البحث

عبارات مقترحة:

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

الاستعداد لما بعد الموت

العربية

المؤلف عبدالله الجهني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. يقين المسلم أن لكل أجل كتابًا .
  2. على المسلم أن يستعد لما بعد الموت .
  3. معنى التوكل على الله تعالى وحقيقته .
  4. التوصية بأخذ لقاح كورونا والتحذير من التهاون في تناوله .

اقتباس

ولكَ أن تتصوَّر -أيها الإنسانُ- ما بعد ذلك من البعث والنشور، والعرض والجزاء والحساب والصراط المنصوب على متن جهنم، كلها مشاهِد وطُرُق لا بد من مُشاهَدتها وسلوكها، فاتقوا الله -عبادَ اللهِ-، وأعِدُّوا أنفسكم لذلك اليوم العظيم...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أما بعدُ: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

أيها المسلمون: اتقوا الله الذي خلَق العبادَ وإليه المعادُ، وبه السدادُ والإرشادُ، واتقوه تقوى مَنْ قَدْ عرَف قُربَ اللهِ منه، وقدرتَه عليه، وآمَن به إيمانَ مَنْ قد أقرَّ له بالوحدانية، فما خُلِقْتُم إلا للتقوى، وما أسدى عليكم من نِعَم إلَّا لتستعينوا بها على تقواه.

 

عبادَ اللهِ: كل إنسان يؤمن بالله وبملائكته وبكتبه وبرسله وباليوم الآخِر، وبالقَدَر خيرِه وشرِّه، يعلم يقينًا أنه مُقبِل على أجَلٍ قد كتَبَه اللهُ -تبارك وتعالى- على خَلْقِه؛ وهو الفَناء؛ قال تبارك وتعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرَّحْمَنِ: 26-27]، وقال: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)[الرَّعْدِ: 38]، نشاهِد كلَّ يوم عددًا من الراحلينَ إلى الآخِرة، من الآباء والأمهات والإخوان والأبناء والجيران والأحباب، تأمَّلُوا في مآلكم بعدَ هذه الحياة الدنيا في أول ليلة من منازل الآخِرة، وهو القبر، عندما يأتيكَ الْمَلَكانِ، ويسألانكَ عن ربك، وعن دينك، وعن نبيك، حينَها (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[إِبْرَاهِيمَ: 27]، تفكَّر أيها الإنسانُ، مَنْ سيكون جليسَكَ في قبركَ؛ هل عملتَ صالحًا فيأتيكَ عملُكَ في صورة رجلٍ حسَنِ الوجهِ، حسَنِ الثيابِ، طيِّبِ الريحِ، فيقول لكَ: أَبْشِرْ بالذي يسرُّكَ، هذا يومُكَ الذي كنتَ تُوعَد، أنَا عملُكَ الصالحُ، نسأل اللهَ من فضله وكرمه، وعفوه ورضوانه، قال تبارك وتعالى: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)[الرُّومِ: 44]، قال مجاهد -رحمه الله-: "في القبر"، وقال الطبري -رحمه الله-: "أَيْ: لأنفسهم يستعدُّون ويسوون المضطجعَ ليَسْلَمُوا من عقاب ربهم وينجوا من عذابه".

 

انْهَدْ لنفسِكَ حانَ السقمُ والتلفُ

ولا تُضِيعَنَّ نَفْسًا ما لها خَلَفُ

 

أو تكون عملتَ سيئًا فيأتيكَ عملُكَ السيِّئُ في صورة رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الرائحة فيقول لكَ: أَبْشِرْ بالذي يسوؤك هذا يومُكَ الذي كنتَ تُوعَد، نعوذ بالله من مقته وغضبه، وشر عقابه.

 

ولكَ أن تتصوَّر -أيها الإنسانُ- ما بعد ذلك من البعث والنشور، والعرض والجزاء والحساب والصراط المنصوب على متن جهنم، كلها مشاهِد وطُرُق لا بد من مُشاهَدتها وسلوكها، فاتقوا الله -عبادَ اللهِ-، وأعِدُّوا أنفسكم لذلك اليوم العظيم، ومهِّدوا له بالأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله، وثِقُوا بموعوده؛ فإنه شاكر عليم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)[الْحَشْرِ: 18-20].

