البحث

عبارات مقترحة:

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

النكاح بنية الطلاق حكمه ومحاذير في تطبيقه

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. المراد بالنكاح بنية الطلاق والأسباب الداعية إليه .
  2. حكم النكاح بنية الطلاق .
  3. الأحكام الفقهية المترتبة على النكاح بنية الطلاق .
  4. الأضرار الناتجة عن النكاح بنية الطلاق. .

اقتباس

إِنْ مُخَالَفَةَ الشَّارِعِ الْحَكِيمِ فِيمَا شَرَعَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَضْرَارٌ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، فَالنِّكَاحُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ لَمَّا كَانَ مُخَالِفًا لِلنِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ تَنْتِجُ عَنْهُ -فِي الْغَالِبِ- أَضْرَارٌ كَثِيرَةٌ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ -تَعَالَى- الزَّوَاجَ لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ، تَنْتِجُ عَنْهَا مَصَالِحُ عَمِيمَةٌ؛ فَبِالزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ يَحْصُلُ التَّرَابُطُ وَالتَّعَارُفُ بَيْنَ الْأُسَرِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[الْحُجُرَاتِ: 13].

 

وَبِالزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ تَحْصُلُ الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَاسْتِقْرَارُ النَّفْسِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الرُّومِ: 21].

 

وَبِالزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ يَحْصُلُ التَّكَافُلُ، وَتَصْلُحُ الْبُيُوتُ وَالْمُجْتَمَعَاتُ، وَتَعْمُرُ الْأَرْضُ بِالْخَيْرِ، وَيَحْصُلُ الْعَفَافُ الَّذِي يَحْمِي الْمُجْتَمَعَ مِنَ الرَّذِيلَةِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الزَّوَاجِ: "فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَلِلْأَسَفِ؛ نَتِيجَةً لِجَهْلِ النَّاسِ بِحِكَمِ الزَّوَاجِ الْمَذْكُورَةِ انْتَشَرَ فِي عَصْرِنَا الْحَاضِرِ وُقُوعُ الزَّوَاجِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَكَثُرَتْ أَسْئِلَةُ النَّاسِ عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَنْكِحَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْقِدُ عَلَى امْرَأَةٍ وَيَنْوِي أَنْ يَبْقَى مَعَهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا.

 

وَلَوْ جِئْنَا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- نَنْظُرُ إِلَى الْأَسْبَابِ الدَّاعِيَةِ لِلزَّوَاجِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ سَنَرَى أَنَّ مِنْهَا:

سَفَرَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ مِنْ أَجْلِ دِرَاسَةٍ، أَوِ اكْتِسَابٍ، أَوْ قَضَاءِ مُهِمَّةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ، وَحِينَمَا يَطُولُ مُكْثُهُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ جَلْبَ زَوْجَتِهِ مَعَهُ إِلَيْهَا، وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ؛ يَتَزَوَّجُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدَةِ بِتِلْكَ الزَّوْجَةِ إِلَى بَلَدِهِ؛ لِأَسْبَابٍ يَرَاهَا مَانِعَةً مِنْ ذَلِكَ.

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ الدَّاعِيَةِ إِلَى ذَلِكَ: قَصْدُ الِاسْتِمْتَاعِ الْمَحْضِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يُسَافِرُ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلَدٍ أُخْرَى لَا لِحَاجَةٍ، وَلَكِنْ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ، فَيَبْقَى مَعَهَا مُدَّةً ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَيَعُودُ إِلَى بَلَدِهِ!.

 

فَمَا حُكْمُ هَذَا الزَّوَاجِ يَا عِبَادَ اللَّهِ؟

 

إِنَّ الْأَقْرَبَ إِلَى مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ، وَالْمُوَافِقَ لِغَايَاتِ الزَّوَاجِ الَّتِي شَرَعَهُ الْإِسْلَامُ لِأَجْلِهَا؛ هُوَ الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ شَرْطَ الدَّوَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْدَافِ النِّكَاحِ الْكُبْرَى، وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِالْمَرْأَةِ وَأُسْرَتِهَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُسَبِّبُ أَضْرَارًا لِلزَّوْجَةِ فِي مُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهَا، خَاصَّةً إِذَا كَانَتْ بِكْرًا، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مُشْكِلَاتٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ قَدْ تُفْضِي إِلَى الشَّحْنَاءِ وَالتَّقَاتُلِ.

 

وَقَدْ أَفْتَى بِحُرْمَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الزَّوَاجِ عَدَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "هَذَا النِّكَاحُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْعَقْدِ بِأَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا لِمُدَّةِ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، أَوْ حَتَّى تَنْتَهِيَ دِرَاسَتُهُ، فَهَذَا نِكَاحُ مُتْعَةٍ، وَهُوَ حَرَامٌ. وَإِمَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ بِدُونِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ، فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَنْوِيَّ كَالْمَشْرُوطِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ شَخْصٍ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فَإِنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيِّ كَالْمَشْرُوطِ، فَإِذَا كَانَتْ نِيَّةُ التَّحْلِيلِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ فَكَذَلِكَ نِيَّةُ الْمُتْعَةِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ".

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ خَارِجَ بَلَدِهِ؛ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فَعَلَيْهِ أَلَّا يَتَزَوَّجَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ، بَلْ يَتَزَوَّجُ دُونَ أَنْ يَعْقِدَ النِّيَّةَ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ مَتَى انْقَضَتْ حَاجَتُهُ مِنْ دِرَاسَةٍ أَوْ عَمَلٍ، فَإِذَا أَكْمَلَ حَاجَتَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ: هَلْ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْرَارُ مَعَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ فَيَأْخُذُهَا إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ تَبْقَى فِي بَلَدِهَا وَيَزُورُهَا بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى، فَإِنْ صَلُحَ هَذَا أَوْ ذَاكَ وَإِلَّا طَلَّقَهَا بِمَعْرُوفٍ. وَهَذَا الْتِزَامٌ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَفِيهِ مَخْرَجٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِي شَرِّ الزَّوَاجِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطَّلَاقِ: 2].

