البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

إخوان الرسول

العربية

المؤلف محمد موسى العامري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. شوق الرسول الكريم لرؤية إخوانه الآتين بعده .
  2. تعرُّفه عليهم يوم القيامة وسبقه لهم للحوض .
  3. وسائل ننال بها محبة النبي صلى الله عليه وسلم .

اقتباس

ألَا تُحِب أن تكون أخا لرسول الله؟ إنْ وُلِدتَ بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف وأربعمائة سنة فإن لك ميزة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جعل لك موعداً، فقال: إني أنتظركم على الحوض، فقابلوني هناك! أتخلفون موعد رسول الله؟! مَن أراد الأخوّة فإنه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، فالحوض موجود، وهو صادق، وسينتظرنا على الحوض -عليه الصلاة والسلام- ..

تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:102-103].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].

اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا، وأن تلم شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد: قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المقبرة فوقف على قبورها فنظر إليهم -أي إلى قبور الصحابة- وذهب يناجيهم بعينيه وبقلبه دون لسانه، وأخذ شريط الذكريات وصفحات الحب والعزة والتضحية يعرض أمام عينيه، فذاك قد مات بين يديه، وذاك توفي في غزوة أحد، وذاك في الخندق، وذاك ببدر، وذلك بذل ماله، والآخر دمه، والآخر هاجر بدينه، افتقدت الأجساد وبقيت الأعمال والأفعال، كلهم أصحابه، وكلهم عاشوا معه، حدَّثوه وحدثهم، وجالسوه وجلس معهم، أنِسوا بحديثه وأنس بحديثهم، فلما وقف على قبورهم قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".

وبعض من الصحابة وقف عنده، ثم قال: "وددت أنا قد رأينا إخواننا!"، قالوا: يا رسول الله، أوَلسنا إخوانك؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد"، أي: لم يصلوا إلى الدنيا بعد، فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ كيف تعرف أناسا لم يأتوا بعد من أمتك وتصفهم بأنهم إخوان لك؟ قال: "أرأيتم لو أن رجلا له خيل غُرّ محجلة -يعني في أطرافها بياض وفي جبينها- في ظهر خيل بهم -أي: سوداء- ألا يعرف خيله؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غُرَّاً مُحَجَّلِينَ من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادنَّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: "سحقا سحقا!" .

يوم القيامة أناسٌ أياديهم وسواعدُهم وأرجلُهم ووجوهُهُم بيضاءُ مِن أثَر الوضوء، كانوا يتوضؤون في الدنيا، فبعُدا بعدا للذي لا يعرف الوضوء! بعداً لمن لم يركع لله ركعة! لا يعرفه محمد عليه الصلاة والسلام.

لذلك قال -صلى الله عليه وسلم- في نفس الحديث: "ألا ليذادن أقوام عن حوضي"، أي يوجد أناس يوم القيامة سيأتون إلى حوضي ليشربوا منه فتمنعهم الملائكة، "كما يذاد"، أي: كما يمنع ويرد البعير الضال، فأناديهم: "ألا هلمَّ!"، ألستُم مِن أمَّة محمد؟ أمة موسى قد ذهبوا، وأمة يوسف قد ذهبوا، وأمة عيسى ذهبوا، أنتم من أمتي، ألا فاقبلوا واشربوا من حوضي، فتُبعدهم الملائكة فيقول للملائكة: ما لكم تبعدونهم؟ فيقولون: إنهم بدلوا بعدك. أي غيروا بعدك، وليسوا كما تظن، قطعوا الصلاة، وقطعوا الأرحام، وعقُّوا الوالدين، وآذوا الجيران، وأكلوا الربا، وشربوا الحرام، وفعلوا الموبقات، ووقعوا في الفواحش، فعندما يسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك؛ ماذا عساه أن يقول عن أمة أراد لها العزة والشرف والجنة، وبذل روحه ودمه وماله لأجل نجاتها، فيقول بألم وحسرة: "سحقاً سحقا!"، أي: بعدا لكم!.

أيها الأخ الحبيب: ألا تحب أن تكون أخا لرسول الله؟ إن ولدت بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف وأربعمائة سنة فإن لك ميزة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جعل لك موعداً، فقال: إني أنتظركم على الحوض، فقابلوني هناك! أتخلفون موعد رسول الله؟! مَن أراد الأخوة فإنه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، فالحوض موجود، وهو صادق، وسينتظرنا على الحوض -عليه الصلاة والسلام-.

لكن؛ مَن الذي سينال الحظوة والمكانة لمقابلة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ إنهم المحبون، الصادقون في المحبة، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- عن المحبة: المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروّح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرِمَها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات. اهـ.

والسؤال: كيف ننال محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ إذا جلس شخص عند الباب وسأل كل الموجودين هنا هل: تحبون رسول الله؟ كلنا سنقول: نعم؛ لكن المحبة لها شروط وأسباب وأبواب وطرق وأساليب، هل نحن صادقون في محبة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟.

