البحث

عبارات مقترحة:

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الدعاء وحسن الظن بالله

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - صلاة الاستسقاء
عناصر الخطبة
  1. من آداب الدعاء اليقين بالإجابة .
  2. ذم اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى .
  3. الاستعجال بالإجابة من سوء الظن بالله .
  4. الاستقامة على أمر الله بعد الدعاء من حسن الظن به .

اقتباس

إِنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ -عِبَادَ اللهِ- يَدعُو رَبَّهُ وَهُوَ مُوقِنٌ مِنهُ بِالإِجَابَةِ، مُنتَظِرٌ لِفَرَجٍ مِن لَدُنْهُ قَرِيبٍ، يَفعَلُ ذَلِكَ ثِقَةً بِرَبِّهِ القَرِيبِ المُجِيبِ الغَفُورِ الوَدُودِ، وَاستِجَابَةً لأَمرِ نَبِيِّهِ الكَرِيمِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- حَيثُ قَالَ: "القُلُوبُ أَوعِيَةٌ، وَبَعضُهَا أَوعَى مِن بَعضٍ، فَإِذَا سَأَلتُمُ اللهَ -عَزَّ وَجَل يَا أَيُّهَا النَّاسُ- فَاسأَلُوهُ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ لِعَبدٍ دَعَاهُ عَن ظَهرِ قَلبٍ غَافِلٍ".

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ) [آل عمرا: 76].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لا يَنفَكُّ المُسلِمُ يَدعُو رَبَّهُ في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ، طَالِبًا مِنهُ خَيرًا وَعَطَاءً، أَو سَائِلاً كَفَّ شَرٍّ وَدَفعَ ضُرٍّ، وَمَا زَالَ المُسلِمُونَ يَسأَلُونَ رَبَّهُم إِنزَالَ الغَيثِ وَيَستَسقُونَ، وَيَنتَظِرُونَ مِنهُ إِجَابَةَ دُعَائِهِم وَيَرتَقِبُونَ تَحقِيقَ وَعدِهِ، حَيثُ يَقُولُ -سُبحَانَهُ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم) [غافر: 60]، وَيَقُولُ -جَلَّ وَعَلا-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186].

غَيرَ أَنَّ مِنَ الأُمُورِ المُستَنكَرَةِ الَّتي نَسمَعُهَا بَينَ حِينٍ وَآخَرَ وَبَعدَ كُلِّ استِسقَاءٍ قَولَ بَعضِ النَّاسِ: اِستَسقَينَا فَتَكَدَّرَ الجَوُّ، وَطَلَبنَا الغَيثَ فَجَاءَنَا الغُبَارُ. وَهَذَا الأَمرُ وَإِنْ كَانَ قَد يَقَعُ مُوَافَقَةً وَقَدَرًا، وَقَد يَكُونُ ابتِلاءً مِنَ اللهِ وَامتِحَانًا، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ يَجِبُ أَن يَحذَرَ مِن سُوءِ الظَّنِّ بِاللهِ أَشَدَّ الحَذَرِ، وَأَن يَبعُدَ عَنهُ بُعدَهُ عَن عَدُوِّهِ اللَّدُودِ الشَّيطَانِ، الَّذِي يَعِدُ أَولِيَاءَهُ الفَقرَ وَيَأمُرُهُم بِالسُّوءِ وَالفَحشَاءِ: (الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَفَضلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 168].

إِنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ -عِبَادَ اللهِ- يَدعُو رَبَّهُ وَهُوَ مُوقِنٌ مِنهُ بِالإِجَابَةِ، مُنتَظِرٌ لِفَرَجٍ مِن لَدُنْهُ قَرِيبٍ، يَفعَلُ ذَلِكَ ثِقَةً بِرَبِّهِ القَرِيبِ المُجِيبِ الغَفُورِ الوَدُودِ، وَاستِجَابَةً لأَمرِ نَبِيِّهِ الكَرِيمِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- حَيثُ قَالَ: "القُلُوبُ أَوعِيَةٌ، وَبَعضُهَا أَوعَى مِن بَعضٍ، فَإِذَا سَأَلتُمُ اللهَ -عَزَّ وَجَل يَا أَيُّهَا النَّاسُ- فَاسأَلُوهُ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ لِعَبدٍ دَعَاهُ عَن ظَهرِ قَلبٍ غَافِلٍ". رَوَاهُ أَحمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

