البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

تحذير العباد من الفساد والمفسدين

العربية

المؤلف الشيخ السيد مراد سلامة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. تعريف الفساد ومفهومه .
  2. ذم الفساد وعواقبه في القرآن والسنة .
  3. صفات المفسدين .
  4. من أقبح الفساد وأشنعه. .

اقتباس

ونحن اليومَ نرى بعض مَرْضَى القلوب يحضرون مجالس العلم، أو يتسمعون ندواتهم، لا للاستفادة منها، أو نشْر الخير الذي فيها؛ وإنَّما لتصيُّد كلمة حمَّالة، أو بَتْر عبارة من سياقها؛ ليُزَاد عليها بعد ذلك، ثم تُبَث وتُنْشَر على أنَّها من قول هذا العالم أو الداعية؛ كل ذلك لتشويه صورته وتجهيله وتقزيمه. ويزداد الأمر سفالةً حين يستخدم هؤلاء أسلوب التحريض، ولغة الوشاية ضدَّ أهْل العلم والاحتساب.

الخطبة الأولى:

أمة الإسلام: نعيش في ذلك اليوم الطيب الميمون مع قضية القضايا التي تشغل بال كثير من الناس إنها قضية الفساد والإفساد التي أزكمت الأنوف وأفسدت على كثير من الأخيار حياتهم.

فما هو الفساد؟ وما هي صفات المفسدين في القرآن الكريم؟ وما هي نهاية المفسدين؟ الجواب بحول الملك الوهاب: العنصر الأول: تعريف الفساد:

إخوة العقيدة: الفساد في أدق عبارة وأوضح إشارة هو: خروج الشيء عما كان عليه من الاعتدال والسلامة، قليلاً كان الخروج أو كثيرًا. والمذموم في القرآن يشمل كل ما يخالف الصلاح ويتعارض مع الشرع من قول أو فعل أو اعتقاد. قال شيخ الإسلام: "كل قول أو عمل يبغضه الله فهو من الفساد".

العنصر الثاني: ذم الفساد وأهله: أمة الحبيب الأعظم محمد -صلى الله عليه وسلم- جاء القرآن الكريم ليُصلح ما أفسدته الطبائع البشرية وغيّرته النزوات الشيطانية؛ فالقرآن الكريم كتاب إصلاح فهو مصلح لكل زمان ومكان.

لذا نرى القرآن الكريم حارب الفساد والمفسدين قال الله -تعالى-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[الأعراف: 56- 85]؛ أي لا تخربوا الدنيا بمعاصيكم, بعد أن أصلحها الله للطاعات وأصلحها الصالحون بها؛ فإن المعاصي تفسد الأرض وما عليها, وتفسد الأعمال والأرزاق, كما أن الطاعات تصلح بها أحوال الدنيا والآخرة.

قال ابن عطية في شرح الآية: "ألفاظ عامة، تتضمن كل إفساد قل أو كثر, بعد إصلاح قل أو كثر, والقصد بالنهي هو على العموم, وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكّم إلا أن يقال على وجهة المثال"(المحرر الوجيز: ص711).

وقال تعالى في خمسة مواضع من كتابه: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[في سورة البقرة: 60, والأعراف: 74, وهود: 85, والشعراء: 183, والعنكبوت: 36]، والعثي هو أشد الفساد"؛ أي: لا تُفْرِطُوا في الإفساد، ولا تُفْسِدوا دنياكم بالتمادي في المعاصي؛ فإنها تدع الديار بلاقع موحشة, وتصحب الأجسام في ظلمة موحشة, ولما كان قبح الفساد معلومًا نهي عن أعلاه تنبيها على أدناه.

عباد الله: لقد حذركم الله -تعالى- من الاستماع و الانصياع للمفسدين فقال -تعالى-: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)[الشعراء: 151، 152]؛ وهنا نهى ربنا عن إطاعة الذين غلوا في الإفساد، ودأبوا عليه لزيادة التنفير عنهم وعن فعلهم, وللتنبيه على أن أقل الفساد يجرّ إلى الإسراف فيه.

وفي هذا موعظة لأولي النُّهى الذين يتعظون بغيرهم, والنهي عن طاعتهم يستلزم النهي عن صحبتهم, وقد قال سفيان الثوري: "ليس شيء أبلغ في فساد رجل وصلاحه من صاحب"(الإبانة الكبرى: 2/478). وقال ممشاد الدينوري: "صحبة أهل الصلاح تورث في القلب الصلاح, وصحبة أهل الفساد تورث فيه الفساد"(صفة الصفوة: 4/78).