خذ الأسباب: إذا أردت أن تكون ممن يحبه الله، وممن يحب الله فعليك:
أولاً: بالصلاة، الصلاةَ الصلاةَ، وصية المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، بعدا لأمة بنَت مساجدها وطبعت مصاحفها وأذن مؤذنوها وقام أئمتها فصلوا، ودكاكينها مشرعة، وبقالاتها مفتوحة، وتجارتها قائمة، شبابها في الشوارع، ورجالها في مجالس القات وأسواقه!.

سبحان الله! تملأ أسواق القات أكثر من بيوت الله! تملأ المقاهي من أجل مباريات تنقل من ألمانيا ومسلسلات تنقل من أمريكا، وقنوات تبث العري من كل أرجاء الدنيا، يجتمع لها رجال ذوو عقول وأسماع وأبصار وبيوت الله فارغة!.

منائرُكُمْ علَتْ في كُلِّ وادٍ

وَمسجدُكُم من العُبَّادِ خالي

سبحان الله! الصلاة هي السبب الأول الذي نبلغ به حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"وكان إذا ضاقت به الدنيا من الفقر والجوع والمرض ومن ظلم الظالمين وجورهم فزع إلى الصلاة.

اسمع يا مريض ويا فقير، ويا من تعاني من ظلم ظالم سرق عليك أرضاً، أو سلب منك مالاً، أو هتك لك عرضا، يقول الله: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة:45]، النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أهمه شيء يقول: "يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها"، نحن في ضنك وضيقِ صدور فأرحنا بالصلاة يا بلال.

عباد الله: أسأل نفسي وإياكم، بالله عليكم إذا ضاقت علينا الدنيا هل نلجأ إلى الصلاة؟ لا، نلجأ إلى الواسطة، إذا اعتدى عليك أحد في وزارة أو عمل ما ذهبت إلى البحث عن واسطة في ليل أو نهار، لنعطيه ونتواصل معه! هل نلجأ إلى الصلاة؟! وهل نركع لله ونقول: يا قوي يا جبار نلجأ ونعتصم بك ونتوكل عليك ونستعين بك.

جاء ربيعة بن الحكم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبي وهو يتوضأ: "سل"، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة قال: "أو غير ذلك؟"، قال: هو ذاك، قال: "فأعِني على نفسك بكثرة السجود".

إن ربيعة لما سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسأله شيئاً أخذ يفكر في سؤاله: ماذا اطلب؟ زوجة؟ أم بيت؟ أم مال؟ لا؛ لا، كل هذا فانٍ، فاختار الباقي: مرافقته في الجنة.

فمن أراد رفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- فليحن ظهره وليسجد لربه، من أول أسباب المحبة لله ورسوله الصلاة، فمن ضيعها فقد ضاعت دنياه وآخرته، ولا بارك الله في تجارته ولا في ذريته.

أخي المسلم: إذا جاءك شخص يشتكي فقال: أولادي عقوني، وجاري آذاني، والمسؤول الفلاني سرق أرضي، وفلان فعل بي كذا وكذا، فاسأله وقل له: هل تصلي أم لا؟ فإن كان لا يصلي فقل: هذا قليل في حقك، وهذا ليس شيئاً، أنت قطعت صلتك بالله، فسلط الله عليك من عباده من يقاطعك في الدنيا! أنت حاربت الله وتريد أهل الدنيا أن يحبوك ويودوك! بعداً للأمة التي تبحث عن النصر وقد قدمت أسباب الهزيمة!.

ثانياً: من الأسباب الموصلة إلى محبة الله -جل وعلا-: قراءة كتاب الله، فالله تعالى أنزل علينا كتابه وقرآنه، أنزل علينا دستوراً ومنهجاً، فيه شفاء وضياء ونور، وعلم وخبر من قبلنا ومن بعدنا، من قرأ القرآن بتدبر قرب من ربه -جل وعلا-، يقول الحسن بن علي -رضي الله عنه-: "إنَّ مَن كان قبلكم -أي من الصحابة- رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار".

عباد الله: أحد الصحابة كان يُكثر من قراءة سورة الإخلاص، في كل صلاة، وكان إماماً لقوم، فكان كلما صلى بهم صلاة قرأ: قل هو الله أحد، فذهب الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: "يا رسول الله، معنا رجل كلما صلى بنا صلاة قرأ: قل هو الله أحد، قال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك، فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أخبروه أن الله يحبه". فيها صفة الرحمن: الله أحد، صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.

أيها المؤمنون: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعيش مع القرآن، يتدبره ويحيا معه، كان -عليه الصلاة والسلام- يقف أحيانا مع الآية الواحدة من الليل إلى الصباح، قال أبو ذر -رضي الله عنه-: "قام النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا أصبح بآية، والآية: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118].

أيها المؤمنون: إن من أسباب المحبة التي تجعلنا نشرب من حوض النبي -عليه الصلاة والسلام-: التقرب إلى الله بعد الطاعات بالنوافل، أي بعد الصلوات الخمس تقرب إلى الله بالسنن، قبل الفجر ركعتين، وسنة الضحى، وقبل الظهر أربعا، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين، وسنة الوتر؛ أتعرف لماذا؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".

