الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | مازن التويجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
ما من أمة بادت وأخرى قامت، إلا ولها شعار ترفعه، ووسام تفتخر به، به ترتقي وتزدهي، وبه تجالد أعداءها وخصومها، كان وما زال محط أنظار الدول والممالك، ومصدر قوتها وعزتها، هم شريحة من أي مجتمع عماده، وسلاحه، بدونهم لا تقوم لأمة قائمة، وبفقدانهم حسًّا أو معنىً تبقى الأمة حبيسة التخلف والضعف، قابعة في مؤخرة الركب ..
ما من أمة بادت وأخرى قامت، إلا ولها شعار ترفعه، ووسام تفتخر به، به ترتقي وتزدهي، وبه تجالد أعداءها وخصومها، كان وما زال محط أنظار الدول والممالك، ومصدر قوتها وعزتها، هم شريحة من أي مجتمع عماده، وسلاحه، بدونهم لا تقوم لأمة قائمة، وبفقدانهم حسًّا أو معنىً تبقى الأمة حبيسة التخلف والضعف، قابعة في مؤخرة الركب، لابسة أثواب الذل والصغار.
إنهم الشباب، عماد الأمم، وسلاح الشعوب، يؤثرون في الأمة سلبًا أو إيجابًا، يدفعون عجلة التاريخ نحو أمل مشرق، ومستقبل مضيء، أو يديرونها إلى الوراء جهلاً وحمقًا.
والتاريخ يشهد على هذه الحقيقة، وأيام الزمن صور وعبر.
إبراهيم -عليه السلام- واجه قومه وأنكر عليهم عبادة الأوثان، بل وكسرها وهو شاب يافع: (قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرهِيمُ) [الأنبياء:60].
ومؤمن آل فرعون يصدح بالحق وينادي: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِلْبَيّنَـاتِ مِن رَّبّكُمْ) [غافر:28]. يقولها في وجه فرعون كبير المتغطرسين المتجبرين.
والفتى الداعية غلام الأخدود يسعى للموت، ويطلب القتل، ترخص عليه روحه إذا كان في إزهاقها إيمان أمة، وصلاح شعب: (وَلسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَلْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَـاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَـابُ الاْخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ) [البروج:1-6].
وفي خبر أصحاب القرية يرسل الله إليهم ثلاثة من الأنبياء فكذبوهم وقتلوهم، فأضحى من آمن من قومهم يخفي إيمانه خوفًا على نفسه وأهله، واحتوى الرعب نفوس البشر، وتمكن الذعر من القلوب، واكتسى الأفق ثوب الصمت والوجوم، إذا بصوت يقطع ذلك الصمت الرهيب، ويشق سماء الركود والهدوء، ليقشع غيوم الكفر والفسوق: (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ ياقَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْـئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ * وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس:20-22].
وهكذا يكون الشباب قوة الأمم، وفخارها وذخرها وسندها، ولذا كان لا بد من حديث خاص نخاطب فيه الشباب، شعاره الصدق والمحبة، وعنوانه الصراحة والتجرد.
فإليك أيها المبارك، إليك يا أمل الأمة، إليك يا سليل المجد، يا حفيد العز.
كلمات ملؤها الصدق والوفاء، دفعني لها حبك وحب الخير لك، وجعلني أتطفل وأكسر تلكم الحواجز الوهمية، كرمك الفطري، وعقلك الثاقب.
فأملي أن تعيرني منك مسمعًا، ليكون الحديث حديث القلب إلى القلب، ونداء الروح للأرواح، يسري في الأعماق بين الجوانح، فتعال معي إلى هناك، هناك بعيدًا عن الأصدقاء، بعيدًا عن التعلق برواسب الدنيا وملذاتها، دعنا نتحدث بكل وضوح وصراحة وموضوعية.
الرسالة الأولى: لماذا خلقت؟! ما الغاية من وجودك؟! اعلم أن الإجابة واضحة بدهية، خُلقنا لعبادة الله، ولكن السؤال الأهم: هل حياتنا، أفعالنا، أقوالنا، أخلاقنا، مشاعرنا، أفراحنا وأحزاننا، آلامنا وآمالنا، هل هي لله، وفي مرضاة الله؟! هل مسألة العبودية حكر على المساجد والطاعات فحسب أم أن القضية لها أبعاد أخرى وآفاق أرحب؟!