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ النِّكَاحَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ وَإِنْ قُلْنَا بِحُرْمَتِهِ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ، إِلَّا أَنَّ الْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ الْمَعْرُوفِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِكَوْنِهِ قَدْ تَوَفَّرَ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَالْمَهْرُ وَالشُّهُودُ؛ فَمِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ:

وُجُوبُ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)[الْبَقَرَةِ: 228]، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ أَثْنَاءَ الْحَمْلِ وَالْإِرْضَاعِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ)[الْبَقَرَةِ: 233]، وَثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ)[الْأَحْزَابِ: 5]، وَحُصُولُ التَّوَارُثِ عِنْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا مَا دَامَ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ لَا ثَلَاثًا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا، وَأَحْوَالَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنْ مُخَالَفَةَ الشَّارِعِ الْحَكِيمِ فِيمَا شَرَعَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَضْرَارٌ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، فَالنِّكَاحُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ لَمَّا كَانَ مُخَالِفًا لِلنِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ تَنْتِجُ عَنْهُ -فِي الْغَالِبِ- أَضْرَارٌ كَثِيرَةٌ؛ فَمِنْ تِلْكَ الْأَضْرَارِ:

تَحَمُّلُ الْمَرْأَةِ وَأُسْرَتِهَا تَبِعَاتِ الْحَمْلِ لَوْ حَصَلَ حَمْلٌ؛ فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ وَأَهْلُهَا هُمُ الْمَسْؤُولِينَ عَنِ النَّفَقَةِ، وَتَكَالِيفِ الْوِلَادَةِ، وَعَنَاءِ التَّرْبِيَةِ.

 

ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الزَّوْجَ الْمُطَلِّقَ قَدْ يَذْهَبُ لِسَبِيلِهِ وَيَجْهَلُ أَنَّ زَوْجَتَهُ قَدْ حَمَلَتْ مِنْهُ فَيَضِيعُ بِفِعْلِهِ هَذَا وَلَدُهُ، وَيَحْرِمُهُ دِفْءَ الْأُبُوَّةِ وَالْمِيرَاثَ... وَغَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وَمِنَ الْأَضْرَارِ النَّاتِجَةِ عَنِ النِّكَاحِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ: أَنَّهُ صَارَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ مِهْنَةً لِبَعْضِ النِّسَاءِ، وَلَهُنَّ سَمَاسِمَرَةٌ يَأْتُونَ بِالرِّجَالِ إِلَيْهِنَّ، فَتَقْضِي الْمَرْأَةُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الرَّجُلُ فَتَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى رَجُلٍ جَدِيدٍ، وَرُبَّمَا لَا تَعْتَدُّ، وَقَدْ تَحْمِلُ وَتَخْتَلِطُ الْمِيَاهُ فَتَضِيعُ الْأَنْسَابُ وَالْأَوْلَادُ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ مِنَ الثِّقَاتِ: "أَنَّ رَجُلًا ذَهَبَ لِبَلَدٍ فَقِيرٍ فَتَلَقَّفَهُ زَبَانِيَةُ (الزَّوَاجِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ) وَتَمَّ زَوَاجُهُ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَلَدِهِ يَعْرِفُهُ فَدُهِشَ مِمَّا رَأَى! حَيْثُ رَأَى مَعَ صَاحِبِهِ امْرَأَةً كَانَتْ فِي الْأُسْبُوعِ الْمَاضِي زَوْجَةً لِرَجُلٍ آخَرَ!".

 

وَمِنَ الْأَضْرَارِ النَّاتِجَةِ عَنِ النِّكَاحِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ: أَنَّهُ ارْتِكَابٌ لِمَعْصِيَةِ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تَدْرِي بِنِيَّةِ زَوْجِهَا هَذَا، فَهِيَ تَعْتَقِدُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا نَاوِيًا الْبَقَاءَ مَعَهَا، غَيْرَ عَالِمَةٍ بِمَا يُخْفِيهِ لَهَا.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ).

 

وَمَا أَعْظَمَ هَذَا الْغِشَّ إِنْ كَانَ مِنْ رَجُلٍ يَنْتَسِبُ إِلَى بَلَدٍ إِسْلَامِيٍّ وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ مِنَ الْغَرْبِ؛ فَكَمْ سَيُشَوِّهُ هَذَا الرَّجُلُ دِينَهُ وَأَهْلَ دِينِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ السَّيِّئَةِ الْمُبَيَّتَةِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَبْقَى مَعَهَا عَلَى الدَّوَامِ!

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِيَّاكَ إِيَّاكَ وَالْإِقْدَامَ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الزَّوَاجِ، وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَنْ يُشَوَّهَ الْإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّكَ لَا تُحِبُّ أَنْ يَجْرِيَ النِّكَاحُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ مَعَ قَرِيبَاتِكَ مِنْ أَخَوَاتٍ وَبَنَاتٍ، فَلْتُحِبَّ كَذَلِكَ لِنِسَاءِ النَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنِسَائِكَ، وَلْتَكْرَهْ لِنِسَاءِ الْآخَرِينَ مَا تَكْرَهُ لِنِسَائِكَ.

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ؛ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُلْبِسَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ حِلْيَةَ الْعَفَافِ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمْ مَسَالِكَ الْإِتْلَافِ وَالِانْحِرَافِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].