تقرب إلى الله بالنوافل، والسنن الرواتب، تكن مع الله ويكن الله معك..

اللهم كن معنا، اللهم أيدنا وانصرنا، ووفقنا، واجعل حبك وحب نبيك في قلوبنا، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى.

أما بعد: اعلموا -يا عباد الله- أنَّ من الأسباب الموصلة إلى محبة الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-: الزهد في الدنيا، والتقرب إلى الله بحب الصالحين، والجلوس مع الرفقة الصالحة، وغيرها كثير.

لكن؛ إذا أردت أن تعرف: هل أنت ممن يحبك الله، فاعلم أن لذلك علامات: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبُّوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض"، يعني: يحبه كلُّ صالحٍ في الأرض، ومَن في السماء يحبونه، وجبريل يحبه، والله جل وعلا يحبه.

"وإذا أبغض عبداً"، إذا كره عبداً وأبغضه، "دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض".

يكرهه أهل الأرض، ونحن في هذا المسجد كلنا نحب كُلَّ مَن أحَبَّ الله، نحب المصلين والراكعين والساجدين وقارئي القرآن، والذين يطيعون والديهم، والذين يدافعون عن الصالحين، ونُشهد الله أننا نبغض قاطع الصلاة ونكرهه، والذي يسب الصالحين، فإذا رأيت إنساناً يشتمه الصالحون، يقولون: فلان نعوذ بالله منه! الله يجيرنا منه! فاعلم أن الله وملائكته يبغضونه.

أما إذا جلست مع الصالحين وقالوا: فلان مُصَلٍّ، وفلان نزوجه ونؤجره ونسلفه ونجيب دعوته، وما أمر به نطيعه، فاعلم أن الله يحبه، وقد كتب له القبول في الأرض.

أيها المؤمنون: قدم أحد السلف على معاذ بن جبل في الشام فوجد معاذاً يصلي، فقال لمن في المسجد: أيها الناس، من هذا الذي يصلي؟ قالوا: معاذ بن جبل، قال: معاذ بن جبل صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! قالوا: نعم، فقدم إليه، فقال: أأنت معاذ بن جبل؟ قال: نعم، قال: فإني أحبك، فأمسكه معاذ وقال: آلله؟ قال: آلله، قال: آلله، قال آلله، فقال معاذ بن جبل: فإني سمعت حبيبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ".

فأحب الصالحين يحبك الله، كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، وكان يُضْحِكُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشراب -أي: شرب الخمر- فأتي به يوماً، فأُمر به فجُلِد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! أي: دائما يجلدونه وهو يشرب الخمر، أما يستحي! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله". فيه معصية، لكنه يوجد حب في القلب، ويتوب ويقبل على الله.

عباد الله: إذا أردتم أن تعرفوا: هل أنتم من أحباب الله؟ فاسمعوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى لَيَحْمِي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه".

فهو لا يشعر أن الله يكفيه، فربما كاد يصيبه حادث من الحوادث، فلما علم الله صدقه وإيمانه منع عنه هذا الشر. ربما أن الله تعالى قد قدر أن يسطو على بيتك فلان فيسرق عليك مالك، لكن علم الله أنك صادق المحبة، وأنك راكع ساجد، فمنع عنك ذلك الشر. فكما أن الطبيب يمنع المريض من أكل بعض الأشياء لخوفه عليه، فكذلك الله تعالى إذا علم من العبد صدق المحبة وفقه وحماه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحب الله عبداً عسله"، قيل: يا رسول الله، وما عسله؟ قال: "يوفق له عملا صالحا بين يدي أجله؛ حتى يرضى عنه جيرانه".

يعني: يقبضه الله وهو يعمل عملاً صالحا، يموت وهو راكع أو ساجد، أو يموت وهو يزكي أو يقرأ القرآن، أو جيرانه عنه راضون، يموت وأبوه وأمه قد دعوا له، يموت وعماله قد استسمحوه، والأمة تدعو له.

أيها المؤمنون: كيف يزعم أحد أنه يحب الله ورسوله وهو لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يطيع والديه؟

كيف يزعم أنه يحب الله وهو يقع في الزنا وأكل الربا وشرب الخمر؟!

تعصي الإلهَ وأنت تزعُمُ حُبَّه هذا مُحالٌ في القياسِ بديعُ
لو كان حبُّكَ صادقاً لأطَعْتَهُ إنَّ المـــُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مطيع

أسأل الله أن يجعلنا من أحبابه، اللهم قربنا إلى محبتك ومحبة نبيك، اللهم اجعلنا لك راكعين ساجدين منيبين، اللهم يسر لنا الخير حيث كان، اللهم اجعلنا وأبناءنا وبناتنا وزوجاتنا من عبادك المحببين إليك.

اللهم إنا نسألك لساناً ذاكرا، وقلبا خاشعا، وعينا دامعة، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه محمد عبدك ونبيك -صلى الله عليه وسلم-، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه حبيبك وخليلك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.