الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
العربية
المؤلف | فيصل بن عبد الرحمن الشدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
سؤال يطرح نفسه: ما الذي استفدناه من رمضان؟ تسعة وعشرون يوماً خَلَتْ، ماذا غيَّرَت في نفوسنا؟ في بيوتنا؟ في أخلاقنا؟ في استقامتنا؟ في صلتنا مع كتاب ربنا؟ قبيحٌ والله بالمرء أن يعود بعد رمضان كما كان في جمادى وشعبان! قبيح أن نهجر القرآن ونقطع الصلة به! قبيحٌ والله أن تشح أيدينا بالبذل والعطاء! قبيح والله أن نهجر قيام الليل، وتثقل جنوبنا مضاجعها فلا نوتر ولو بركعة!.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله الوليُّ الحميد، لا إله إلا الله يفعلُ ما يشاء ويحكم ما يريد، لا إله إلا الله ذو الحبلِ الشديد، والأمرِ الرشيد.
الله أكبر عدد ما صام صائم وأفطر، الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكرٌ وكبَّر، الله أكبر عدد ما حَمِدَ الله حامدٌ وشكر، الله أكبر عدد ما تاب تائب واستغفر، الله أكبر عدد ما تجاوز عن الخطايا وكفّر، الله أكبر عدد ما رفع البلايا وستر.
أحمده وهو المحمود بكل حال، أحمده وله القدرة والقوة وهو شديد المحال، أحمده إليه الملجأ وإليه المآل.
ولو حمدته ليلاً ونهاراً، ولو مدحته سراً وجهاراً، أنَّى لي أن أوفيه حقه؟! سبحانه! لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصِي نعمائه العادُّون، ولا يؤدي حقه المجتهدون.
تأهَ لُبِّي وذابَ قلبي لِرَبِّي | فهْوَ حُبِّي وسَلْوَتِي في حياتي |
ولهُ كلُّ ذَرَّةٍ في كيانِي | ومَماتي ومَنسَكي وصَلاتي |
أنتَ أَهْلُ الثَّناءِ والمَجْدِ فَامْنُنْ | بِجَميلٍ من الثَّناءِ المـــُواتي |
ما ثنائي عليكَ إلَّا امْتِنانٌ | ومِثالٌ لِلْأَنْعُمِ الفائِضَاتِ |
حُبُّنا وامْتِداحُنا ليسَ إِلَّا | وَمْضَةٌ مِنْكَ يا عَظيمَ الهِباتِ |
فالِقُ الحَبِّ والنَّوَى جَلَّ شأناً | وَضِيَاءُ الدُّجَى ونُورُ السُّراةِ |
شافِعٌ واسِعٌ حَكِيمٌ عَلِيمٌ | بالنوايا والغَيْبِ والخاطِراتِ |
خافضٌ باسطٌ بصيرٌ سميعٌ | لدبيبٍ للنَّمْلِ فوقَ الحصاةِ |
بارئٌ حافِظٌ حميدٌ مَجيدٌ | فارجُ الهَمِّ كاشفُ المـُعْضِلاتِ |
غافرٌ راحمٌ حَليمٌ تَجَلّى | حِلمُهُ في عطائهِ للجُناةِ |
صمَدٌ تصمدُ البرايا إليه | وأَنيسُ الضَّمائِرِ المـُوحِشَاتِ |
ليسَ شيءٌ كَمِثْلِهِ فَهْوَ رَبٌّ | مَنْ يضاهِيهِ في صفاتٍ وذاتِ؟ |
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، وطاف بالبيت الحرام، قدوة الأنام، ما أشرقت شمس الدنيا على خير منه وما وطئت الأرض قدماً أشرف منه، بأبي هو وأمي، لا حرَمَنا الله رؤياه في الجنة، والشرب من حوضه.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أمة الإسلام : أهم القضايا على الإطلاق، وأصل الشريعة بالاتفاق، إفراد الله سبحانه بالتوحيد والعبادة، قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ) [النحل:36].
نعم، إنها لا إله إلا الله، عقيدة يدين بها المؤمن للواحد الديَّان، فالخضوع الحقيقيُّ هو عند بابه، واللائذ القويُّ مَن لاذ بجَنَابِه، مَن أرضاه بسخط الناس رضي العلي سبحانه عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخطه برضا الناس سخِط الله عليه وأسخَط عليه الناس.
