحسب، وهذا ما يأمرهم به عرفهم الدنيوي البحت الذي لا صلة له بخالقه القادر المقدِّر سبحانه.
وليست المشكلة لدينا هنا، إنما المشكلة أن تنجر جموع من المسلمين وراءهم في هذا الاقتصار الوقائي والدوائي في مقاومة كورونا، متغافلين عما يأمرهم به الإسلام إزاء هذا الوباء وأمثاله.
وصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقد قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لسلكتموه". قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟" (متفق عليه).
ولقد تناسى هؤلاء المنجرون وراء أولئك الكافرين أن في ديننا وسائل مقاومة للأوبئة زيادة على تلك الوسائل الدنيوية، هذه الوسائل لا يقوم بها إلا المؤمنون بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً ورسولا.
فأين أين الإسلام من واقعنا نحن المسلمين لنتبعه فيما يأمرنا به وينهانا عنه، أم أن سيطرة المتغلب اليوم وضعف المغلوب قد فرضا عليه أن يكون إمّعة يصنع ما يصنع غالبه، ويترك ما يترك، لم يأمرنا ديننا بهذا، بل أمرنا أن نكون أمة عزيزة من دون الناس، متميزين بالعمل بشعائر هذا الدين الحنيف؛ قال تعالى عن سيادة هذه الأمة وتميزها: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ الْفَاسِقُونَ)[آل عمران:110]. وقال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، وهذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فهم لنا فيه تبع، فاليهود غداً والنصارى بعد غد"(متفق عليه).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من العاملين بديننا، المعتبرين بما نزل بنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: قال النبي –عليه الصلاة والسلام- : "لا يشكر الله من لم يشكر الناس"(رواه أحمد)، فعملاً بهذا النص النبوي فإننا نشكر للملكة جهودها الجبارة في مكافحة وباء كورونا؛ حيث قدمت للمواطنين خدمات كثيرة لحمايتهم وعلاجهم مجانًا، وكم جيشت من العاملين لحراسة صحة الناس، والحفاظ على وقايتهم من العدوى، وتوفير سبل بقاء العيش، وتسهيل استعمال الوسائل الحديثة لاستمرار عجلة الحياة.
وهذا مما لا يخفى على الناس، ولا يحتاج إلى براهين عليه أكثر من الواقع الملموس:
وليس يصح في الأفهام شيء
فيا عباد الله: اعتبروا بوباء كورونا وتفكروا في آياته، وتعلموا من دروسه وعظاته، وليكن هذا البلاء سائقًا لنا إلى التوبة والكف عن العصيان، والاستعداد للقاء الملك الديان، ولا يكن تعاملنا معه كما يتعامل معه غير المسلمين، فنحن لدينا دين عظيم يرشدنا إلى التعامل الشامل الصحيح دينًا ودنيا مع هذا الوباء وأمثاله.
نسأل الله أن يكفينا شر هذا البلاء، وأن يرفع عنا هذا الوباء.
هذا وصلوا وسلموا على خير البرية عملاً بقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].