 

بارَك الله لنا في القرآن العظيم، ونفَعَنا بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ، وأصلِّي وأسلِّم على خير البريَّات، نبيِّنا محمد عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليماتِ.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، وراقِبوه في السر والنجوى.

 

أيها المسلمون: أمَر اللهُ -عزَّ وجلَّ- عبادَه المؤمنينَ بالتوكُّل عليه، وهو عبادة قلبية عظيمة، وحقيقته اعتماد القلب على الله -تبارك وتعالى-، وتفويض الأمر إليه، في جلب المصالح ودفع المضارِّ من أمور الدنيا والآخرة، والواجب عليكَ -أيها المسلمُ- التوكل على خالقك ومدبِّر أمرك، خاصةً في الأزمات، وأن تأخذ بالأسباب الشرعية المباحة، فهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- تدرَّع بدرعينِ يوم أُحُد، واستأجر دليلًا في الهجرة، وحفَر الخندق يوم الأحزاب، وسعى لنشر راية التوحيد متوكلًا على ربه، وآخذًا بالأسباب، محقِّقًا لمقصد التوكل على الله، وهو تعلُّق القلب بالله، ثم بذل السبب.

 

ومن رحمة المولى -سبحانه-، أَنْ مَنَّ على خَلْقِه -بعد الذي أصابهم من الشدة والأولاء وتفشي مرض كورونا المستجِدِّ- أَنْ مَنَّ عليهم ووفَّقَهم للَقاحَاتٍ فعَّالةٍ معتَمَدةٍ من جهات الاختصاص، تقي -بإذن الله تبارك وتعالى- من هذا المرض الخطير، وإنَّ مِنْ فِعْلِ الأسبابِ يا عبادَ اللهِ، أخذَ هذا اللقاح الموصى به، والتواصي على أخذه حسبَ الإجراءات المتَّبَعة مِنْ قِبَلِ وزارةِ الصحةِ، وعدم تصديق إشاعات المرجِفينَ، التي تتردَّد هنا وهناك، بعدم فعاليَّة هذا اللَّقاح، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)[الْكَهْفِ: 5]، وإن ممَّا يُذكَر ويُشكَر في هذا المقام، بعدَ شكر الله -تبارك وتعالى- شكرَ ولاة الأمر في هذه البلاد -حَفِظَهم اللهُ- على تلكم الإجراءات المتَّخَذة لتوفير ذلكم اللقاح بالمجان، للمواطنينَ والمقيمينَ؛ حرصًا منهم على سلامتهم، وتجنيبهم خطرَ الإصابة بهذا الداء، بل كان قادتُها -حَفِظَهم اللهُ- هم السبَّاقين لأخذ هذا اللقاح تطمينًا للمتردِّدين، ودحضًا للمُرجِفين، فجزاهم الله خيرَ الجزاء، وجعَل ما قدَّموه للبلاد والعباد في ميزان حسناتهم، ودفَع عنهم كلَّ سوء ومكروه.

 

والواجب علينا حيالَ ذلك إعانة الدولة في ذلك بالتوكل على الله، والأخذ بالأسباب، بالمبادَرة لأخذ هذا اللَّقاح؛ لعدم تفشِّيه بين العباد، وليقي بإذن الله، تبارك وتعالى؛ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[الْمَائِدَةِ: 2].

 

ثم اعلموا أنَّ اللهَ -عز وجل- أمرَكم بأمرٍ عظيمٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبِّحة بقُدسِه، وثلَّث بكُم -أيها المؤمنون- من جِنِّه وإِنْسِه، فقال جلَّ مِنْ قائلٍ عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللهُ عليه بها عَشرًا".

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِكْ على محمد، وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهدِيِّينَ، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعَدِلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضلك وجُودِكَ يا أكرم الأكرمينَ.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل مَنْ خذَل الإسلامَ والمسلمينَ، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا رخاءً سخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.

 

اللهم واغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اشف مرضانا، ومرضى المسلمين، واحفظ أطباءنا وأعوانهم، وسددهم، وارفع عنا هذا الوباء يا أرحم الراحمين.

 

اللهم انصر جنودنا على الحدود، اللهم سدِّد رميَهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرْهم على عدوِّكَ وعدوِّهم أجمعينَ.

 

اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبر والتقوى، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لكل خير وصلاح، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].