البحث

عبارات مقترحة:

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

أحب الأعمال إلى الله تعالى

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. كل مؤمن يحب الله -تعالى- فإنه يتلمس ما يحبه الله -تعالى- .
  2. جاءت أحاديث عدة بأعمال هي أحب الأعمال إلى الله -تعالى- .
  3. أعلى الفرائض وأزكاها وأفضلها الصلاة .
  4. أَحَبّ صلاةِ النافلة وصيام النافلة إلى الله -تعالى- صلاةُ داود -عليه السلام- وصومُه .
  5. دين الإسلام دين السماحة واليسر .

اقتباس

وَأَعْلَى الْفَرَائِضِ وَأَزْكَاهَا وَأَفْضَلُهَا الصَّلَاةُ؛ وَلِذَا كَثُرَتِ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِأَدَائِهَا، وَمَحَبَّتِهِ –سُبْحَانَهُ- لِأَمَاكِنِهَا؛ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا".

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: كُلُّ مُؤْمِنٍ يُحِبُّ اللَّهَ -تَعَالَى- فَإِنَّهُ يَتَلَمَّسُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنَ الْأَقْوَالِ لِيَقُولَهَا، وَمِنَ الْأَعْمَالِ لِيَعْمَلَهَا، وَمِنَ الْأَمَاكِنِ لِيَرْتَادَهَا، وَمِنَ الصِّفَاتِ لِيَتَّصِفَ بِهَا؛ فَلَيْسَ مَنْ سَارَ فِي حَيَاتِهِ عَلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ -تَعَالَى- كَمَنْ سَارَ عَلَى غَيْرِ هُدًى.

وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَاللَّهُ -تَعَالَى- يُحِبُّهُ؛ لِأَنَّهُ –سُبْحَانَهُ- يُحِبُّ الطَّاعَاتِ، وَيَكْرَهُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَكِنَّ النَّصَّ عَلَى شَيْءٍ بِخُصُوصِهِ أَنَّهُ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ -تَعَالَى- يَدُلُّ عَلَى الْعِنَايَةِ بِهِ، أَوْ عَلَى مَظِنَّةِ غَفْلَةِ النَّاسِ عَنْهُ، فَيَتِمُّ تَنْبِيهُهُمْ إِلَيْهِ لِلْعِنَايَةِ بِهِ.

وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ عِدَّةٌ بِأَعْمَالٍ هِيَ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، عَلَى رَأْسِهَا الْفَرَائِضُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- مَا فَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ إِلَّا لِأَنَّهُ –سُبْحَانَهُ- يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَأْتُوا بِهَا؛ كَمَا قَالَ –سُبْحَانَهُ- فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَأَعْلَى الْفَرَائِضِ وَأَزْكَاهَا وَأَفْضَلُهَا الصَّلَاةُ؛ وَلِذَا كَثُرَتِ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِأَدَائِهَا، وَمَحَبَّتِهِ –سُبْحَانَهُ- لِأَمَاكِنِهَا؛ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

فَلْنَتَأَمَّلْ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَظِيمَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ وَنُقَارِنْهُ بِتَقْصِيرِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِيهَا، فَرُبَّمَا فَوَّتُوا الْجَمَاعَةَ، أَوْ تَمَادَوْا فَأَخَّرُوا الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَلَا سِيَّمَا صَلَاةَ الْفَجْرِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا" (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

وَلَمَّا كَانَتِ الصَّلَاةُ أَحَبَّ عَمَلٍ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- كَانَتْ بِقَاعُهَا أَحَبَّ الْبِقَاعِ إِلَيْهِ -سُبْحَانَهُ-؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَكَثْرَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ قِلَّتِهَا؛ وَلِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدٍ يَغَصُّ بِالْمُصَلِّينَ أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قِلَّةٌ مِنَ الْمُصَلِّينَ؛ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "...صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

وَأَحَبُّ صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَصِيَامِ النَّافِلَةِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- صَلَاةُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَصَوْمُهُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ --رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-مَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: "أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَأَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- ذِكْرُهُ –سُبْحَانَهُ-، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).

وَأَحَبُّ الذِّكْرِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

فَمِنْ أَعْظَمِ التَّوْفِيقِ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ كَلَامِهِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنْ ذِكْرِهِ –سُبْحَانَهُ- وَتَسْبِيحِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَهْلِيلِهِ وَتَكْبِيرِهِ.

وَمِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- تِلَاوَةُ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَجَاءَ النَّصُّ عَلَى سُورَةٍ مِنْهُ أَنَّهَا أَحَبُّ مَا يُقْرَأُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- كَمَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "تَعَلَّقْتُ بِقَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرِئْنِي سُورَةَ هُودٍ، وَسُورَةَ يُوسُفَ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا عُقْبَةُ، إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَ مِنَ الْقُرْآنِ سُورَةً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَلَا أَبْلَغَ عِنْدَهُ مِنْ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ).

وَأَحَبُّ الْجِهَادِ عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى- قَوْلُ الْحَقِّ وَالصَّدْعُ بِهِ عِنْدَ مَنْ تُخْشَى سَطْوَتُهُ؛ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ رَفْعِ ضَرَرٍ عَنْهُمْ، أَوْ دَفْعِ فِتْنَةٍ أَوْ مِحْنَةٍ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَحَبُّ الْجِهَادِ إِلَى اللَّهِ كَلِمَةُ حَقٍّ تُقَالُ لِإِمَامٍ جَائِرٍ".

وَدِينُ الْإِسْلَامِ دِينُ السَّمَاحَةِ وَالْيُسْرِ؛ وَلِذَا كَانَ التَّشْدِيدُ مَذْمُومًا فِيهِ، وَكَانَتِ الرُّخْصَةُ –بِحَقٍّ- مَحْبُوبَةً إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ). وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

وَالرُّخْصَةُ الْمَقْصُودَةُ هُنَا هِيَ الَّتِي يَصِلُ إِلَيْهَا الْعَالِمُ الْفَقِيهُ، وَلَيْسَتِ الرُّخْصَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالِ؛ فَيُسْقِطُونَ بِهَا وَاجِبًا أَوْ يُحِلُّونَ بِهَا مُحَرَّمًا؛ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْهَوَى وَالْجَهْلِ فِي إِعْلَامِهِمْ لِإِضْلَالِ الْعَامَّةِ، وَصَرْفِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَتَزْيِينِ الشَّهَوَاتِ لَهُمْ، وَتَسْلِيطِ الشُّبُهَاتِ عَلَيْهِمْ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَنَا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ"، وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

وَمِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ قَائِلٌ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، وَقَالَ قَائِلٌ: الْجِهَادُ، قَالَ: إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَقْبَلَ مِنَّا وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا يُرْضِيهِ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا لِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْسِنُوا بَعْدَ رَمَضَانَ كَمَا أَحْسَنْتُمْ فِي رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يُعْبَدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الْبَقَرَةِ: 112].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كُلُّ عَمَلٍ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فَهُوَ مَحْبُوبٌ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا، وَهُوَ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- أَحَبُّ مَنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ مُنْقَطِعٍ، وَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَقْطَعُ عَمَلَهُ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "كَانَ أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً يُدَاوِمُ عَلَيْهَا". وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "مَا مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَانَتْ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ قَاعِدًا إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَكَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا" (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

فَإِلَى الَّذِينَ اعْتَادُوا عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ: لَا تَتْرُكُوهُ وَقَدْ وَجَدْتُمْ لَذَّتَهُ، وَإِلَى الَّذِينَ أَدْمَنُوا فِي رَمَضَانَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ: لَا تَهْجُرُوهُ بَعْدَ رَمَضَانَ وَقَدْ كَانَ فِي رَمَضَانَ رَفِيقَكُمْ وَأَنِيسَكُمْ، وَإِلَى الَّذِينَ نَاجَوْا رَبَّهُمْ –سُبْحَانَهُ- بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي الْأَسْحَارِ وَأَطْرَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: لَا تَتْرُكُوا الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ، وَإِلَى الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَبَذَلُوهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ: لَا تَنْقَطِعُوا عَنِ الْبَذْلِ بَعْدَ رَمَضَانَ. إِلَى كُلِّ أُولَئِكَ وَإِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: لَا تَنْقَطِعُوا عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَلَوْ قَلَّلْتُمُوهَا؛ فَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَدْرِي مَتَى تَبْغَتُهُ الْمَنِيَّةُ فَيُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-؛ وَلَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِ –سُبْحَانَهُ- بِعَمَلٍ دَائِمٍ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْعَمَلِ يَنْتَظِرُ رَمَضَانَ الْقَابِلَ، وَلَمَّا يَبْلُغْهُ (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الْمُنَافِقُونَ: 11].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...