البحث

عبارات مقترحة:

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الاستخارة

العربية

المؤلف إسماعيل القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. الحِكَم من تشريع صلاة الاستخارة .
  2. أهمية الاستخارة ومواضعها .
  3. آداب الاستخارة .
  4. ثمرات الاستخارة وفوائدها. .

اقتباس

كم من عبد أراد أمرًا من الأمور، وتعلق قلبه بهذا الأمر، وسعى فيه سعيه، وأجهد فيه نفسه، وما ترك شيئًا يحقّقه له إلا عَمِله، ولكن الله حجبه عنه حتى أيس منه وحزن عليه، ثم تبين بعد أمد، أن الشر كان فيما أراد، والله قد أنعم عليه لمَّا صرفه عنه.

الخطبة الأولى:

جاء الإسلام بشريعته السمحة، هدايةً للحائرين، وإرشادًا للضالين، فكان هذا الدينُ العظيمُ صِلةً بين العبد وربه في عباداته كلِّها؛ وأعظم ما يتَوصَلُ به العبد إلى مولاه في شدته ورخائه أداءُ الصلوات المفروضة، وعمومُ النوافل؛ فقد "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه، أو كربه أمر، فزع إلى الصلاة"(رواه أبو داود).

والعقل البشري بطبيعته ناقصُ المعرفة في إدراك الحاجات الدنيوية حاضرًا ومستقبلاً، ولا يعلم بواطن الأمور، وما يُصْلِح أحوالَ الناس إلا علامُ الغيوب -سبحانه وتعالى-، ولذا شُرعت صلاة الاستخارة التي تُجلّي عن القلب ما أهمه، وتزيل عنه ما أغمّه، فيكون فيها محبةُ أداء العمل، بعد أن كان يظن أن أداءه شرٌ محض، أو يكره أداء العمل بعد أن كان يظن أن أداءه خيرٌ محضٌ.

فيقوم بطلب خير الأمرين في تحقيق أحدهما في صلاة يعقبها دعاء، كم من عبد أراد أمرًا من الأمور، وتعلق قلبه بهذا الأمر، وسعى فيه سعيه، وأجهد فيه نفسه، وما ترك شيئًا يحقّقه له إلا عَمِله، ولكن الله حجبه عنه حتى أيس منه وحزن عليه، ثم تبين بعد أمد، أن الشر كان فيما أراد، والله قد أنعم عليه لمَّا صرفه عنه.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلّم الصحابة -رضي الله عنهم- الاستخارة في الأمور كلِّها، كما يُعلّمهم السورة من القرآن، فيقوم المسلم باستخارة مولاه، فهو المتصف -سبحانه- بالعلم، والحكمة، والخبرة، والرأفة، والرحمةِ، وغيرها.

في استفتاح العبد استخارته بركعتين من غير الفريضة، فيها أدب لمولاه في قضاء أمره، وقد قضت الحكمة أن من الأدب أن تقرعَ بابَ من تريد حاجتك عنده، وقَرْعُ باب المولى -سبحانه- إنما هو بأداء الصلاة، ولا شيءَ أنجعُ ولا أنجحُ من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله، والثناءِ عليه، والافتقارِ إليه مآلاً وحالاً.

ثم يَذْكُر الدعاءَ الواردَ دُبر الصلاة، إما قبل السلام أو بعده، ويدعو بالدعاء الوارد: "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به ويسمي حاجته.(رواه البخاري).

ولك أن تَعِيَ هذه الكلمات فهي جَزْلةٌ في ألفاظها، عظيمةٌ في معناها، جامعةٌ لخيري الدنيا والآخرة، فيها أدب وثناء وإظهارٌ لعلم الله في الكون، وما ينفع للعبد وما يضره، وفيها طلبُ العون على تحقق الأمر، وإظهار ضعف العبد مهما بلغ من رفعةٍ لدرجاته العلمية، أو أحاط به أهل الرأي والمشورة.

ثم إن هذه الاستخارةَ ليست في تحقيق الأمر وحده في الدنيا، وإنما هي دنيا وأجر في الآخرة، وفيها دعاء للعبد إن صرفه الله عن هذا الأمر أن يُقدِّر له أمرًا خيرًا منه، وليس هذا فحسب، وإنما يرضى به أيضًا.

فيستخير على كل أمر كان، صغيرًا أم كبيرًا؛ كعملٍ، وتجارة، وزواج، ونحوها، من أمور الدنيا، والاستخارة تكون في الأمور المباحة، وتكون في المستحبات إذا تعارضا في البدء بأحدهما. أما الواجبات وأصل المستحبات والمحرمات والمكروهات كل ذلك لا يُستخار فيه.

وفقنا الله لفعل الطاعات، وجنبنا الفواحش والمنكرات.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الاستخارة فيها تعظيمٌ لله، وثناءٌ عليه، وامتثالٌ للسنة المطهرة، وتحصيلٌ لبركتها، وفيها تعلقُ القلب بربه -سبحانه وتعالى-، وتفويضُ أمرِ العبد إليه، والرضى بما قسم له في دنياه، بل فيها راحةٌ، واطمئنانُ النفس لما يقدّره الله للعبد.

وفيها دليل على ثقة الإنسان بربه، ووسيلةٌ للقرب منه، وهي تزيد العبد أجرًا بأداء الصلاة وفعل الدعاء.

والمستخير لا يَخِيبُ مسعاه أبدًا؛ لأنه استخار علاّمَ الغيوب، فيُمنح الخَيرة، ويَبْعُدُ عن الندم، وهي تختصر الوقت، والجهد، والمال، وما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.

وهي مخرجٌ من الحيرة والشك، ومدعاةٌ للطمأنينة، وراحةُ البال، بل قد يتجرع الإنسان غُصَص عملٍ لم يستخر فيه مولاه سنين طويلة، والعبد إذا أدى الاستخارة فالقلب يطمئن لفعل الأمر أو تركه، أو أن يوفّق لمستشير ناصح فيدلَّه على الخير، أو يحذّرَه من الشر، فإما أن ييسر الله أمره، أو أن توضع له معوقات عن تحقيق أمره.

ويستخير العبد ربه في الأمر مرة، وإن زاد فهو أفضل؛ لأن الاستخارة دعاء، وكلما أكثر من الدعاء كان أرجى للإجابة، وبعدها يعزم على الأمر بتوكله على مولاه (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عِمرَان: 159]، ولا تتردد بعدها في أداء ما استقر الأمر إليه، فإن فساد الرأي التردُّد.

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة

فإن فساد الرأي أن تترددا

وفقنا الله وإياكم للرأي السديد، والعمل المجيد.

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.