البحث

عبارات مقترحة:

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

اسم الله الجبار

العربية

المؤلف د عبدالله بن مشبب القحطاني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد
عناصر الخطبة
  1. حقيقة اسم الله الجبار ومعناه ودلائله .
  2. النهي عن التجبر وعقوبة المتجبرين .
  3. بعض صور جبر الجبار لعباده. .

اقتباس

وَالْجَبَّارُ: صِفَةُ مَدْحٍ وَكَمَالٍ فِي حَقِّ اللَّهِ؛ وَأَمَّا عِنْدَ اتِّصَافِ الْبَشَرِ بِهَا فَهِيَ: صِفَةُ ذَمٍّ وَنَقْصٍ وَعَيْبٍ غَالِبًا، أَمَا تَرَى أَنَّ الَّذِي يَدَّعِي مِنَ الْبَشَرِ بِأَنَّهُ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الْحَشْرِ: 23]؛ فَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- "الْجَبَّارُ" عَزَّ جَاهُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ.

 

وَالْجَبَّارُ هُوَ: الَّذِي يَجْبُرُ قَلْبَ الْكَسِيرِ، وَيُغْنِي الْفَقِيرَ، وَيُيَسِّرُ كُلَّ عَسِيرٍ، وَهُوَ يَجْبُرُ قُلُوبَ الْخَاضِعِينَ لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ جَبْرًا خَاصًّا.

 

وَالْجَبَّارُ هُوَ: الْقَهَّارُ لِكُلِّ شَيْءٍ؛ الَّذِي دَانَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَخَضَعَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ.

 

وَالْجَبَّارُ هُوَ: الْعَلِيُّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَوْقَ خَلْقِهِ، مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ.

 

وَكَذِلِكَ الْجَبَّارُ مِنَ أَوْصَافِهِ جَبْرُ الضَّعِيفِ وَكُلِّ قَلْبٍ كَسِيرٍ، وَالثَّانِي جَبْرُ الْقَهْرِ بِالْعِزِّ؛ وَلَهُ مُسَمًّى ثَالِثٌ؛ وَهُوَ الْعُلُوُّ.

 

وَكَذَلِكَ الْجَبَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ

وَالْجَبْرُ فِي أَوْصَافِهِ قِسْمَانِ

جَبْرُ الضَّعِيفِ وَكُلِّ قَلْبٍ قَدْ غَدَا       

ذَا كَسْرَةٍ فَالْجَبْرُ مِنْهُ دَانِ

وَالثَّانِي جَبْرُ الْقَهْرِ بِالْعِزِّ الَّذِي

لَا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ

وَلَهُ مُسَمًّى ثَالِثٌ؛ وَهُوَ الْعُلُوُّ

فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ

مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَّارَةٌ لِلنَّخْلَةِ الْـ عُلْيَا الَّتِي فَاتَتْ لِكُلِّ بَنَانِ

 

فَرَبُّنَا لَهُ الْجَبَرُوتُ وَحْدَهُ، فَهُوَ قَاهِرُ الْجَبَابِرَةِ بِجَبَرُوتِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَاهُمْ بِعَظَمِتِهِ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِهَذَا الِاسْمِ؛ فَقَالَ: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الْحَشْرِ: 23].

 

وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو فِي سُجُودِهِ وَرُكُوعِهِ: "سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وَالْجَبَّارُ: صِفَةُ مَدْحٍ وَكَمَالٍ فِي حَقِّ اللَّهِ؛ وَأَمَّا عِنْدَ اتِّصَافِ الْبَشَرِ بِهَا فَهِيَ: صِفَةُ ذَمٍّ وَنَقْصٍ وَعَيْبٍ غَالِبًا، أَمَا تَرَى أَنَّ الَّذِي يَدَّعِي مِنَ الْبَشَرِ بِأَنَّهُ جَبَّارٌ؛ تُؤْذِيَهُ الْبَقَّةُ، وَتَأْكُلُهُ الدُّودَةُ، وَتُشَوِّشَهُ الذُّبَابَةُ، وَهُوَ أَسِيرُ جُوعِهِ، وَصَرِيعُ شِبَعِهِ؟!

