الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم السبر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
لم يعرف التاريخ كأمة الإسلام، التي كانت بحق خير أمة أخرجت للناس؛ حكمت بالعدل, ونشرت الحق، وليقين أعداء الأمة بسر قوتها وهو دينها وعقيدتها، فلأجله يسعون لبث الفرقة، ويتربصون بها الدوائر، وسلاحنا أمام هذ الكيد التمسك بديننا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم كان شره مستطيراً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله بعثه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الحق بإذنه وسراجاً منيراً, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه, وسلم تسليماً مزيداً كثيراً.
الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكر وكبر، الله أكبر عدد ما صام صائم وأفطر، الله أكبر عدد ما حج حاج واعتمر, الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عدداً، الله أكبر، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
أمة الإسلام: ها نحن نستقبل يوم عيد الفطر، يوم الفرح والسرور، وقد ودعنا شهراً كريماً, وموسماً للطاعات عظيماً، غصت المساجد بالمصلين، ورفعت الأكف بالدعاء، وتنافس الصالحون بالبذل والعطاء, فالحمد لله على نعمة التوفيق للصيام والقيام؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
العيد تعبير صادق عن انتماء الأمة لدينها، وخير شاهد على مراعاة الإسلام للأحاسيس والمشاعر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل قوما عيدا, وهذا عيدنا"، فهو دين الفطرة جعل أوقاتاً يفرح فيها العبد بما أباح الله، ويستمتع بالطيبات مع اجتناب منكرات الأخلاق، وإنما تتبين أخلاق الأمم في أعيادها.
العيد فرحٌ وشكرٌ بما أتم الله على ما أتم به على عباده من النعمة, وبما وفق للطاعة، فأعياد أمة الإسلام جاءت بعد طاعة وعبادة؛ فالفطر بعد الصوم, والأضحى بعد الحج، فما أجمل اقتران السرور بالشكر!، قال -صلى الله عليه وسلم-: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
التوحيد أصل الإسلام الأصيل وركنه المكين؛ (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزمر: 2، 3]، فحققوا التوحيد، واجتنبوا مظان الشرك ومسالكه، وكملوا توحيدكم بطاعة نبيكم واتباعه؛ (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)[النور: 54].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
أيها المسلمون: عيدنا يأتي هذا العام في ظل جائحة كورونا، والمسلم الحق مستسلم لأمر ربه في جميع أحواله، راضٍ بقضائه وقدره، وصابر على بلائه، وشاكر لنعمائه، وإن بعد العسر يسرًا، والكرب منكشف لا محالة؛ فافرحوا بعيدكم، وتفاءلوا وأبشروا بالفرج القريب من عند أرحم الراحمين, وتوكلوا على الله ربكم وافعلوا الأسباب, وخذوا بالتدابير الاحترازية والوقائية, وذلك بالتباعد, وترك المصافحة, والبعد عن التجمعات؛ حماية لكم ولذويكم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
معاشر المسلمين: اشكروا الله الذي هداكم إلى هذه الشريعة الغراء, والحنيفية السمحاء، دين محكم وشريعة أنزلها الحكيم الخبير, وتكفل بحفظها، هذه الشريعة بحر لا تكدره الدلاء، وطهرٌ لا يدنسه مكر الأعداء، لم يعرف التاريخ كأمة الإسلام، التي كانت بحق خير أمة أخرجت للناس؛ حكمت بالعدل, ونشرت الحق، وليقين أعداء الأمة بسر قوتها وهو دينها وعقيدتها، فلأجله يسعون لبث الفرقة، ويتربصون بها الدوائر، وسلاحنا أمام هذ الكيد التمسك بديننا؛ فهو عصمة أمرنا، والمحافظة عليه بصف متماسك ولحمة متينة بين الراعي والرعية، فلا تنزعوا يداً من طاعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية؛ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران: 103].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
عباد الله: هذا يوم مشهود، يوم فرحة وسرور، يوم يغتاظ منه الكفار والمنافقون، فكونوا عباد الله إخواناً، وعلى الحق أعوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقِره، فابتهِجوا بعيدكم، ولا تكدروا جماله بالتهاجر والنكران، وأحسنوا للوالدين، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام.
(وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[البقرة: 188]، وإياكم والمكاسب المحرمة من الربا والرشوة والغش وأكل مال اليتيم، لا تجمَعوا حرامًا، ولا تنفقوا إسرافًا، وإن لم تُرزقوا غِنى فلا تُحرموا من تُقى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
احذروا الذنوب والمعاصي؛ فإن خطرها وبيل, وقد قال ربنا في محكم التنزيل: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41]، فاجأروا إلى الله بالاستغفار؛ فإن المآل إلى شر، والخطر في ازدياد، وباب التوبة مفتوح, فهل من مشمِّر تائب؟!.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
ما أجمل الإحسانَ يتبعُه الإحسان!، وما أقبَح العصيانَ بعد الإحسان!، وقد قال نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال؛ فكأنما صام الدهر كله", فأروا الله من أنفسكم خيرًا، ولا تودعوا بوداعكم رمضان العبادة، ولا ترجعوا بعد الذكر إلى الغفلة، ولا يفسدن الشيطان من حالكم ما صلح.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
معشر النساء: أقمن الصلاة وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، وتصدقن، وأكثرن من الاستغفار، واتّقين النار، وقُمْنَ بحق الأزواج، وأحسنَّ تربية الأولاد، واحذرن التبرج والسفور وما يُغرِي مرضى القلوب؛ فقد صانكن الله بالحجاب، وغيركُنَّ عرضة للذئاب، فما ضُرِبَ الحجاب ولا فُرض الجلباب إلاّ حمايةً للأعراض, وطهارة للقلوب.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة، واجعلنا ممن طال عمرُه وحَسُن عمله، واجعل عيدنا سعيدا, وعملنا صالحاً رشيداً, اللهمَّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, وأمِّن حدونا وأنصر جنودنا المرابطين, اللهم وفق ملكنا وولي عهده لما تحب وترضى.