اسمع إلى الحكم الفصل في ذلك: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].
انظر في نفسك، ماذا يملأ قلبك؟! ماذا تحب؟! ومن تحب؟! ولماذا تحب؟! متى تفرح وتسر؟! ولماذا ولمن؟! أين تحب الجلوس؟! مع من؟! ماذا تسمع؟! بماذا تتحدث؟! أقوالك وأفعالك لمن تصرفها؟! وما الذي يحركها؟!
أسئلة كثيرة تحتاج منك -أيها المبارك- وقفة جادة للمحاسبة والاسترجاع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَـانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِى هَـاذَا صِرطٌ مُّسْتَقِيمٌ) [يس:60-61].
كن مع الله يكن الله معك، أحبب لله يحبك الله، اعبده، اذكره، اشكره، ناده وقل: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
قل وردد: "اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي في يدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي وغمي".
الرسالة الثانية: قل لي من تصاحب أقل لك من أنت.
إنها قاعدة عظيمة تقرها فطرة الإنسان وطبيعته، فالنفس تؤثر وتتأثر سلبًا أو إيجابًا، وكلما كثرت الخلطة وطالت، كثر ذلك التأثر وزاد.
والناس على اختلاف، فمِنْ مُقِلّ ومكثر، أوما سمعت إلى قول نبيك -صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
ومن ينكر هذه الخصلة في بني البشر أو يشككها فيها فهو مكابر، إنما يخالف عقله وفكره.
وإذا كان لا بد من دليل، فانظر إلى نفسك، نفسك أنت، كم من الخصال والطباع التي لم تكن عليها من قبل؟! ها أنت ذا تمارسها شيئًا فشيئًا حتى غدت عادة لك؛ فالمدخنون مثلاً كان أول عود أحرقوه تقليدًا ومحاكاة، إن لم يكن أُحرق لهم من جليس أو صاحب، والآن أضحت عادة وطبعًا.
وإن السؤال الذي يتحرج من طرحه كثير من الشباب على نفسه، ولا يرغبون سماعه، ويتهربون منه حتى في صراعهم مع أنفسهم، هل أصدقاؤك، أحبابك، أخلاؤك، أصدقاء سوء أم صلاح؟!
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة".
ماذا يقولون؟! ماذا يفعلون؟! آراؤهم، طباعهم، هل توافق الشرع؟! هل ترضي الله؟! هل جلوسك معهم يقربك من ربك ومولاك؟! أم على العكس من ذلك؟! إضاعة للصلاة، رقص وغناء، تسكع في الشوارع، إيذاء لخلق الله، شتم ولعن.
نعم أيها الحبيب، قد تعلو مجالسكم الضحكات والنكات، ولكنك توافقني أن بعدها من الهموم والحسرات، والغموم والآهات، ما لا يعلمه إلا رب الأرض والسماوات.
وأخيرًا، أقول لك وأجبني بكل تجرد ووضوح: من تحب؟! من تجالس؟! من تصاحب؟! أولئك الذي تعلق قلبك بهم، هل ترضى أن تحشر معهم يوم القيامة؟! أن تكون في منزلتهم وحزبهم؟!
أترك الجواب لك، ولكني أذكرك: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّـالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يالَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * ياوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَـانُ لِلإِنْسَـانِ خَذُولاً) [الفرقان:27-29].
أبو طالب حُرم الإيمان وجنة الرحمن بسبب رفقة السوء والفسوق، فتصور حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو فوق رأسه يقول: "يا عم: قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله"، والشياطين يرددون: أترغب عن ملة عبد المطلب؟!
فتمثل نفسك وقد تحشرجت روحك وأنت عند رفقائك، هل سيذكّرونك الشهادة أم ستبقى تصارع خروج الروح دون مذكر أو معين؟!
الرسالة الثالثة: أين الاعتزاز بدينك وشخصيتك؟! لم نزل نراك في موقف تلو موقف يفت الفؤاد فتًّا وأنت تتنازل عن دينك ومبادئك وما عليه أهلك وقومك.