 

لِذَلِكَ؛ أَنْكَرِتِ الرُّسُلُ عَلَى أَقْوَامِهَا صِفَةَ؛ (التَّجَبُّرِ وَالتَّكَبُّرِ) فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَاللَّهُ قَدْ قَالَ: (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)[الشُّعَرَاءِ: 130].

 

وَمَنْ تَجَبَّرَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)[غَافِرٍ: 35]، وَتَوَعَّدَ اللَّهُ الْجَبَابِرَةَ بِالْخَيْبَةِ وَبِالْعَذَابِ؛ (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ  * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)[إِبْرَاهِيمَ: 15- 16].

 

وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَصَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ؛ فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ، وَالْمُتَجَبِّرِينَ..."(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

فَأَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ.. أَيْنَ الْمُتَجَبِّرُونَ؟

 

أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ وَمَنْ

كَانَتْ تَخِرُّ لَهُ الْأَذْقَانُ إِذْعَانَا

صَاحَتْ بِهِمْ حَادِثَاتُ الدَّهْرِ فَانْقَلَبُوا

مُسْتَبْدِلِينَ مِنَ الْأَوْطَانِ أَوْطَانَا

خَلَّوْا مَدَائِنَ كَانَ الْعِزُّ مَفْرَشَهَا

وَاسْتَفْرَشُوا حُفَرًا غُبْرًا وَقِيعَانَا

يَا رَاكِضًا فِي مَيَادِينِ الْهَوَى مَرِحًا

وَرَافِلًا فِي ثِيَابِ الْغَيِّ نَشْوَانَا

مَضَى الزَّمَانُ وَوَلَّى الْعُمْرُ فِي لَعِبٍ

يَكْفِيكَ مَا قَدْ مَضَى قَدْ كَانَ مَا كَانَا

 

وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَاهْدِنَا وَارْزُقْنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: انْكِسَارَاتُ الْحَيَاةِ عَدِيدَةٌ، وَكُلَّ يَوْمٍ نَتَكَسَّرُ بِهُمُومِ هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ فَنَحْتَاجُ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ حَتَّى يَجْبُرَ كَسْرَنَا، وَيُقَوِّيَ ضَعْفَنَا.

 

شَبَابٌ وَشِيبٌ وَافْتِقَارٌ وَثَرْوَةٌ

فَلِلَّهِ هَذَا الدَّهْرُ كَيْفَ تَرَدَّدَا؟!

 

يَنْكَسِرُ الْمَرِيضُ عَلَى فِرَاشِهِ، يُصَارِعُ الْمَرَضَ؛ فَيُنَادِي: يَا اللَّهُ! فَإِذَا الْجَبَّارُ يَجْبُرُ كَسْرَهُ، وَيُنْزِلُ الشِّفَاءَ مِنْ عِنْدِهِ.

 

يَنْكَسِرُ الْفَقِيرُ فَلَا يَمْلِكُ قِطْمِيرًا، وَيَتَنَهَّدُ مِنَ الْبُؤْسِ، وَيَبْكِي مِنَ الْفَاقَةِ، وَيَنْظُرُ فِي السَّمَاءِ وَيَقُولُ: يَا اللَّهُ! فَإِذَا الْجَبَّارُ يَجْبُرُ كَسْرَهُ، وَيَرْفَعُ حَاجَتَهُ، وَيَكْشِفُ ضَائِقَتَهُ.

 

يَنْكَسِرُ الْمَظْلُومُ، وَيُخْفِي أَنِينَهُ، وَيَمْسَحُ دَمْعَتَهُ، وَيَنْطَرِحُ عِنْدَ بَابِ اللَّهِ وَيَقُولُ: يَا اللَّهُ! فَإِذَا بِالْجَبَّارِ يَنْتَقِمُ لَهُ، وَيُرْسِلُ جُنْدَهُ، وَيُنْزِلُ نَصْرَهُ.

 

يَنْكَسِرُ السَّجِينُ فِي زِنْزَانَتِهِ؛ وَقَدْ كُبِّلَ بِالْحَدِيدِ، وَغُلَّ بِالْقُيُودِ؛ فَيُنَادِي: يَا اللَّهُ! فَإِذَا بِالْجَبَّارِ يَجْبُرُ كَسْرَهُ، وَيْفَتَحُ الْأَبْوَابَ لَهُ، وَإِذَا الْقُيُودُ تُحَلُّ، وَالْفَرَجُ يَحْصُلُ.

