البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الماء حياة

العربية

المؤلف راشد بن عبد الرحمن البداح
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - المهلكات
عناصر الخطبة
  1. الماء سر الحياة .
  2. أهمية نعمة الماء .
  3. التحذير من الإسراف في الماء .
  4. ترشيد استهلاك المياه. .

اقتباس

وعندما يرَى المسلمُ كثيرًا من إخوانهِ المسلمينَ وهم يتوضؤونَ يشاهدُ عَجَبًا في إهدارِ الماءِ وكأنهمْ لا يَعلمونَ شيئًا عن سنةِ رسولِهِم محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيثُ يتوضأُ أحدُهم بما يكفي للاغتسالِ. ولقد شَدَّدَ أهلُ العلمِ في المنعِ من الإسرافِ بالماءِ، وقطعِ الوسواسِ على الموسوسينِ...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أيُّها المسلمونَ: هذهِ وقفةٌ مع آيةٍ كبرَى من الآياتِ، ونعمةٍ واحدةٍ من أجلِّ النعمِ، أنعمَ اللهُ بها على خلقهِ، ومنها خَلَقَهمْ، وعليها أقامَ حياتَهمْ.

تلكمْ هيَ التي قالَ اللهُ عنها: (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[الأنبياء:30]، (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)[النور:45]، والماءُ شرابُنا: (فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[الحجر:22]، ومنَ الماءِ يَنشأُ طعامُنا: (فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا)[عبس:24-25].

وَلَمَّا قِيْلَ لِلشَّعْبِيِّ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: "أَشْتَهِي أَعَزَّ مَفْقُودٍ وَأَهْوَنَ مَوْجُودٍ". فَقَالَ: يَا غُلَامُ! اسْقِهِ الْمَاءَ (المجالسة وجواهر العلم:2/236).

هذا الماءُ تصوُّرُه يُرطِّبُ القلوبَ، وتذوُّقُه حياةُ الأجسامِ. فهلا تذكرتَ نعمةَ اللهِ عليكَ، حينما يصيبُك وَهجُ الشمسِ اللاهبِ، وسَمومُها اللافحُ، ويَبلغُ بك العطشُ شدةً، ثم تتناولُ إناءَ الماءِ فتتلذذُ به، وتُسيغُه هنيئًا مريئًا، ولذا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَعْنِي العَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ، أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ البَارِدِ؟"(سنن الترمذي 3358، وصححه ابن حبان والذهبي).

عبادَ اللهِ: عجبًا لهذا الماءِ، جعلهُ اللهُ وسيلةً لحسنِ الثوابِ في الدنيا، ففي التنزيلِ العزيزِ يقولُ اللُه: (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً)[الجن:16]، كما أنه وسيلةُ عقابٍ على المذنِبينَ المكذبِينَ: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ)[القمر:11].

ومن أعظمِ أنواعِ النعيمِ في الجنةِ: (أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ)[محمد:15]، ويشربونَ من: (مَاءٍ مَسْكُوبٍ)[الواقعة:31]، بينما عذابُ أهلِ النارِ: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)[محمد:15]، كما أن عذابَهم حِرمانُهم من الماءِ القراحِ الباردِ.

ولما شَرِبَ ابْنُ عُمَرَ مَاءً بَارِدًا بَكَى فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ آيَةً فِي كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)[سبأ:54]، فَعَرَفْتُ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ لَا يَشْتَهُونَ إِلَّا الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ  اللهُ)[الأعراف:50](شُعب الإيمان:4294).

أيُها المسلمونَ: إن الماءَ لم تنقص قيمتُه لا بتقدمِ الإنسانيةِ ولا بتخلُّفِها، بلْ لقدْ زادتْ، حتى صاروا يَتحدثونَ عنِ الأمنِ المائيِ، وتناقُصِ مواردِ المياهِ ومصادِرِها ومنابِعِها.

وتأملُوا في سنةِ نبيِكم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد كَانَ يَغْتَسِلُ، بمثلِ هذهِ القارورةِ (جيكة 3 لتر)، وَيَتَوَضَّأُ بمثلِ هذهِ القارورةِ (قارورة نص لتر) (أي بالصَّاع والمُدّ كما في صحيح البخاري: 201، ومسلم: 226).

وعندما يرَى المسلمُ كثيرًا من إخوانهِ المسلمينَ وهم يتوضؤونَ يشاهدُ عَجَبًا في إهدارِ الماءِ وكأنهمْ لا يَعلمونَ شيئًا عن سنةِ رسولِهِم محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيثُ يتوضأُ أحدُهم بما يكفي للاغتسالِ.

ولقد شَدَّدَ أهلُ العلمِ في المنعِ من الإسرافِ بالماءِ، وقطعِ الوسواسِ على الموسوسينِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: "اقْتَصِدْ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ. وقَالَ العُلَمَاءُ: "مِنْ وَهَنِ عِلْمِ الرَّجُلِ وُلُوعُهُ بِالْمَاءِ فِي الطَّهُورِ"(الطهور لابن سلام: ص124).

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ مُولِينا، ومُعطِينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا وهادِينا، أما بعدُ:

فإنَّ مِن آكد الوصايا الاقتصاديةِ توعيةَ أهلِ البيتِ والعمالِ والعاملاتِ بترشيدِ المياهِ، لا سيما عند غسلِ الأحواشِ والسياراتِ، والمنازلِ والمساجدِ وأماكنِ العملِ. فليأخذُوا على أيديهِم، ليسَ خوفًا من الفواتيرِ، بل خوفًا من التبذيرِ، وإلا اجتمعَ تبذيرانِ للمالِ وللماءِ. وقُلْ مِثلَ هذا في صرفِ المياهِ على المسطحاتِ الخضراءِ والأشجارِ قليلةِ الفائدةِ.

فهلِ استَشعرْنا حقاً قدرَ الماءِ؟ نفتحُ الحنفيةَ، فيَنهالُ علينا الماءُ بكلِ سهولةٍ! هلِ قَدَرْنا نعمةَ وُجودِه، ونعمةَ سهولةِ تحصيلِه، ونعمة رُخْصِهِ ونعمةَ عذوبتهِ؟ (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)[الواقعة:68-70]، ولو نظرتَ في بعضِ البلادِ المنكوبةِ، لرأيتَ أطفالاً وإخواناً لكَ يقِفونَ طوابيرَ ليُحصِّلوا مذقةً من ماءٍ عَكِرٍ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.