الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
هناك من الناس حتى في رمضان من لا يختم القرآن الكريم ولو مرة واحدة -والله المستعان- وهذا تفريط في كتاب الله -تعالى-، ألا تريد الدرجات العالية؟ ففي كل حرف عشر حسنات, ألا تريد أن يكون القرآن شفيعًا لك يوم القيامة؟ ينقذك من النار ويدافع عنك أمام الله -تعالى-؛ لأنك كنت من التالين له, ألا تريد أن يرتاح قلبك بهذا القرآن...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
لقد شرَّف الله -عز وجل- هذا الشهر بأن أنزل فيه أعظم كتبه؛ ألا وهو القرآن الكريم، قال -سبحانه وتعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة: 185].
ومدح الله من يتلونه فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ)[سورة فاطر:29]، وزكَّى الله -عز وجل- الذين يحفظونه فقال: (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)[ العنكبوت 49].
وهذا القرآن الكريم يرفع صاحبه في الدنيا وينفعه في يوم القيامة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين"(رواه مسلم)، وقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- أن القرآن ينفع صاحبه يوم القيامة فقال: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتين أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجّان عن أصحابهما"(رواه مسلم).
وأوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الرفعة والرقي في درجات الجنة يوم القيامة تكون بالقرآن فقال: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها"(رواه الترمذي وأبو داود).
أيها المسلمون: لقد تعاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن سواء في رمضان أو غيره، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعون يهتمون بالقرآن تلاوةً ومراجعةً وتدبرًا، وكانوا يهتمون به في رمضان أكثر من الشهور الأخرى.
بل إن جبريل -عليه السلام- كان يدارس النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في كل رمضان وليس في أي شهر آخر، ولما كان العام الذي تُوفِّي فيه راجع معه في رمضان قبل وفاته مرتين.
وكان السلف الصالح يقبلون على تلاوة القرآن في رمضان ويتركون التدريس والعلم يقول الزهري -رحمه الله- إذا دخل رمضان: "إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام"، وكان الإمام مالك -رحمه الله- إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث وأقبل على القرآن.
عباد الله: هناك من الناس حتى في رمضان من لا يختم القرآن الكريم ولو مرة واحدة -والله المستعان- وهذا تفريط في كتاب الله -تعالى-، ألا تريد الدرجات العالية؟ ففي كل حرف عشر حسنات, ألا تريد أن يكون القرآن شفيعًا لك يوم القيامة؟ ينقذك من النار ويدافع عنك أمام الله -تعالى-؛ لأنك كنت من التالين له, ألا تريد أن يرتاح قلبك بهذا القرآن (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28].
ألا تريد أن يكون شفاء لأمراضك النفسية والجسدية، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)[الإسراء:82]؛ إذًا فلْنَعُد ولْنُقْبِل على القرآن الكريم الذي هو خير لنا في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء: 9].
عباد الله: لقد تعودنا في هذا الشهر الكريم على قراءة القرآن الكريم وختمه أكثر من مرة، وتعودنا على صلاة الليل، وعلى الصيام، وعلى إطعام الطعام، وعلى كثرة الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، فعلينا أن نستمر عليها بعد رمضان؛ فإن ذلك علامة القبول.
نسأل الله أن يثبتنا على الأعمال الصالحة حتى الممات، وأن يغفر ذنوبنا ويتقبل منا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ينبغي لقاري القرآن أن يقرأه وهو على طهارة، وأن يكون قاصدًا بقراءته أو تلاوته وجه الله -عز وجل-، ليس لأجل الثناء والمدح من الناس أو تسميع الناس صوته، وأن يرغب في الأجر من الله -عز وجل- على كل حرف منه، كما أن على القارئ أن يتلفظ بلسانه بآيات القرآن؛ فالذي لا يحرك شفتيه بقراءة القرآن فليس بقارئ للقرآن الكريم.
كما على القارئ عدم الاستعجال في القراءة حتى يفهم ما يقرأ من الآيات، ويعرف معناها، حتى يحصل له التدبر؛ لأن ثمرة قراءة القرآن التدبر والعمل حتى يحصل الخشوع والتأثر بالقراءة، كما كانت تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا مرَّ بآية فيها الجنة سأل الله الجنة، وإذا مر بآية فيها نار تعوذ بالله من النار، وهكذا يتأثر بما يقرأ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.