 

يَنْكَسِرُ الْعَقِيمُ، وَيَلُفُّهُ الْحُزْنُ، وَيَضْعُفُ الْأَمَلُ؛ فَيَأَخُذُ سِجَّادَتَهُ، وَيُطِيلُ بُكَاءَهُ، وَيُنَادِي: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً! فَإِذَا بِالْجَبَّارِ يَجْبُرُ كَسْرَهُ،، وَيُرْسِلُ أَمْرَهُ وَعَوْنَهُ وَمَدَدَهُ؛ فَإِذَا الْمُسْتَحِيلُ مَوَجُودٌ، وَإِذَا الِابْتِسَامَةُ تَحْصُلُ، وَالْحَمْلُ قَدْ حَلَّ.

 

إِنَّهُ الْجَبَّارُ؛ يَحُلُّ الْعُقَدَ، وَيَجْبُرُ الْقُلُوبَ وَالْعِظَامَ وَالنُّفُوسَ، وَيُكَفْكِفُ الدُّمُوعَ، وَيَرْفَعُ الْبَلَاءَ، وَيَكْشِفُ الضَّرَّاءَ، وَيُرْسِلُ السَّرَّاءَ.

 

يُنَادِيهِ الْجَمِيعُ: اجْبُرْ كَسْرَنَا، وَارْحَمْ ضَعْفَنَا! (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرَّحْمَنِ: 29].

 

وَإِذَا الْعِنَايَةُ لَاحَظَتْكَ عُيُونُهَا

نَمْ فَالْحَوَادِثُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ

 

يَقَوْلُ اللَّهُ: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)[الْحِجْرِ: 21]؛ فَبِيَدِهِ مَفَاتِيحُ الْفَرَجِ؛ فَإِذَا أَوْقَفَتْكَ الْآلَامُ وَالْهُمُومُ؛ فَاتَّجِهْ إِلَى الْمَلِكِ الْعَلَّامِ، جَابِرِ الْقُلُوبِ وَجَابِرِ الْكُسُورِ، وَنَادِ: يَا جَابِرَ الْمُنْكَسِرِينَ! اجْبُرْ كَسْرِي، وَارْحَمْ ضَعْفِي، وَفَرِّجْ هَمِّي، (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[النَّمْلِ: 62].

 

وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَتَى

ذَرْعًا وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ

ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُهَا

فُرِجَتْ وَكَانَ يَظُنُّهَا لَا تُفْرَجُ

 

وَلَكِنَّ الْكَثِيرَ يَسْتَعْجِلُونَ الْفَرَجَ، أَوْ يَغْفَلُونَ عَنْ مَلِكِ الْمُلُوكِ وَجَابِرِ الْقُلُوبِ، وَيَفْزَعُونَ إِلَى الضَّعِيفِ الْمَمْلُوكِ؛ فَلَا يَجِدُونَ مَا يَبْتَغُونَ! (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[التَّوْبَةِ: 67].

 

وَتَذَكَّرْ: أَنَّ الْكَرْبَ كُسُورُ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَأَيْتَ مُؤْمِنًا فِي كُرْبَةٍ؛ فُكُنْ أَنْتَ مَنْ يَسْتَخْدِمُكَ اللَّهُ لِجَبْرِ كَسْرِهِ؛ فَإِنَّ الْمُكَافَأَةَ الْعُظْمَى يَوْمَ يَبْحَثُ النَّاسُ جَمِيعًا عَمَّنْ يَجْبُرُ كُسُورَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

 

صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً؛ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ)، (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[الْقَصَصِ: 77]، (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 134].

 

كُنْ بَلْسَمًا إِنْ صَارَ دَهْرُكَ أَرْقَمَا

وَحَلَاوَةً إِنْ صَارَ غَيْرُكَ عَلْقَمَا

 

اللَّهُمَّ! يَا جَابِرَ قُلُوبِ الْمُنْكَسِرِينَ اجْبُرْ كَسْرَنَا، وَارْحَمْ ضَعْفَنَا، وَتَجَاوَزْ عَنَّا؛ بِرَحْمَتِكِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

اللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

 

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.