الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | فيصل بن عبد الرحمن الشدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - المنجيات |
إيهٍ يا نفسُ ما حالُك معَ القرآن؟! إيهٍ يا نفسُ كم من العمرِ بلغتِ؟! وكم من القرآنِ حفِظتِ؟! وكم من آي القرآن بكيتِ؟! وكم له ختمتِ؟! إيهٍ يا نفسُ مضى من رمضانَ عشرةُ أيامٍ رحلَ فيها العُبَّاد مع القرآنِ وارتحلوا وأنتِ ما هي رحلتك؟!، ومع القرآن ما هي وقفتك؟! إيهٍ يا نفسُ أيامُ رمضانَ المعدوداتِ تمشي سريعاً وتنقضي جميعاً، هلَّا أدركتيها قبل الفوات!
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
عبادَ الله اليومُ هو الحادي عشر من رمضان ولكأني بسائلٍ كثيرٍ يسألُ: ما أعجلَ رمضان! كيفَ مضى؟! أشعرُ أنّي فرّطتُ فيما منه انقضى، كثيرونَ يفتقدون البركةَ في أوقاتِهم وإنجازِهم، ولذا يسيرُ العمرُ على هذا حتى يُقال انتهى.
ألا يا صائمونَ: إن مورِدَ البركةِ بين أيدينا، وإنَّ خيرَاتَه بميادينا، إنََّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآن، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص:29].
إنَّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآنِ؛ فلا حسناتٍ منه أجزلُ ولا أوفى، بكل حرفٍ حسنة، والحسنةُ بعشرِ أمثالها إلى أضعافٍ لا يعلمُها إلا الله.
إنَّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآنِ فلا للحيرانِ مِنه أهدى، ولا للمغموم أكثرَ مِنه بُشرى (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل:102].
إنَّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآنِ فلا للعصاةِ منه أهدى، ولا للسيئاتِ منه أوقى (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء:9].
إنَّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآنِ؛ فبيتُ صاحبِه تفرّ منه الشياطين، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "..إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
إنَّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآن، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "الْبَيْتُ إِذَا تُلِيَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ اتَّسَعَ بِأَهْلِهِ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ، وَحَضَرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَخَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لَمْ يُتْلَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ، ضَاقَ بِأَهْلِهِ، وَقَلَّ خَيْرُهُ، وَتَنَكَّبَتْ عَنْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَحَضَرَهُ الشَّيَاطِينُ"(رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ).
إنَّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآنِ؛ فمجالِسُه مَجَالِسُ السَّكِينَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَظَمَة. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "...وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
إنَّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآن؛ فالمشتغلُ به تعلُّماً وتعليماً هو في أشرفِ الوظائفِ وأعلَاها قال -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
إنَّ بركةَ العمرِ والحياةَ هي والله في العيشِ معَ القرآنِ؛ فلا عُسرَ والله معه، ولا أحصلَ للمطلوب منه؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَلَامُ اللهِ -تَعَالَى- هَمّهُ، كَفَاهُ اللهُ -تَعَالَى- مَا أَهَمَّهُ، قَالَ عَبّاسٌ الْكِنَانِيّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ المَقْدِسِيّ: أَوْصَانِي وَقْتَ سَفَرِي، فَقَالَ: "أَكْثِرْ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلَا تَتْرُكْهُ؛ فَإِنَّهُ يَتَيَسَّرُ لَكَ الَّذِي تَطْلُبُهُ عَلَى قَدْرِ مَا تَقْرَأُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ ذَلِكَ وَجَرَّبْتُهُ كَثِيرًا، فَكُنْتُ إِذَا قَرَأْتُ كَثِيرًا تَيَسَّرَ لِي مِنْ سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَكِتَابَتِهِ الْكَثِيرُ، وَإِذَا لَمْ أَقْرَأْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِي".
إنَّ بركةَ الحياةِ الآخرة هي والله لمن عاشَ مع القرآن فلا في الآخرةِ منه أشفَع؛ قَالَ النّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ..."(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
ولا في الرقي في درجاتِ الجنةِ من القرآنِ أنفع قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).
بعد هذه البركاتِ والخيراتِ والرحماتِ في القرآن ألا تدعوكَ النفسُ لمحاسبَة، ووقوفٍ مع حالِها ومعاتَبة، إيهٍ يا نفسُ ما حظُّك من هذه البركات؟! إيهٍ يا نفسُ ما حالُك معَ القرآن؟! إيهٍ يا نفسُ كم من العمرِ بلغتِ؟! وكم من القرآنِ حفِظتِ؟! وكم من آي القرآن بكيتِ؟! وكم له ختمتِ؟! إيهٍ يا نفسُ مضى من رمضانَ عشرةُ أيامٍ رحلَ فيها العُبَّاد مع القرآنِ وارتحلوا وأنتِ ما هي رحلتك؟!، ومع القرآن ما هي وقفتك؟! إيهٍ يا نفسُ أيامُ رمضانَ المعدوداتِ تمشي سريعاً وتنقضي جميعاً، هلَّا أدركتيها قبل الفوات!
اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، أقول ما قلت وأستغفر الله لي ولكم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ على إحسانه...
أَيُّهَا النَّاسُ: ولتحصيلٍ من بركةِ القرآن أكثر وانتفاعٍ أكبر فإني أوصيك عند إقبالكَ على القرآنِ أن تتخلَّص من أي شاغلٍ وقاطعٍ، لا سيما الجوال الذي بيديك دعه جانباً قليلاً أو صمِّته أو أغلِقه.
واقرأ القرآن قراءة المُتدبِّر المُتفكِّر الذي يريد فهم خطابِه والانتفاعَ بكتابِه، وردِّد الآياتَ المؤثرةَ على قلبِك كما ردّدها حبيبك، عِش مع الآياتِ بوجدانِك، إذا ذُكرتِ الأخرةُ ولكأنَّك تعيشُ فيها، وإذا ذُكر اللهُ ولكأنّك تستحضرُ مَقَامَك بين يديه معظِّماً للعظيمِ -سُبحانه- عندها تعيشُ حياةً جميلةً، وقد تكون جديدةً عليك مع القرآن، وسُتدرك من بركتِه كثيرًا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.