هَذِهِ حَالُ المُؤمِنِ الصَّادِقِ العَالِمِ بِرَبِّهِ تَعَالى وَأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، استِمرَارٌ في الدُّعَاءِ، وَإِلحَاحٌ في المَسأَلَةِ، وَعَدَمُ يَأسٍ وَلا قُنُوطٍ مِن رَحمَتِهِ، يَدفَعُهُ لِذَلِكَ حُسنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ سُبحَانَهُ وَثِقَتُهُ في مَولاهُ، حَيثُ يَقُولُ -تَبَارَكَ وَتَعَالى- في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: "أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِيَ بي، فَليَظُنَّ بي مَا شَاءَ". رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَفي رِوَايَةٍ: "إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلا- يَقُولُ: أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِيَ بي، إِنْ ظَنَّ خَيرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ".

إِنَّ المُؤمِنَ العَالِمَ بِسَعَةِ فَضلِ اللهِ وَقُربِ رَحمَتِهِ، يُوقِنُ تَمَامَ اليَقِينِ أَنَّ دُعَاءَهُ لا يَضِيعُ عِندَ الكَرِيمِ سُبحَانَهُ، وَأَنَّهُ تَعَالى وَإِنْ لم يُعَجِّلْ لَهُ الاستِجَابَةَ في دُنيَاهُ، فَإِنَّ لَهُ في كُلِّ تَقدِيمٍ أَو تَأخِيرٍ حِكَمًا بَالِغَةً، وَرُبَّمَا أَخَّرَ عَنِ الدَّاعِي إِجَابَةَ مَا سَأَلَهُ عَنهُ مِن زَهرَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، لأَمرٍ أَعظَمَ مِنهَا وَجَزَاءٍ أَكمَلَ يُعِدُّهُ لَهُ سُبحَانَهُ في آخِرَتِهِ وَيَدَّخِرُهُ عِندَهُ: (وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى) [طه: 131]، (بَل تُؤثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا * وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقَى) [الأعلى: 16، 17]، وَقَد صَحَّ عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِن مُسلِمٍ يَدعُو بِدَعوَةٍ لَيسَ فِيهَا إِثمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعطَاهُ اللهُ بها إِحدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَن يُعَجِّلَ لَهُ دَعوَتَهُ، وَإِمَّا أَن يَدَّخِرَهَا لَهُ في الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَن يَصرِفَ عَنهُ مِنَ السُّوءِ مِثلَهَا"، قَالُوا: إِذًا نُكثِرُ. قَالَ: "اللهُ أَكثَرُ". رَوَاهُ أَحمَدُ، وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَمَا دَامَ الدُّعَاءُ عِندَ اللهِ لا يَذهَبُ هَبَاءً وَلا يَضِيعُ سُدًى، فَإِنَّ مِن سُوءِ الظَّنِّ بِاللهِ أَن يَستَعجِلَ الدَّاعِي عَجَلَةً تُؤَدِّي بِهِ إِلى تَركِ الدُّعَاءِ وَالاستِحسَارِ عَنِ المَسأَلَةِ، أَو يَستَبطِئَ الإِجَابَةَ فَيَنقَطِعَ عَنِ الخَالِقِ -تَبَارَكَ وَتَعَالى- وَيَلتَفِتَ عَنهُ، رَوَى مُسلِمٌ عَنهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "يُستَجَابُ لِلعَبدِ مَا لم يَدعُ بِإِثمٍ أَو قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لم يَستَعجِلْ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ: مَا الاستِعجَالُ؟! قَالَ: "يَقُولُ: قَد دَعَوتُ وَقَد دَعَوتُ، فَلَم أَرَ يُستَجَابُ لي، فَيَستَحسِرُ عِندَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ"، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَزَالُ العَبدُ بِخَيرٍ مَا لم يَستَعجِلْ"، قَالُوا: يَا نَبيَّ اللهِ: وَكَيفَ يَستَعجِلُ؟! قَالَ: "يَقُولُ: قَد دَعَوتُ رَبِّي فَلَم يَستَجِبْ لي". رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ، وَقَالَ الأَلبَانيُّ: صَحِيحٌ لِغَيرِهِ.

إِنَّ هَذَا الاستِعجَالَ وَذَلِكُمُ القُنُوطَ وَاليَأسَ، إِنَّهُ لَمِمَّا يَمنَعُ إِجَابَةَ دُعَاءِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حَيثُ يَدفَعُهُم بَعدَ أَن يُكَرِّرُوا الدُّعَاءَ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً إِلى أَن يُسِيئُوا الظَّنَّ بِرَبِّهِم، أَو إِلى أَن يَكُونَ دُعَاؤُهُم إِيَّاهُ بَعدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الاختِبَارِ وَالتَّجرِبَةِ، مَعَ عَدَمِ رِضَاهُم بما يَؤُولُ إِلَيهِ أَمرُهُم بَعدَ ذَلِكَ، أَو إِسَاءَتِهِمُ الظَّنَّ بِرَبِّهِم إِذْ لم يَجِبِ الدُّعَاءَ مَعَ تَكَرُّرِهِ، وَقَد قَالَ اللهُ تَعَالى في حَقِّ مَن وَقَعَ في شَيءٍ مِن ذَلِكَ: (وَذَلِكُم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم أَردَاكُم فَأَصبَحتُم مِنَ الخَاسِرِينَ) [فصلت: 23]، فَهَؤُلاءِ لَمَّا ظَنُّوا أَنَّ اللهَ سُبحَانَهُ لا يَعلَمُ كَثِيرًا مِمَّا يَعمَلُونَ، كَانَ هَذَا مِنَ إِسَاءَةِ الظَّنِّ بِهِ، فَأَردَاهُم ذَلِكَ الظَّنُ وَأَهلَكَهُم.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَأَحسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُم، وَكُونُوا عَلَى ثِقَةٍ مِن وَعدِهِ لَكُم بِالإِجَابَةِ، وَإِيَّاكُم وَاليَأسَ مِن رَوحِهِ وَالقُنُوطَ مِن رَحمَتِهِ: (وَلا تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللهِ إِلاَّ القَومُ الكَافِرُونَ) [يوسف: 87]، (وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) [الحجر: 56].

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى، وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ: (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا) [الطلاق: 2]، وَاعلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ أَحسَنَ النَّاسِ ظَنًّا بِرَبِّهِ أَطوَعُهُم لَهُ وَأَبعَدُهُم عَن مَعصِيَتِهِ، وَأَنَّ حُسنَ الظَّنِّ بِاللهِ هُوَ حُسنُ العَمَلِ نَفسِهِ، فَمَن حَسُنَ ظَنُّهُ بَرَبِّهِ حَسُنَ عَمَلُهُ، وَمَن حَسُنَ عَمَلُهُ حَسُنَ ظَنُّهُ، أَمَّا أَن يَدَّعِيَ المَرءُ أَنَّهُ يُحسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ وَهُوَ يُبَارِزُهُ بِالمَعاصِي صَبَاحَ مَسَاءَ، فَهَذَا غُرُورٌ وَخِدَاعٌ؛ قَالَ الحَسَنُ البَصرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "إِنَّ المُؤمِنَ أَحسَنَ الظَّنِ بِرَبِّهِ فَأَحسَنَ العَمَلَ، وَإِنَّ الفَاجِرَ أَسَاءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَسَاءَ العَمَلَ".

