الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
عباد الله: إن أمثال هذه المواسم يجب أن تعد لها العدة، وأن يتأهب لها المسلم بما استطاع من زاد الآخرة. لقد كان سلف هذه الأمة يستقبلون شهر رمضان بالتوبة النصوح، والإقلاع عن الذنوب، وترويض النفس على الطاعة، حتى إذا دخل رمضان إذا بهم يملكون بين جنوبهم نفوساً طيبة، مقبلة على الطاعة، كارهة للمعصية، منيبة إلى ربها، فيسهل عليها أن تخشع مع الخاشعين، وتذكر مع الذاكرين، وتركع مع الراكعين. فلا حض للهوى في عملها؛ لأنها عرفت طريق الطاعة، فهي على درب الخير تسير, وهذا، عكس ما نحن عليه الآن إلا من رحم ربي، فالنفوس...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المؤمنون: إن الله -جل وعلا- يمن على عباده بمواسم خير وبركة، يضاعف فيها الحسنات، ويكفر فيها السيئات، وتتنزل فيه الرحمات، وما ذاك إلا نزر يسير من بركاته، فنعمه جل وعلا على خلقه لا تعد ولا تحصى.
فإنه سبحانه هو الجواد الكريم.
وإن من مواسم الخيرات التي تمر بعباد الله، موسماً عظيماً لا يستقبله المسلم لوحده، بل تستقبله الأمة الإسلامية بأسرها.
يدخل هذا الموسم المبارك على الناس وقد أثقلتهم الذنوب، وأنهكتهم العيوب، وأصبحوا على شفا هلكة، فيحط -بإذن ربه- أثقالهم، ويستر عيوبهم، ويباعد بهم عن مواطن الهلاك.
عباد الله: إن أمثال هذه المواسم يجب أن تعد لها العدة، وأن يتأهب لها المسلم بما استطاع من زاد الآخرة.
لقد كان سلف هذه الأمة يستقبلون شهر رمضان بالتوبة النصوح، والإقلاع عن الذنوب، وترويض النفس على الطاعة، حتى إذا دخل رمضان إذا بهم يملكون بين جنوبهم نفوساً طيبة، مقبلة على الطاعة، كارهة للمعصية، منيبة إلى ربها، فيسهل عليها أن تخشع مع الخاشعين، وتذكر مع الذاكرين، وتركع مع الراكعين.
فلا حض للهوى في عملها؛ لأنها عرفت طريق الطاعة، فهي على درب الخير تسير,
وهذا، عكس ما نحن عليه الآن إلا من رحم ربي، فالنفوس على المعاصي مطبوعة، وسيماها الإعراض عن الطاعة، فإذا دخل شهر رمضان إذا بأصحاب هذه النفوس يحملون بين جنوبهم عدواً لهم، يهرب من الطاعة، ويغرق في المعصية، يصعب عليها أن تتوب، يصعب عليها أن تخشع مع الخاشعين، أو تركع مع الراكعين، أو حتى تذكر مع الذاكرين.
أيها المؤمنون: إن النفس تحتاج إلى وقت للترويض، فبادرها بذلك قبل هذا الموسم العظيم.
فيا من يشكوا من قحوط دمعه، وخشوع قلبه في رمضان، عليك بالإقبال على ربك، والإكثار من الطاعات، وهجران المعصية من الآن.
يا من تصعب عليه قراءة القرآن، والخلوة لذكر الرحمن، عود نفسك من الآن، فإن الفرصة ممكنة، والزمن يسير.
يا من فرط في رمضان الماضي ها قد أقبلت فرصة أخرى، فإياك والتسويف.
ولنعلم جميعاً أن لنا رباً غفوراً رحيما، يفرح بتوبة عبده، إذا تاب وأناب ورجع إليه، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة؛ فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك، إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".
عباد الله: فلنرجع جميعاً إلى ربنا، ولنجعل هذا الشهر المبارك شهر توبة وإنابة، وإخلاص لله -تعالى-.
وعلينا جميعاً أن نضمر النية الصالحة للأعمال الصالحة في هذا الشهر، فإن بعض المسلمين تكون نيته خيراً من عمله، فمن أضمر نية صالحة لهذا الشهر، ينوي فيها أن يعمل العمل الصالح، ويتوب من جميع الذنوب، فمن فعل ذلك بنية صالحة، فإنه على خير عظيم، ولو أدركه أجله قبل رمضان، فإنه يرجى له ثواب ذلك، والله ذو الفضل العظيم.
وأما المسوف، فإنه قد يحرم بلوغ الشهر فيجتمع له حرمان الشهر؛ وحرمان النية الصالحة.
أعاذنا الله وإياكم من الخذلان.
اللهم بلغنا رمضان، وارزقنا فيه الأعمال الصالحة، يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
أيها الأخيار الأبرار: إن إدراك رمضان نعمة عظيمة، وهبة جسيمة، يهبها الله لمن شاء من عباده بتقدير امتداد أجله إلى ذلك.
فعلى من أدرك هذا الموسم العظيم أن يقدر هذه النعمة، ويسعى جاهداً لإتمامها بالمغفرة، والعتق من النار.
قال عبد العزيز بن مروان -رحمه الله-: "كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان: اللهم أظلنا شهر رمضان، وحضر، فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، ورازقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن".
وقال معلى بن الفضل: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم".
وقال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: "كان من دعائهم: "اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا".
أيها المسلمون: يجب على كل من كان عليه قضاء من شهر رمضان الماضي، أن يقضي ما عليه قبل أن يدخل عليه رمضان الآتي، ويحرم عليه تأخيره، فمن أخره بلا عذر وجب عليه القضاء والكفارة، كما أننا في أيام هي أيام كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يصومها أو يصوم بعضها، ألا وهي: أيام شهر شعبان.
إلا أنه لا يجوز أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا لمن كانت له عادة كصوم يوم وفطر يوم، أو صوم الاثنين والخميس، ونحو ذلك، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقدموا شهر رمضان بصوم قبله بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوماً فليصمه".
كما أنه لا يجوز صيام يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان، فمن صامه فقد عصى الله ورسوله "سواء كان يوم غيم أو كانت السماء صحواً".
بل يجب إكمال الشهر، حتى يرى الهلال، أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".
وينبغي للناس أن يتراءوا الهلال، فإنه من باب التعاون على البر والتقوى، فمن رأى الهلال فليخبر به القاضي ونحوه.
ولا يجوز الاعتماد على الحساب في معرفة دخول الشهر، بل لا يصوم الناس حتى يروا الهلال، ولا يفطروا حتى يرونه كذلك.
ومن سمعه من الإذاعة السعودية، فعليه الصيام إذا تحقق أنها أعلنت ثبوت الشهر.
كما يجب على المسلمين: أن يمسكوا عن ابتداء الإشاعات أو بثها، من التشكيك في دخول الشهر، كما هي عادة بعض الناس، أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون" قال الترمذي -رحمه الله-: "فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: "إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة، وعظم الناس".
اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام على الوجه الذي يرضيك عنا.