الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد - أسماء الله |
فتأمل في كل شيء حولك، ابتداء من نفسك وانتهاء بما وقع عليه بصرك؛ تجد أن العالم كله ممتلئ برحمة الله، فأنى تفكرت في هذا الكون وجدت مظاهر وآثار رحمة الله أمامك, وصدق الله إذ يقول: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ), فإن إمعان النظر والتفكر في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
أيها المسلمون: آية عظيمة في كتاب الله من كلمة واحدة، تفتتح بها هذه السورة العظيمة وتسمَّى بها؛ لكن هذه الكلمة العظيمة تحمل معانٍ ودلالات كبيرة؛ فأصغ سمعك لتلك الكلمة، واستمع لمولاك وهو يخاطبك بها ليجذب إليه قلبَك، يقول الحق -سبحانه-: (الرَّحْمَنُ) [الرحمن: 1].
فما أعظم هذه الكلمة التي تحمل كل معاني اللطف والشفقة، وقبل تفصيلها في ثنايا السورة، يكرر الله تَعَجُّبَهُ وتَسَاؤُلَه للثقلين، الإنس والجن بقوله: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن: 13], مختتما ما بدأه من نعمه بقوله: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 78], فالاسم الذي تبارك هو اسمه الرحمن، الذي بدأ به السورة، فبركته وإحسانه ورحمته عمت كل شيء، بل كل مبارك فببركة الرحمن.
عباد الله: (الرحمن) أوسع من (الرحيم) فرحمته تتسع لجميع الخلائق في الدنيا, ورحمته في الآخرة للمؤمنين ويُحجب عنها الكافرون, وقيل: الرحمن صفة ذات, والرحيم صفة فعل, أي الرحيم بذاته الذي يوصل الرحمة لعباده.
وتكرر ذكر الرحمن في القرآن في سبعة وخمسين موضعا, يقول ابن القيم: "وإذا أراد الله بأهل الأرض خيرا، نشر عليهم أثرا من آثار اسمه الرحمن، فعمَّر به البلاد، وأحيا به العباد، وإن أراد بهم شراً أمسك عنهم ذلك الأثر، فحل بهم من البلاء بحسب ما أمسك عنهم من آثار اسمه الرحمن".
وتتجلى رحمة الله -تعالى- لعباده وعنايته بهم في الدنيا والآخرة في صور ومظاهر لا تحصى، ومنها:
ظهور رحمة الله في آيات هذا الكون؛ فالشمس والقمر والليل والنهار وتقلُّبهما من مظاهر رحمته: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص:73].
ونجدها في إخراج الزرع من الأرض بعد أن كانت ميتة، قال -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) [الروم: 48 - 50].
كذا في إرساله الرسل لهداية الناس وما جبلهم عليه من جميل الصفات، قال سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159], وكذلك في إنزال الكتب، يقول رب العزة والجلال: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [النحل: 64].
ومن مظاهر رحمة الله: نصره للمؤمنين, كما قال عن هود -عليه السلام-: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) [الأعراف: 72], وقال عن صالح -عليه السلام- (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) [هود: 66], وقال عن شعيب -عليه السلام-: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) [هود: 94]؛ بل إن الله -تعالى- كتب على نفسه أن يرحمهم؛ إذا هم عملوا الصالحات واجتنبوا السيئات، فقال في كتابه: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام: 54].
ومن رحمته -سبحانه-: أنه أنزل رحمة إلى عباده؛ ليتراحموا بينهم؛ فيكمِّل بعضهم بعضاً، ويحتاج بعضهم إلى بعض، ويعطف غنيهم على فقيرهم، وقويُّهم على ضعيفهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله مئةَ رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحشُ على ولدها، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وأخَّر تسع وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة" (متفق عليه).
فتأمل في كل شيء حولك، ابتداء من نفسك وانتهاء بما وقع عليه بصرك؛ تجد أن العالم كله ممتلئ برحمة الله، فأنى تفكرت في هذا الكون وجدت مظاهر وآثار رحمة الله أمامك, وصدق الله إذ يقول: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف: 156].
عباد الله: كل تلك الصور التي سمعتموها جزء يسير من رحمة الله في الدنيا، أما في الآخرة فأعظم وأكبر، فمنها:
مغفرته لعباده ومحو سيئاتهم، يقول عبدالله ابن عمر -رضي الله عنهما- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يُدني المؤمن فيضع عليه كَنَفَه ويستُره فيقول: أتعرفُ ذنب كذا؟ أتعرفُ ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربِّ حتى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" (متفق عليه).
ومن رحمة الله في الآخرة: أنه يُدخل عباده الجنة برحمته وفضله، قال -صلى الله عليه وسلم- "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة" (مسلم).