وَإِنَّ مَا نَرَاهُ مِن إِصرَارِ النَّاسِ عَلَى مَا هُم عَلَيهِ مِن مَعَاصٍ وَمُخَالَفَاتٍ، وَعَدَمِ تَغيِيرِهِم لأَحوَالِهِم بِعدَ صَلاةِ الاستِسقَاءِ، إِنَّهُ لَنَوعٌ مِن سُوءِ الظَّنِّ بِاللهِ؛ إِذْ كَيفَ يَكُونُ مُحسِنًا الظَّنَّ بِرَبِّهِ مَن هُوَ شَارِدٌ عَنهُ، حَالٌّ مُرتَحِلٌ في مَسَاخِطِهِ وَمَا يُغضِبُهُ، مُتَعَرِّضٌ لِلَعنَتِهِ لَيلاً وَنَهَارًا، قَد هَانَ عَلَيهِ حَقُّهُ وَأَمرُهُ فَأَضَاعَهُ، وَهَانَ عَلَيهِ نَهيُهُ فَارتَكَبَهُ وَأَصَرَّ عَلَيهِ، نَعَم -إِخوَةَ الإِيمَانِ- كَيفَ يَجتَمِعُ في قَلبِ العَبدِ تَيَقُّنُهُ بِأَنَّهُ مُلاقٍ رَبَّهُ، وَأَنَّهُ تَعَالى يَسمَعُ كَلامَهُ وَيَرَى مَكَانَهُ، وَيَعلَمُ سِرَّهُ وَعَلانِيَتَهُ، وَلا يَخفَى عَلَيهِ خَافِيَةٌ مِن أَمرِهِ، وَأَنَّهُ مَوقُوفٌ بَينَ يَدَيهِ وَمَسؤُولٌ عَن كُلِّ مَا عَمِلَ، ثم يُقِيمَ بَعدَ ذَلِكَ عَلَى مَسَاخِطِهِ وَيُضِيعَ أَوَامِرَهُ وَيُعَطِّلَ حُقُوقَهُ، إِنَّ هَذَا لَمِن سُوءِ الظَّنِّ المُهلِكِ المُردِي.

إِنَّ حُسنَ الظَّنِّ بِاللهِ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- مَسلَكٌ دَقِيقٌ لا يُوَفَّقُ إِلَيهِ كُلُّ أَحَدٍ، وَمَنهَجٌ وَسَطٌ بَينَ طَرَفَينِ نَقِيضَينِ، لا يَتَمَكَّنُ مِنهُ إِلاَّ مَن تَمَّ عِلمُهُ بِرَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالى- وَأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَجَعَلَ قَلبَهُ خَالِصًا لَهُ سُبحَانَهُ يَرجُوهُ وَيَخَافُهُ، وَيَرغَبُ إِلَيهِ وَيَرهَبُ مِنهُ، يَتَذَكَّرُ أَعمَالَهُ الصَّالِحَةَ وَسَعَةَ فَضلِ اللهِ وَكَمَالَ رَحمَتِهِ، فَيَنشَرِحُ صَدرُهُ لِلاستِزَادَةِ مِنَ الخَيرِ رَجَاءَ مَا عِندَ اللهِ، وَيَرَى ذُنُوبَهُ وَتَقصِيرَهُ في حَقِّ رَبِّهِ فَيَجِلُ قَلبُهُ، وَتَنبَعِثُ نَفسُهُ لِلعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يَمحُو مَا اقتَرَفَتهُ يَدَاهُ.

نَعَم -إِخوَةَ الإِيمَانِ- إِنَّ حُسنَ الظَّنِّ الحَقِيقِيَّ، هُوَ مَا دَعَا المُسلِمَ إِلى التَّوبَةِ مِن ذُنُوبِهِ وَالرُّجُوعِ إِلى رَبِّهِ، لِعِلمِهِ أَنَّ الذُّنُوبَ وَالمَعَاصِيَ هِيَ أَكثَفُ الحُجُبِ عَنِ اللهِ وَأَعظَمُ أَسبَابِ الخُذلانِ، وَلِيَقِينِهِ بِأَنَّهَا أَشَدُّ مَوَانِعِ الرِّزقِ وأَكبَرُ دَوَاعِي الحِرمَانِ.

مَن أَحسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ وَتَوَكَّلَ عَلَيهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، جَعَلَ اللهُ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا، وَجَعَلَ لَهُ مِنَ كُلِّ هُمٍّ فَرَجًا، وَمِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، مَن أَحسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ بِادَرَ إِلى طَلَبِ عَفوِهِ وَرَحمَتِهِ وَمَغفِرَتِهِ، وَطَرَقَ بَابَهُ مُنطَرِحًا بَينَ يَدَيهِ مُنِيبًا إِلَيهِ، رَاجِيًا مَغفِرَتَهُ تَائِبًا مِن مَعصِيَتِهِ، لِعِلمِهِ أَنَّهُ تَعَالى "يَبسُطُ يَدَهُ بِاللَّيلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ حَتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِهَا"، أَلا فَتُوبُوا إِلى اللهِ -عِبَادَ اللهِ-، وَأَحسِنُوا الظَّنَّ بِهِ وَارجُوا رَحمَتَهُ فَـ(إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ) [الأعراف: 56].