فَليْتَكَ تحلُو والحياةُ مَريرَةٌ | وليتَكَ تَرْضَى والأنامُ غِضَابُ |
وليتَ الَّذي بيني وبينَكَ عامِرٌ | وبيني وبينَ العالَمينَ خرابُ |
إذا صَحَّ منكَ الوُدُّ فالكُلُّ هَيِّنٌ | وكلُّ الَّذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ |
حقّ لأهل التوحيد حقاً أن يذرفوا دمعة على عتبة توحيد العبودية وحال الأمة الإسلامية، نُحِّي شرع الله في أصقاع مسلمة كثيرة واستبدل بحثالة عقول البشر وقوانينهم.
وأروني رأيكم لو حدثتكم عن بيت من بيوتنا فيه صنم يعبد من دون الله، لكم أن تعجبوا، ومن حديثي تستغربوا، لكنه والله ليس في بيت بل في بيوت كثيرة، بل في شوارعنا وأسواقنا، نعم! ليس صنماً حسياً، ولكنه صنم الهوى، قال سبحانه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلَـَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللّهُ عَلَىَ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىَ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللّهِ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ) [الجاثية:23].
وخذ في هذا معاصٍ كثيرة، وانحرافات كبيرة، تجد أن روحها هو إتباع الهوى ليس إلا: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وتكفرون ببعض) [البقرة:85]، (يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السّلْمِ كَافّةً) [البقرة:208].
الإسلام كلٌ لا يتجزأ، ووحدة لا تتبعض. كم هم الهائمون على وجوههم في سرداب التبعية، تشبهاً بالكفار حذو القذة بالقذة؟! كم هي المجالس والمشاهد والبرامج التي يُستهزأ فيها بدين الله وبأهل الدين تصريحاً وتلميحاً؟! كم هم المرضى المتساقطون على عتبات السحَرة والمشعوذين؟ كم هم المعتدون على حدود الله، المفترون على شرع الله؟.
نصبوا أنفسهم في كتاباتهم وأحاديثهم مفتين ومحللين ومحرمين، (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـَذَا حَلاَلٌ وَهَـَذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُواْ عَلَىَ اللّهِ الْكَذِبَ إِنّ الّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىَ اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النحل:116-117].
ناهيك عن القبور التي يطفح بها العالم الإسلامي، ومن صميم عقيدة التوحيد عقيدة الولاء والبراء، الولاء للمؤمنين ومحبتهم ومناصرتهم، والبراء من الكفار وعدواتهم وبغضهم.
وهذه العقيدة العظيمة هُضم حقها، وجُهل قدرها، وانحرف فقهها في عقول كثير من بني الإسلام اليوم، مما جرَّ على الأمة والمجتمعات الويلات.
فغلا في عقيدة الولاء والبراء فئة من الناس، فأنزلوا هذه العقيدة في غير منزلها، فاعتدوا على أنفس معصومة في دين الله، واستباحوا أموالاً محرمة في شرع الله، فعاثوا بالتفجير والتخريب في هذه البلاد، فروعوا آمنين، وسفكوا دماء بريئة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، كما في البخاري: "مَن قتل معاهداً لم يرُحْ رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً"، والمؤسف أَنَّ مُرْتَكِبي هذه الأعمال يسمونها جهاداً أو استشهاداً، وهي ليست من ذلك في شيء.
بل إن المستفيد من هذه التفجيرات هم أعداء الإسلام من صليبيين ويهود، الذين يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام، وزعزعة أمن بلادهم.
وإن المستفيد من هذه التفجيرات هم أهل النفاق والعلمنة الذين يشوشون ويهوشون، وينسبون ما حدث لأهل الاستقامة، وبأعمال الدعوة ومناهج الدين، لا رفع الله لهم رأساً!.
وفي الجانب الآخر تعالت صيحات تدعو للتقارب بين الأديان لتكون مزيجاً واحداً، فتزول الفوارق، وتنتزع الكراهية بيننا وبين الكفار؛ فليطمس هؤلاء إن استطاعوا من كتاب الله: (لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ) [المائدة:72]، ولْيَمْحُ هؤلاء -إن قدروا- قول الله: (يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ) [المائدة:51]، وهيهات! وهيهات! وأنى لهم ذلك؟!.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الشعيرة المهضومة، والفريضة المظلومة، الصلوات الخمس، تارك الصلاة خارج عن دين الله، لا يزوج من بنات المسلمين، وإن زوج وجب التفريق بينهما، وإن مات يدفن في مقابر الكفار أو مع الجيف والكلاب، ولا يُدعى له، ولا يورث.