أيها المؤمنون: فإن إمعان النظر والتفكر في اسم الله الرحمن -جل جلاله-؛ ليَدْفَع إلى التحلي بالرحمة والقيام بالأسباب الموجبة لرحمة الله، ومن تلك الأسباب:
الإيمان بالله والهجرة والجهاد في سبيله والطاعة عموما، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة: 218], وقال -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) [الأعراف: 156], وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله) [التوبة: 71].
وتُستجلب رحمته -تعالى- بالاستماع إلى آياته إذا تليت، واتباع ما لأجله أنزلت: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204]، (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام: 155].
كذلك تنال بطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ، قال -عز من قائل-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 132], واتباع الكتابِ والسنةِ، قال -تعالى- : (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام:155], وقال -سبحانه-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) [الأعراف:157].
كما أن رحمة الله تُستجلب بالإحسان إلى خلقه، يقول الحبيب -صلوات ربي وسلامه عليه-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ"، ومن الإحسان إلى الخلق زيارةُ المريضِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: "من عاد مريضًا لم يزلْ يخوضُ في الرحمةِ حتى يجلسَ، فإذا جلسَ اغتمسَ فيها" (رواه أحمد).
ومن الأسباب الجالبة لرحمة الله: الصبر المصائب والآلام، قال -تعالى-: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:156، 157].
ومن الأسباب الجالبة لرحمة الله: التصالحُ والألفة بينَ المؤمنين، قالَ -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:10].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله: فإن من تأمل في اسم الله الرحمن وفهم معانيه ودلالاته تملّكه العَجَبُ، وهو يقرأ قوله -تعالى- على لسان نبيه إبراهيم -عليه السلام- لأبيه وهو يتودد إليه، ويدعوه إلى النجاة: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) [مريم: 45]؛ وإن الأمر الذي دعا صاحبه للعَجَبِ هو أنه كيف يُعذِب من سمى نفسه بالرحمن؟!.
والجواب: أن من تأمل هذه الآية يدرك تماما أن من عذبه الرحمن فهو بلا ريب مستحق للعذاب، فكأنه لم يترك مجالاً للرحمة أن تناله، ولا يهلك على الله إلا هالك، وفيه من الوعيد؛ إذ إن العذاب من الرحمن ليس كالعذاب من غيره، فهو دليل على شدة الغضب، وعدم وجود الفرصة المتاحة للرحمة أو للتغاضي، فكل من استوجب العذاب فقد سد أبواب الرحمة منه.
عبادَ اللهِ: إنَّ من طلب رحمةَ اللهِ وجدها، ومن أخذَ بمفاتيحِها نالها في أيِّ مكانٍ وفي أيِّ حالٍ، وجدها إبراهيمُ-عليهِ السلامُ- في النَّارِ، ووجدها يوسُفُ-عليهِ السلامُ- في الجُبِّ، كما وجدها في السجنِ، ووجدها يونُسُ-عليهِ السلامُ-في بطنِ الحوتِ، ووجدها موسى -عليهِ السلامُ- في اليمِّ وهو طِفلٌ رضيعٌ مُجرَّدٌ من كُلِّ قوةٍ ومن كُلِّ حراسةٍ، ووجدها أصحابُ الكهفِ في الكهفِ حينَ افتقدوها في القصورِ والدُّورِ، فقالَ بعضُهم لِبعضٍ: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً) [الكهف:16], ووجدها رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-هو وصاحبُهُ في الغارِ، والقومُ يتعقبونهم (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ) [التوبة: 40]، وسيجدُها كلُّ أحدٍ أخلصَ للهِ قاصداً بابَ الرحمن دونَ الأبوابِ كُلِّها.
عباد الله: إذا غابت الرحمةُ من المجتمعِ، انقلبَ المجتمعُ إلى مجتمعِ غابٍ، يأكلُ القويُ فيه الضعيفَ، وتُداسُ فيه الحقوقُ، والقضايا المتراكمةُ في المحاكمِ تشهدُ بذهابِ خُلقِ الرحمةِ بينَ الناسِ.
لقدْ أخبرنا الصادقُ المصدوقُ: "أنَّ امرأةً بغياً رأت كلباً في يومٍ حارٍ يطوفُ ببئرٍ، قدْ أدلعَ لسانَه من العطشِ، فنزعتْ له بموقِها -أي أنها استقت له من البئرِ، والموقُ هنا هو الخفُّ- فغُفِرَ لها" [أخرجه البخاري ومسلم]. فإذا كانتِ الرحمةُ بالكلابِ تغفر الخطايا للبغايا؛ فكيفَ تصنعُ الرحمةُ بمن وحّدَ الرحمن -جل في علاه-؟!.
ألا فلنعظم الرحمن ونحفظ اسمه وندعوه به؛ لعل الله -تعالى- يتولانا في الدنيا برحمته ويتغمدنا بها في الآخرة.
وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى نبيكم فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ -تعالى- بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا).