البحث

عبارات مقترحة:

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

فتح مكة

العربية

المؤلف إسماعيل القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية - كتاب الجهاد
عناصر الخطبة
  1. أهمية فتح مكة .
  2. أسباب غزوة فتح مكة .
  3. وقائع الغزوة وأحداثها .
  4. دروس مستفادة من أحداث الغزوة .
  5. دخول الناس في دين الله أفواجًا. .

اقتباس

أعز الله به دينَه ورسولَه وجُنْدَه وحِزبَه الأمين، واستنقذ به بلدَه وبيتَه الذي جعله هدى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضَرَبت أطنابُ عِزِّه على مناكب الجَوزاء، ودخل الناسُ في دين الله أفواجًا، وأشرقت به وجه الأرض ضياءً وابتهاجًا....

الخطبة الأولى:

غزا النبي -صلى الله عليه وسلم- غزوةً هي من أهم الغزوات زمانًا ومكانًا، حيث دَكَّت معقلَ المشركين وزَلزلت عروشَهم، ولأهميتها فإنه لم يتخلف عنها أحدٌ من المهاجرين أو الأنصار، ولفضلها أنزل الله فيها أكثر من سورة في القرآن الكريم.

إنها غزوة فتح مكة، قال ابن القيم -رحمه الله- عن هذا الفتح: "أعز الله به دينَه ورسولَه وجُنْدَه وحِزبَه الأمين، واستنقذ به بلدَه وبيتَه الذي جعله هدى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضَرَبت أطنابُ عِزِّه على مناكب الجَوزاء، ودخل الناسُ في دين الله أفواجًا، وأشرقت به وجه الأرض ضياءً وابتهاجًا".

وكان سبب فتح مكة نقضُ بني بكر -حليفةِ قريش- للمعاهدة وإغارتِهم على خزاعةَ - حليفةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- وإمدادُ قريشٍ لبني بكر بالسلاح والرجال، مستغلين ظلمة الليل، وامتد القتال إلى الحرم ولم ينتهوا، فأسرع عمرُو بنُ سالم الخزاعي إلى رسول الله، وأنشد أبياتًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدها: "نُصرتَ يا عمرُو بنُ سالم"(رواه البيهقي).

علمت قريشٌ شرَّ صنيعِها حيث نقضت بذلك العهد، فأرسلت أبا سفيان للمدينة لتجديده مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن زيارته لم تفلح مع أيٍّ من الصحابة أو النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

تجهز النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر الناس بالتجهز، ولم يُسمِّ الجهة، ثم أعلمهم أنه سائر إلى مكة، استُنفرت القبائلُ حولَ المدينة، حتى بلغ قِوامُ الجيش عشرةُ آلاف مقاتل.

 وعندما تهيَّأ الجيش أرسل حاطبُ بنُ أبي بلتعة -رضي الله عنه- كتابًا مع امرأة إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- على إثرها عليًّا والزبيرَ والمقدادَ -رضي الله عنهم-، فأخرجته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لحاطب: "يا حاطبُ ما هذا؟" فذكر عذرًا له، فعذره النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي قصته ظهر فيها فَضْل أهل بدر -والقصة بتمامها في الصحيحين-.

خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان، من السنة الثامنة من الهجرة، ووصل مكة بعد تسع ليالٍ، وقبل وصوله لها أتاه رجل من ألد خصوم أهل الإسلام على مدى عِقدين من الزمان، إنه أخُ رسولِ الله من الرضاعة وابنُ عمه، أبو سفيانَ بنُ الحارثِ بنِ عبدِالمطلب، وابنُ عمةِ رسول الله عبُد الله بنُ أبي أمية بنِ المغيرة، فأعرض عنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- من شدة الأذى، فقالت أم سلمة -رضي الله عنها-: "لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك".

قال ابن القيم -رحمه الله-: "حَسُن إسلام أبي سفيان ويقال: ما رفع رأسه إلى رسول الله حياءً منه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وشهد له بالجنة، وقال: "أرجو أن يكون خَلَفًا من حمزة"، ولما حضرت أبا سفيان الوفاة ُ قال: لا تبكوا عليَّ فوالله ما تنطفت بخطيئة منذ أسلمت".

 أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرًا، قال العباس: "يا رسول الله! إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئًا، فقال: "من دخل دار أبا سفيان فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن"(رواه مسلم).

وأسلم في هذه الأثناء عمُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- العباسُ -رضي الله عنه-، وأمره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يحبس أبا سفيان عند مضيق الجبل حتى تمر به الجند، فلما رأى كتيبةً خضراء فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرون والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة، ثم قال: والله لقد أصبح مُلْك ابنِ أخيك اليوم عظيمًا، فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: نعم إذًا.

وعندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- والجيش إلى ممر الظهران، عيَّن القادة، وَقسّم الجيش، وكانت قريشٌ جمعت قبائلَ لحرب المسلمين، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتالهم، وسار الجيش حتى وصل الصفا، ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعلاها من جهة كداء خاشعًا: "يقرأ سورة الفتح، ويُرجِّع في قراءتها وهو على راحلته"(متفق عليه).

 وأمر بقتل أربعةٍ من الرجال وامرأتين لما لهم من أذىً وتنكيلٍ بالمسلمين، فَقَتل منهم من قتل، وهرب منهم من استأمن وأسلم.

أحلَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لخزاعة أن تثأر من بني بكر في اليوم الأول من الفتح حتى العصر، وبعدها أمر بِكَفّ السلاح وبيَّن للمسلمين حرمةَ مكة، وأنها لا تُغزى بعد الفتح، وأعلى من مكانة قريش كما في حديثه "لا يُقتلُ قرشيُّ صبرًا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة"(رواه مسلم).

قال النووي -رحمه الله-: "هذا فيه إعلامٌ بأن قريشًا يُسْلمون كلُّهم، ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده -عليه السلام- ممن حورب وقُتل صبرًا".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحجون وضُربت له قبة، وأمر بتطهير البيت الحرام بإزالة الأصنام، وشارك بيده في تكسيرها وهو يقرأ: (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ)[سَبَإ: 49]، وكذلك قولَه -سبحانه-: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الإسرَاء: 81].

وكان عددها ستين وثلاثمائة، وبداخل الكعبة صورٌ لإبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحق، وهم يستقسمون بالأزلام، ولُ-طِّخت بالزَّعفران، ولم يدخل الكعبة إلا بعد إخراجها منها، وقال: "قاتلهم الله! ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام"(رواه ابن أبي شيبة).

وعندما طُهرت الكعبة، دخلها وصلى بها ركعتين، ثم خرج، وأعطى مفتاح الكعبة لعثمانَ بنِ طلحة -رضي الله عنه- وقال له: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليومَ يومُ بِرِّ ووفاء"، وأبقى الحِجَابة في أيدي بني شيبة كما كانت في الجاهلية.

طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- بالكعبة مستلمًا الحجر الأسود، وطاف بالبيت بدون إحرام، وكان على رأسه المِغْفرُ يومَ دخل مكة، ثم لبس عمامةً سوداء، وأمر بلالاً أن يؤذن على ظهر الكعبة.

أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدها بعوثًا إلى المناطق المختلفة، لإزالة أكبر الأصنام التي بها - كالعزى، ومناة، وسواع - وهي التي ذكرها الله في قوله: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاََّّتَ وَالْعُزَّى)[النّجْم: 19]، اجتمع الناس لمبايعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغ من بيعة الرجال، بايع النساء، وكان يبايعهن بالكلام، وما مست يدُه يدَ امرأة أجنبية -كما في الصحيحين-.

ثم أتت القبائل مبادرين بالإسلام، لأنهم ينتظرون ماذا يؤول الأمر إليه، هل لمحمد أو لقريش، بعدها دخل الناس في دين الله أفواجًا، وأقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يومًا، خَطب بها خُطبًا بين فيها أحكامًا وأمورًا، وألغى ثاراتِ الجاهلية، وبيَّن حرمةَ مكة، وحرمةَ الصيدِ فيها، وخَلاَها، وشَجرِها، ولُقَطَتِها، وتحريمَ القتال فيها، -كما في الصحيحين-، فأصبحت مكة ُدارَ إيمان، لا هجرة منها بعد الفتح.

 قال ابن حجر -رحمه الله-: "وهذه بشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن مكةَ دارُ إسلام".

فاعرفوا لنبيكم قدره، ولصحابته فضَلهم، ولمكة منزلَتها.

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.