كم هم الذين بخسوا صلاة الفجر والعصر قدرها فناموا عنها؟ أما من يقظة إلى الله، وأوبه إلى الله؟
وقرينة الصلاة في كتاب الله الزكاة طهرة المال، الباخل بها يوم القيامة تكون أمواله صفائح من نار يكوى بها جبينه وظهره، (هَـَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:35].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ * فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة:278-279].
لا تغرنكم الدعايات المضللة من بنوك الربا، واحتط لدينك يا أخي وسل أهل العلم الأثبات، فالله مطلع وشاهد.
يتبع ذلك الرشوة وأكل أموال الناس بالباطل، وعدم تحليل مرتباتهم، وأداء أعمالهم على الوجه المطلوب، اسمعوا رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-: "أيما جسد نبت من الحرام فالنار أولى به".
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اتقوا الظلم يا رعاكم الله، فــ "الظلم ظلمات يوم القيامة"، كم هنّ النساء المظلومات في البيوت؟! مظلومة إما في نفقة أو عطاء أو عدم عدل بين النساء.
كم هم العمال والخدم يشكون ظلم الكفلاء؟! واللهِ! مما يمنع القطر عنا هذا الظلم، الذي يغضب الله سبحانه له.
إخوة الإسلام: كم هي البيوت التي شهدت جدرانها أنين الأمهات، وحسرة الآباء والزفرات، من عقوق فلذات الأكباد؟! ابن يلعن أباه، بل ويقاضيه في المحاكم ظلماً على دنيا حقيرة، وابن يرفع يده على أمه المسكينة يوم أن نصحته شفقة عليه، أما علموا أن حَرْفَيْن يغضب لهما الجبار جل جلاله؟!: (فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغِيراً) [الإسراء:23-24].
وها هي الرحم تتعلق بعرش الرحمن، فيرضيها ربها بقوله: "أما ترضين أن أصِل مَن وصَلك، وأقطع من قطعك؟".
إخوة متقاطعون، وأبناء عمومة متباغضون، وعلى ماذا؟ على حطام الدنيا، أو زلة كلمة، ألا أين الكاظمون الغيظ والعافون عن الناس.
ليكن هذا العيد عيد تواصل لما انقطع، اغفروا الزلات، وأنتم يا من تعرفون المتقاطعين أصلحوا بينهم، واشفعوا تؤجروا، فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا أخبركم بأفضل درجة من الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا بلي يا رسول الله! قال: "إصلاح ذات البين".
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
العقوبات تتوالى على الأمة، وتتابع المصائب المدلهمة إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما أكثر المنكرات في زماننا! وما أكثر الساكتين عنها! كثيرون حالُهم: نفسي نفسي! وما عليك من الناس. وهذه -والله!- علامة الهلاك، ألا فأْمُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنكر في شوارعكم وفي أعمالكم وفي مناسباتكم، وليكن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وما عليك إلا البلاغ.
عباد الله: اجتنبوا اللهو والغناء فإنها مزامير الشيطان، ورقيه الزنا وداعيه.
احفظوا فروجكم، وصونوا أعراضكم، (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَىَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32]، ألا وإن مَن قربانه السفر للخارج إلى بلاد العهر والخنا، باسم السياحة زعموا، ألا وإن الزناة في جهنم في تنور ضيق معلقين تفيض أجسادهم قيحاً وصديداً، ويُؤمَرون بشربه -عافانا الله وإياكم-، احذروا محصدة الحسنات: الغيبة والنميمة وأكل لحوم الناس، (وَلاَ يَغْتَب بّعْضُكُم بَعْضاً) [الحجرات:12].
