المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
والتفاؤل نابع من إيمان، ويقين، لأن مُصَرِّفَ الأمورِ هو اللهُ اللطيفُ بعباده، يُصرِّفها كيف شاء بعلمه وحكمته، وييسرها بإرادته ومشيئته، فيجعل بعد الخوف أمنًا، وبعد العسر يسرًا، وبعد الضيق فَرَجًا، وبعد المرض عافية.. والمتفائل يعلم أن بعد كل عسر يسرًا، وبعد كل شدة فرجًا، وبعد كل مرض عافية، فينعم بحياته، فإن تحققت وإلا لم يهتم ويغتم.
الخطبة الأولى:
الحياة بعد أَن أَهبط الله ُ آدمَ -عليه السلام- إلى الأرض حياةٌ فيها نَصَبٌ وشدة، قال -سبحانه-: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)[طه: 117].
وخلق الله الإنسان في كَبَدٍ وشدةٍ وطلبِ معيشة، والمرء في هذه الحياة يعتريه أفراحٌ، وأتراحٌ، وسعادةٌ، وبُؤسٌ، ويُسْر وعُسْر، والمخِّففُ لها ولآلامها، هديُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حُسْن التعامل معها، فقد لاقى شدةً، وأذًى، وتَسَلُّطًا من الأعداء.
وكان من هديه مع ذلك كلِّه الفأل؛ لأنه حسنُ ظَنٍّ بالله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة"(رواه مسلم).
والتفاؤل نابع من إيمان، ويقين، لأن مُصَرِّفَ الأمورِ هو اللهُ اللطيفُ بعباده، يُصرِّفها كيف شاء بعلمه وحكمته، وييسرها بإرادته ومشيئته، فيجعل بعد الخوف أمنًا، وبعد العسر يسرًا، وبعد الضيق فَرَجًا، وبعد المرض عافية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذاك إلا للمؤمن"(رواه مسلم).
فخليل الرحمن صار شيخًا كبيرًا ولم يُرزق بولد، فدفَعَه حسنُ ظنه بربه أن يدعوَه: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)[الصَّافات: 100]، فوهب الله له إسماعيلَ وإسحاق، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، ويعقوبُ -عليه السلام- فَقَدَ يوسفَ ثم ابنَه الآخرَ فقال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا)[يُوسُف: 83]، وأوصى أبناءه (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يُوسُف: 87].
وأمثلةُ الفأل في حياة رسول الله عديدة، منها:
ما قاله لخباب بنِ الأرتِّ -رضي الله عنه- وهو في أَوْجِ الشِّدة التي يلقاها من المشركين: "وليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمه"(رواه البخاري).
وفي غزوة الأحزاب يظهر الفأل جليًّا، ففي وقتٍ شديدٍ عصيب، وصفه الله بقوله: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا)[الأحزَاب: 10-11].
ومع ذلك يُبَشِّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بفتح المدائن، فحين اعترضت صخرةٌ أثناء الحفر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحُمُر الساعة، ثم ضربها الثانية فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيضَ، ثم ضرب الثالثة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء"(رواه ابن أبي شيبة)، وقد ذكر الله مقولة المنافقين حينها (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا)[الأحزَاب: 12].
بل كان متفائلاً برسل المشركين، فلما أرسلت قريشٌ سهيلَ بنَ عمرٍو إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رآه: "سَهُلَ أمرُكم".
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، أن "أباه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال ما اسمك؟ قال حَزنَ، قال: أنت سهل، قال: لا أُغير اسمًا سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد"(رواه البخاري).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "قد جُعل في غرائز الناس الإعجابُ بسماع الاسم الحسن، ومحبتِه، وميلِ نفوسهم إليه، وكذلك جُعل فيها الارتياح، والاستبشار، والسرور، باسم السلام، والفلاح، والنجاح، والتهنئة، والبشرى، والفوز، والظفر، والغُنم، والربح، والطَّيب، ونيل الأمنية، والفرح، والغوث، والعز، والغنى، وأمثالها، فإذا قَرَعت هذه الأسماءُ الأسماعَ استبشرت بها النفس، وانشرح لها الصدر، وقوي بها القلب، وإذا سمعت أضدادها، أوجب لها ضد هذا الحال، فأحزنها ذلك، وأثار لها خوفًا، وطيرة، وانكماشًا، وانقباضًا عما قُصِدَت له، وعزمت عليه، فأورث لها ذلك ضررًا في الدين ونقصًا في الإيمان".
شرح الله صدورنا ويسر أمورنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
التفاؤل من هدي سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- وهو ثقةٌ وقضاءٌ برب العالمين، يولِّد العزيمة والنشاط، ويجلب السعادة للنفس، ويُفْرح قلب المؤمن، ويُدخل السرور فيه، وفيه تقوية للعزائم، وباعثٌ للعمل، وهو حسن ظنٍّ بمولاه، وقد ورد في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي"(متفق عليه)، وفي رواية أحمد: "فليظن بي ما شاء".
والمتفائل يعلم أن بعد كل عسر يسرًا، وبعد كل شدة فرجًا، وبعد كل مرض عافية، فينعم بحياته، فإن تحققت وإلا لم يهتم ويغتم.
والعالِم بحال الحياة يعلم أنها قصيرة، فلا تُقصَّرها بالهموم والغموم، والتشاؤمِ والطيرة، فإنَّ مَن أَبْصر الحياة بالتشاؤم لن يصنع مجدًا، ولن يبني دارًا، والمؤمن الحق من يعمل بجد وإخلاص، وعزيمة وإصرار؛ وتفاؤل وتوكل، (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عِمرَان: 159].
وفَّقنا الله لحُسْن الظن به.
وصلّوا وسلّموا.