الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَيْرِيزٍ: "مَنْ مَشَى بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ فَقَدْ عَقَّهُ, إِلا أَنْ يَمْشِيَ فَيُمِيطَ الأَذَى عَنْ طَرِيقِهِ، وَمَنْ دَعَا أَبَاهُ باسمه أَوْ بِكُنْيَتِهِ؛ فَقَدْ عَقَّهُ, إِلا أَنْ يَقُولَ: يَا أَبَتِ", وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي: "الْوَلَدُ يَقْرُبُ مِنْ أُمِّهِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ أُمَّهُ, أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وبعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أيها المؤمنون: لا زلنا في الحقوق الواجبة على المسلم؛ فإن من الحقوق الواجبة على المسلم بعد حق الله ورسوله, ثم حق الوالدين وصلة الأرحام والجار: هو حق المسلم على المسلم؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالمودة والتراحم والتعاطف بين المسلمين؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم, كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(رواه مسلم).
وثبت في صحيح مسلم والبخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه, وإذا دعاك فأجبه, وإذا استنصحك فأنصح له, وإذا عطس فحمد الله فشمته, وإذا مرض فعده, وإذا مات فاتبعه"(رواه مسلم).
ففي هذا الحديث الشريف بيان عدة حقوق بين المسلمين وهي:
الحق الأول: السلام؛ فالسلام سنة مؤكدة, وهي من أسباب التآلف بين المسلمين والمحبة بينهم؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا؛ أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟؛ أفشوا السلام بينكم"(رواه مسلم), وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبدأ من لقيه بالسلام, ويسلم على الصبيان إذا مر بهم.
الحق الثاني: إذا دعاك فأجبه, فإذا دعاك أخوك المسلم إلى منزله؛ لتناول طعام أو غيره فأجبه, والإجابة سنة مؤكدة؛ لما فيها من جبر قلب الداعي, وجلب المودة والألفة بين المسلمين, أما إجابة وليمة العرس؛ فإنها واجبة على الراجح من أقوال العلماء؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ومن لم يجب؛ فقد عصى الله ورسوله"(متفق عليه).
وقد يشمل إجابة المسلم إذا دعاك في مساعدته في إصلاح سيارته, أو حمل بعض أغراضه أو نحو ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان؛ يشد بعضه بعضاً"(رواه البخاري ومسلم).
الحق الثالث: إذا استنصحك فانصحه؛ يعني إذا طلب منك النصيحة في أي أمر فأنصحه بما هو أفضل, بما يرضي الله -عز وجل-؛ لأن هذا من الدين, فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة لله ورسوله, ولأئمة المسلمين وعامتهم"(رواه مسلم).
الحق الرابع: إذا عطس فحمد الله فشمته؛ أي: قل له: "يرحمك الله", أما إذا لم يحمد الله فلا يشمت؛ لأنه لم يحمد الله, فكان جزاؤه أن لا يشمت, ويجب على العاطس إذا قيل له: "يرحمك الله", أن يقول هو: "يهديكم الله ويصلح بالكم", وتشمت أخيك المسلم ثلاث مرات من عطسه ثلاثاً, وفي العطسة الرابعة تقول: "عافاك الله".
الحق الخامس: إذا مرض فعده؛ أي: زيارته في بيته أو المستشفى, وزيارة المريض بحسب حالة المريض؛ فقد يتطلب الأمر زيارته أكثر من مرة إذا طال مرضه, أو أقل من ذلك حسب مرضه, وتدعو له وتخفف عنه المرض بأن تقول له كلاماً مؤنساً له, ولا تهول عليه المرض.
الحق السادس: إذا مات فأتبع جنازته, وفي ذلك أجر عظيم؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها؛ فله قيراط, ومن تبعها حتى يدفن؛ فله قيراطان", قيل: ما القيراطان؟, قال: "مثل الجبلين العظيمين"(رواه البخاري ومسلم).
نسال الله -عز وجل- أن يوفقنا لما يرضيه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه, وأقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم, وبعد:
ومن الحقوق الواجبة على المسلم لأخيه المسلم: كف الأذى عن أخيه المسلم؛ فإن في أذية المسلمين جرم عظيم, قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَدَابَرُوا, وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا, الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ, التَّقْوَى هَا هُنَا -يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ-, بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ, كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ"(رواه مسلم).
وحقوق المسلم على المسلم كثيرة, ولكن يمكن أن يكون المعنى الجامع لهذه الحقوق كلها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم", فإذا عرفت معنى الأخوة الإسلامية اجتهدت في عمل الخير لأخيك المسلم وإبعاده عن الشر.
نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه, وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم اغفر لوالدينا, وارحمهما كما ربيانا صغارا, اللهم وفقنا لبر آبائنا وأمهاتنا, وارضَ عنا وعنهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.