ها نحن نراه يخرج في كل أسبوع أو أقل إلى ذلك الحلاّق السمج، ليصفصف شعيراته بطريقة مزرية، يلبس البنطال الضيق، والقميص الناعم، يمشي بتكسر وتميع، لماذا كل هذا؟!
ماذا جرى؟! أسفي أن تكون الإجابة: لأن مغنيًا قص تلكم القصة، أو راقصًا لم يستبن إلى الآن هل هو ذكر أم أنثى لبس قميصًا، وشدّ عصابة على رأسه، أسفي أن تكون الإجابة: أمشي كما يمشي ذلك اللاعب، وأتكلم كما يتحدث الممثل، أين شخصيتك؟! أو مروءتك؟!
أنت الذي لا ترضى أن يُمَس كيانك، أو تؤذى مشاعرك، أنت صاحب الشخصية القوية، والعزم الأكيد، الذي إذا قررت شيئًا فعلته، تحركك كلمات مغنٍّ، وتقودك تصرفات راقص، وتأسرك طباع لاعب أو ممثل.
أنت سفلي الاهتمام، ضعيف الإرادة، لا هدف لديك، حقير الشخصية، تُقاد ولا تقود، أترضى هذا؟! أترضى أن توصف به؟! أنا والله لا أرضاه لك! ولكن كيف وقد حكى الواقع آلامًا، وروى أحزانًا!!
روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعنَّ سننَ من كان قبلكم شبرًا شبرًا، وذراعًا ذراعًا، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم"، قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟! قال: "فمن؟!".
أيها الشاب المسلم: أنت والله العزيز وهم الأذلون، أنت الشريف وهم الوضعاء: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]. فأنت على مر العصور قائدٌ لا مقود، رأسٌ لا ذَنَب.
الرسالة الرابعة: عشيقتك! في ليلة هادئة تسير في سيارتك إذا بهم من كل صوب، تجمعوا، تسارعوا، تراقصوا، صفقوا، يرفعون أعلامهم، ينشدون أحلامهم، تعالى صياحهم، ترامى صراخهم، توقفوا، ترجلوا، أغلقوا الطرقات، تعالت هتافات، وتوالت رقصات، ماذا يجري؟!
أعاد القدس؟! كلا، أنُصر الإسلام؟! كلا، أهُزم الأعداء؟! كلا، تلي القرآن؟! عاد الناس؟! عمرت المساجد؟! كلا، كلا، كــلا!!
ولكن هزمنا المنافس وحزنا الكأس الغالية!
يا شباب الأمة: يا أيها العاقل: رفقًا بنفسك، شيئًا من التعقل، هل يصح هذا؟! وهل الرياضة بهذه المنزلة حتى نصرف كل هذا؟! هل انتهت الهموم والغموم؟! وهل تقضت الآمال والأفراح حتى تعلق بفوز فريق أو خسارته؟! إذا كان لذلك النادي الحب وللاعبيه التعلق إذا ربح، دامت الأفراح وزالت الأتراح، وبُلغ المنى، وراج السعد في الربوع، وإذا خسر سكبت العبرات، ونزلت الهموم، وأحاطت الغموم!!
ناهيك عن معاني الحب تصرف لمن أحب فريقي، وشباك العداء تنصب لمن عشق المنافس.
أيها الناس: لست مبالغًا، إنه واقع مرير نعيشه، فإن لم تصدق فَسَلْهُم عن الحب والبغض والتفكير والنقاش، عن ماذا وفي ماذا؟! فعند جهينة الخبر الأكيد.
ثم تذكر أيها الأخ الحبيب، يا صاحب الفطرة النقية، والقلب الرقيق: هل ترضى أن تأتي يوم القيامة بصحيفة أعمال، صرف فيها الحب والبغض والولاء والبراء، صرفت فيها الجهود والطاقات والمشاعر والعلاقات، لأجل كرة وفريق؟!
أترك الجواب لك، يا من تريد النجاة وترجو الفوز والفلاح.
الخطبة الثانية:
الرسالة الخامسة: هل أنت رجل بحق؟! عذرًا -أيها الحبيب- فقد يكون السؤال ثقيلاً نوعًا ما، ولكن هذه هي الحقيقة.
