الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهوس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
كُلَّما جَدَّدَ لَكُمْ رَبُّكُمْ نِعَمًا فَجَدِّدُوا لَهَا حَمْدًا وَشُكْرًا، وَكُلَّمَا صَرَفَ عَنْكُمُ الْمَكَارِهَ فَقُومُوا بِحقِّ رَبِّكُمْ طَاعَةً لَهُ وَثَنَاءً وذِكْرًا، وَسَلُوا ربَّكُمْ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمْ فِيمَا أَعْطَاكُمْ، وَأَنْ يُتَابِعَ عَلَيْكُمْ مَنَافِعَ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، فَهُوَ الرَّؤُوفُ بِالْعِبَادِ، وَلَيْسَ لِخَيْرِهِ نَقْصٌ وَلاَ نَفَادٌ.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: شُكْرُ اللهِ -تَعَالَى- عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمَنْزِلَةٌ سَامِيَةٌ رَفِيعَةٌ لَا يَبْلُغُهَا إِلَّا مَنْ مَنَّ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ؛ وَهِيَ صِفَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَمِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَحُسْنِ الْإِسْلَامِ، وَشُكْرُ اللهِ -تَعَالَى- شَطْرُ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَكُونُ حَالُهُ إِمَّا ضَرَّاءُ فَيَصْبِرُ، وَإِمَّا سَرَّاءُ فَيَشْكُرُ اللَّهَ -تَعَالَى-، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"(رَوَاه مُسْلِمٌ).
وَقَدْ سُمِّيَ الشُّكْرُ بِالْحَافِظِ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ النِّعَمَ الْمَوْجُودَةَ، وَسُمِّيَ بِالْجَالِبِ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النِّعَمَ الْمَفْقُودَةَ، وَاللَّهُ -تَعَالَى- يُحِبُّ الشُّكْرَ وَأَهْلَهُ، وَيُبْغِضُ الْكَفْرَ وَأَهْلَهُ، وَيَجْزِي عَلَى قَدْرِ شُكْرِ الْعَبْدِ لَهُ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران:144]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : مِنْ أَجَلّ النِّعَمِ الَّتِي تُذْكَرُ وَلَا تُنْسَى وَتُشْكَرُ وَلَا تُكَفَرُ بَعْدَ نِعْمَة الْإِسْلَامِ: نِعْمَةُ نُزُولِ الْغَيْثِ عَلَى بِلَادِنَا؛ فَبِسَبَبِهِ تَحْيَا الأَرْضُ وَتَزْدَانُ، وَيَفْرَحُ النَّاسُ بِهِ وَالأَنْعَامُ، فَهُوَ أَثَرٌ لِرَحْمَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي عِبَادِهِ؛ بِهِ يُزِيلُ اللهُ -تَعَالَى- يَأْسَهُمْ، وَيُذْهِبُ رِجْزَهُمْ، وَيُجْلِي هَمَّهُمْ، وَيَكْشِفُ كَرْبَهُمْ، وَيَرْفَعُ الضُّرَّ عَنْهُمْ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ)[الأنفال: 11].
وَقَالَ -سبحانه-: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل: 10- 11].
وَقَالَ -جل وعلا-: (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)[الروم: 48-50].
وَقَالَ -سبحانه-: (وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ)[يس: 33- 35].
فَاشْكُرُوا رَبَّكَمْ الْمُنْعِمَ الْمُتَفَضِّلَ؛ فَمِنْ تَمَامِ شُكْرِ اللهِ: الاِعْتِرَافُ بِالْقَلْبِ أَنَّهُ مَا مِنْ خَيْرٍ إِلاَّ مِنَ اللهِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا بِكُم مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النحل: 53]، وَكَذَلِكَ مِنَ الشُّكْرِ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى فَرَائِضِ اللهِ -تَعَالَى-، وَالاِجْتِهَادُ فِي عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَالْبُعْدُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ)[الزمر: 66].
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينِ، لَكَ حَامِدِينَ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلْمَطَرِ سُنَنًا قَوْلِيَّةً وَأُخْرَى فِعْلِيَّةً، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى الْغَيْثَ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا"، "مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ"، وَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ الْمَطَرُ وَخَشِيَ الضَّرَرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وبُطُونِ الأَوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ".
وَكَانَ يَكْشِفُ بَعْضَ بَدِنِهِ لِيصِيبَهُ الْمَطَرُ، ويَحَسِرُ ثَوْبَهُ، وَيَكْشِفُ عَنْ عِمَامَتِهِ لِيُصِيبَ الْمَطَرُ جَسَدَهُ، وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ حَالَ نُزُولِهِ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثِنْتَانِ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَتَحْتَ الْمَطَرِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كُلَّما جَدَّدَ لَكُمْ رَبُّكُمْ نِعَمًا فَجَدِّدُوا لَهَا حَمْدًا وَشُكْرًا، وَكُلَّمَا صَرَفَ عَنْكُمُ الْمَكَارِهَ فَقُومُوا بِحقِّ رَبِّكُمْ طَاعَةً لَهُ وَثَنَاءً وذِكْرًا، وَسَلُوا ربَّكُمْ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمْ فِيمَا أَعْطَاكُمْ، وَأَنْ يُتَابِعَ عَلَيْكُمْ مَنَافِعَ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، فَهُوَ الرَّؤُوفُ بِالْعِبَادِ، وَلَيْسَ لِخَيْرِهِ نَقْصٌ وَلاَ نَفَادٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.