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قائد الغر المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: إخوة الإسلام: إنني على علم أن تقليب صفحات تاريخنا المعاصر، وتذاكر أوضاع أمتنا، أَن هذا تقليبٌ للمواجع، واستثارة للمدامع، لكن الجسد الواحد الذي صوره محمد -صلى الله عليه وسلم- مثالاً لأمته، لا يترك لنا مجالاً أن نرى الحروق والخروق تنخر في أطرافنا وأجزائنا، ونحن نغض الطرف عنها، منغمسين في شهواتنا، غارقين في سكرة فرحة عيدنا، فلا كأن لنا أذناً تسمع، ولا قلباً من هول الفواجع يتضعضع.
نعم، مازال كتاب أمتنا مفتوحاً على صفحة الأرض المباركة فلسطين الجريحة، وما برحنا في تلك الصفحة نملأ أعيننا من حمـــَّامات الدماء التي نراها في الشاشات وعبر الصحف، في كل يوم تزف لنا الأخبار الشهداء تلو الشهداء، والدماء تلو الدماء، ودمعات العجائز والمكلومات عند بيوتهن المهدومة، وإن شلال الدماء الذي ينزف في فلسطين ما زال ينهمر بغزارة، من كم؟ من قبل ثلاث وسبعين سنة وتراب فلسطين نَدِيّ؛ ندي بقطرات المطر؟ كلا! كلا والله! ندي بدماء الأبرياء والضعفاء.
وصفحات أخرى سوداء بأخبارها، حمراء بدمائها، مؤلمة بأحداثها، في الشيشان وفي كشمير وفي الفلبين وفي غيرها.
وها نحن في هذا العام نفتح صفحة جديدة من صفحات المآسي، صفحة إخواننا في العراق، رعبٌ وهلع، وخوفٌ وجزع، وتفرق وشتات، وأُسَرٌ على ما في المزابل تقتات! وأين المسلمون عنهم؟! مَن ذرف لألمهم دمعة؟ من رفع يده بدعوة؟.
يموتُ المسلِمونَ ولا نُبالي | ونَهْرِفُ بالفضائلِ والخِلالِ |
ونحْيا العمْرَ أوتاراً وقصْفاً | ونحيا العمْرَ في قيلٍ وقالِ |
وتضرِبُهُمْ رياحُ المَـوتِ هُوجَاً | وفي أحداقِهِمْ نزْفُ الليالي |
يؤدُّون الضريبةَ كُلَّ يومٍ | بما ملكوا، ودينُ اللهِ غال |
وليس جِراحُهُمْ في الجسمِ لكن | جراح النفس أفْتَكُ بالرجالِ |
لكم الله يا مسلمون! لكم الله يا مظلومون! لكم الله يا مقهورون!.
عباد الله : تجاه هذه الصفحات المؤلمة وجب علينا أمورٌ: أن ننصر إخواننا بالتوبة إلى الله سبحانه، وإقامة شعائر دينه، والحذر من الذنوب، فوالله ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة! أن ننصر إخواننا بتوحيد الصف والكلمة، والله سبحانه قال: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ) [الأنفال:46].
إن ننصر إخواننا بالبذل والإنفاق، بالدعاء الصادق من أعماق قلوبنا، وألا ننساهم، فوالله إن للدعاء مع النصر شأناً! أن ننصرهم بأن نربي أنفسنا وأبنائنا وإخواننا على معاني العزة، ومن معاني العزة الجهاد الشرعي الصحيح بضوابطه التي يمليها العلماء، لا جهاد التفجيرات والتخريب، زعموه جهاداً!.
وها نحن نرى آثار الجهاد المباركة في أصقاع كثيرة من أراضي المسلمين، إلى عهد قريب لم نكن نسمع عنها إلا ما يحزن ويؤلم، فها نحن نرى إخواننا في فلسطين يذيقون اليهود ألواناً من النكال، وكذا أرض الشيشان الصابرة، وغيرها من البشائر التي تبعث الأمل من جديد، والله ناصرٌ دينه، وأمِّلوا في ربكم خيراً.
إننا ننصر إخواننا، ونغير واقع أمتنا بحسن تربيتنا لأبنائنا، التربية الصالحة، وهذا والله ما نرى فيه تخبطاً عجيباً في كثير من بيوت المسلمين، فما هي الأجيال التي خرجها التلفاز والدشوش؟ وما هي الأجيال التي خرجتها تربية الترف والدعة؟ وما هي الأجيال التي خرجتها الشوارع وشبكات الانترنت؟ وما هي الأجيال التي خرجتها شلل السوء وتجمعات الفساد؟.