ما معيار الرجولة عندك؟! وكيف تقيسها من وجه نظرك؟! ما الرجولة في معجم فهمك؟! هل الرجولة في الاهتمام بالملبس والمظهر، والوقوف أمام المرأة لتصفيف شعرك؟! هل هي في ملاحقة الطاهرات العفيفات، ورمي الأرقام، والأحاديث الوردية في آخر الليل؟!! هل الرجولة في سماع الأغاني ورفع صوت جهاز التسجيل والتراقص بالسيارة؟! هل الرجولة في التفحيط والتهور؟! هل هي في تقليب القنوات والنظر إلى ما حرم الله؟! هل هي في السفر إلى بلاد العهر والضلال والتبجح بالحديث عن المغامرات والموبقات؟! اسمع أين هي الرجولة وفيم تكون!!
لا أحكم بها أنا ولا أنت، بل هي حكم أحكم الحاكمين سبحانه: (فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِلْغُدُوّ وَلاْصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَوةِ وَإِيتَاء الزَّكَـوةِ يَخَـافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَلاْبْصَـارُ) [النور:36-37].
يا حبيبي: أيسرك أن تقبض روحك وأنت تقلب قنوات الفضاء؟! أترضى أن يفجأك ملك الموت وأنت ممسك بسماعة هاتفك تخاطبها وتغرر بها؟! ماذا لو أتاك الموت وأنت تسمع الغناء، وأنت ترقص، وأنت ترى فلمًا أو تنظر في مجلة؟! ماذا لو نزل بساحتك ويراعك تسطر رسالة الحب والغرام إلى عشيقة أو عشيق؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَنَادَى أَصْحَـابُ النَّارِ أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَـافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا فَلْيَوْمَ نَنسَـاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـاذَا وَمَا كَانُواْ بِـئَايَـاتِنَا يَجْحَدُونَ) [الأعراف:50-51].
الرسالة الأخيرة: أيها الأخ المبارك، يا أمل الأمة ويا كنزها الغالي: هل أنت راضٍ عن نفسك، عن واقعك، عن علاقتك بربك، عن أصدقائك، عن تعاملك؟! هل تجد طعم الراحة والسعادة؟!
أخبرنا، هل وجدتها في الملهيات، في السهر والمعاكسات، في الضحك والسمر في الذهاب والسفر؟!
دُلَّنَا، بَصِّرْنَـا، هل وجدت الطمأنينة والأنس في السيارات، في المال، في الغناء، في رفقاء السوء؟! ماذا عن نومك، يقظتك، ليلك، نهارك؟! هل تشعر بالراحة والسرور، هل تشعر بانشراح الصدر وأمن النفس؟!
لو قلت فصدقت لقلت: لا، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ أَعْمَى) [طه:124]. (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَاءِ) [الأنعام: 125].
إني أُراك جربت كل شيء، تبحث عن السعادة والراحة؟! اسمعها، إن السعادة والفرح في سجدة لله تبكي بها على ذنوبك وتندب تقصيرك. إن السعادة الحقة في التوبة النصوح، إنها هناك، في المسجد حيث الهدى والنور، في الصلاة، في الدعاء والخضوع، في رفقة الصلاح، فلا هموم إلا هم الإسلام، لا تسمع إلا حقًا، ولا تمشي إلا إلى خير، تجد الضحك ممزوجًا بالحب الصادق، والأنس متعلقًا بالنصح والإنابة.
فمتى تكون أكثر جرأة في اتخاذ القرار، أعظم قرار في حياتك؟! متى ستطلّق حياة اللهو والعبث بلا رجعة لتجرب حياة الإيمان والسعادة؟!
ماذا تنتظر؟! قلها وأسمعها الدنا، أنا مؤمن، لله حياتي، كلماتي، حركاتي، سكناتي، خفقان قلبي، وجريان الدم في عروقي.
عد إلى الله، وتب إليه، مهما كانت ذنوبك، أو عظمت عيوبك.
روى مسلم عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
وعند ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب عليكم".
وفي الخبر الذي رواه البخاري ومسلم عن الرجل الذي قتل مائة نفس فولّى إلى قرية ليعبد الله مع أهلها، "حتى إذا بلغ نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة".
فأقبل وتب فالله يفرح بتوبتك.