كلنا نرى هذا الإهمال الفظيع، والتخبط الشنيع التي تعيشه كثير من الأسر مع أبنائها، أَلَا مِن مُتحسِّس للداء، ومسارع بالدواء؟ أعظِمْ بالتربية التي تخرج جيلاً قلبه معلق بالمساجد!.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
إن المنافقين والعلمانيين لم تغمض جفونهم، ولم تهنأ صدورهم وهم يرون المرأة المسلمة تسير بحجابها، تعتز به، تصون عرضها، الحياء شعارها، والعفاف دثارها، لذا أجلبوا بخيلهم ورجلهم والشيطان من خلفهم يؤزهم، ليخرجوا المرأة من حصنها، فأوحوا إليها أن حجابها قيود وأغلال، وأنه تشديد وتعقيد، والدين يسر وسماحه.
أخرجوا لها الفاجرات في الشاشات البيضاء بكامل الزينة كقدوات لها، نادوها مراراً عبر مقالات في الصحف والمجلات بكلام معسول، شكَّكوها في ثوابت الدين، والذي لا إله حقاً غيره ما أرادوا إلا الإباحية والتفرنج والحياة الغربية، أسأل الحي القيوم أن يجعل تدبيرهم تدميرهم.
أُخيَّة، يا رعاكِ الله: ها نحن نرى الشيطان يسير ببعض بنات المسلمين خطوة خطوة، فتارة تضع عباءتها على كتفها، وأخرى تجعله لثاماً أو نقاباً واسعاً، صنعه الأعداء لك مزركشاً لماعاً عله يكون طريقاً لخروجك منه، واستهانتك به، فاحذريهم، فما أكثر الدعاة على أبواب جهنم! مَن أطاعهم دخل النار.
أُخية، يا رعاك الله: يكدر أسماعنا، ويؤلم قلوب الغيورين رجالاً ونساءً ما نسمعه عن بعض النساء في المناسبات من لبس البناطيل والشفَّاف، صدور بادية، ونحورٌ عارية، فأين الحياء؟ يا أمَة الله، مُري بالمعروف، وأنكري ولا تقفي ولا تترددي، والغيرةَ الغيرةَ يا أولياء النساء على أعراضكم!.
أُخية، يا رعاك الله: شكت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما فضَّل الله به الرجال على النساء من الجُمَع وشهود الجنائز والجهاد، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "انصرفي أيتها المرأة، وأَعْلِمِي مَن خلفك من النساء أنَّ حُسن تبعُّل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، يعدل ذلك كله"، فانصرفت المرأة وهي تهلل وتكبر فرحاً واستبشاراً.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
سؤال يطرح نفسه: ما الذي استفدناه من رمضان؟ تسعة وعشرون يوماً خلت، ماذا غيرت في نفوسنا؟ في بيوتنا؟ في أخلاقنا؟ في استقامتنا؟ في صلتنا مع كتاب ربنا؟.
قبيحٌ والله بالمرء أن يعود بعد رمضان كما كان في جمادى وشعبان! قبيحٌ أن نهجر القرآن ونقطع الصلة به! قبيحٌ والله أن تشح أيدينا بالبذل والعطاء! قبيحٌ والله أن نهجر قيام الليل، وتثقل جنوبنا مضاجعها فلا نوتر ولو بركعة!.
إن من علامة قبول الحسنة إتباعها بمثلها، وأملوا في ربكم خيراً فقد جاء في الأثر أن الملائكة تقوم على أفواه الطرق في العيد تنادي: لقد أُمِرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطَعتم ربكم، فابتغوا جوائزكم، فإذا صَلُّوا نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم. جعلنا الله وإياكم منهم، ولا حرمنا جائزتهم.
إخوة الإسلام: إن من إتباع الحسنة الحسنة صيام الست من شوال، فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".
افرحوا بالعيد، واسعدوا به، فهذا يوم الجوائز، لا بأس باللهو المباح، والفسحة البريئة، إياكم وغفَلاتِ الأعياد! كالتأخر عن الصلوات، والنوم عنها، ولبس الثياب المسبلة تحت الكعب، فقد جاء فما أسفل من الكعبين فهو في النار.
إياكم ونغمة الغناء والموسيقى! فهي حرام، ورَب رمضان هو رب العيد، والأيام كلها.