رأيت صلاح المرء يُصلح أهله

ويُعديهم داءَ الفساد إذا فسد

والمتأمل في القرآن والتاريخ يرى أن عاقبة المفسدين إلى بوار قال -تعالى-: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف: 103]؛ أي اعتبر بهلاكهم ومصيرهم، فحذّر الله من مآل المفسدين, وجعله مثالاً يتوعد به على أمثالهم.

واعلموا أن كثيرا من هؤلاء المفسدين يظنون ويزينون للناس أنهم مصلحون، وربك أعلم بمن يضل عن سبيله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)[البقرة: 1، 12]، فهؤلاء المنافقون أفسدوا أنفسهم بأعظم الفساد، وهو الكفر والنفاق، وأفسدوا الناس بالتعويق عن الإيمان والتثبيط عن الحق وتشويش أفكارهم بقلب الحقائق، وأفسدوا المجتمع بنشر العداوات وتسعير الفتن، وسعوا في الأرض الفساد حيث تولّوا الكفار وأظهروا لهم أسرار المؤمنين وأغروهم بقتالهم.

ثم زعموا أن إفسادهم هذا إصلاح، بل زعموا أنهم وحدهم هم المصلحون، فجمعوا بين فعل الفساد واعتقاده حقًّا والدعوة إليه، ولذلك أكّد الله على أنهم هم المفسدون بأبلغ أسلوب وأوثق توكيد، فليس بعد فسادهم فساد، ولكن من حمقهم لا يستشعرون ولا يستحيون من الله.

ذم الفساد أهله على لسان مصلح الثقلين محمد -صلى الله عليه وسلم-:

 أما إذا انتقلنا إلى السُّنة المطهرة فهي قرينة القرآن وهدفها الأسمى إصلاح البلاد والعباد، لذا -عباد الله- حارب النبي الفساد والمفسدين، وشنَّع عليه في غير ما موطن من سنته المطهرة تنوعت دلالات سنة النبي-صلى الله عليه وسلم- على ذم الفساد والتحذير منه ومن أهله.

ومن ذلك: وعن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- قال: قالَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "‌ما ‌ذئْبانِ ‌ضارِيَانِ ‌جائِعانِ باتا في زَريبَةِ غَنَمٍ، أغْفَلها أهْلُها، يَفْتَرِسان ويأكُلانِ؛ بَأسْرَعَ فيها فَساداً مِنْ حُبِّ المالِ والشرَفِ في دينِ المَرْءِ المسْلِمِ"(صحيح الترغيب والترهيب ٣٢٥١).

ولقد بيَّن لنا الحبيب – صلى الله عليه وسلم- أن مدار سعادة المرء في الدنيا والآخرة مبناها على صلاح القلب؛ فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ ‌فَسَدَ ‌الْجَسَدُ ‌كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"(صحيح البخاري: ٥٢).

العنصر الثالث: صفات المفسدين في القرآن الكريم:

لقد عدد القرآن الكريم صفات المفسدين في الأرض، وحذر منها؛ لأن فيها إفسادًا للأرض بعد صلاحها، نذكر منها -أيها الآباء وأيها الإخوة الأعزاء- في هذا اللقاء طرفًا منها:

الصفة الأولى: سفك الدماء:

 ومن صفاتهم أنهم لا يبالون بالدماء فأصبحت دماء الأبرياء رخيصة يستبيحونها تحت شعارات كاذبة خاطئة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 30].

وسفك الدماء والاستهتار بأرواح الأبرياء صفة من صفات الفراعنة الذين أكثروا في الأرض فسادًا (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[القصص: 4، 5].

وسفك الدماء صفة من صفات اليهود قتلت الأنبياء والأبرياء قال رب الأرض والسماء (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )[المائدة: 64].

الصفة الثانية: الاعتداء على المال العام:

عباد الله: لقد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم؛ فاستحلوا الأموال كما استحلوا الدماء، فتلك من صفات المفسدين يعتدون على المال العام إما بالسرقة أو النهب أو التزوير أو المحاباة، وكلها من صور الفساد التي تضر بالعباد والبلاد (قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ)[يوسف: 71 - 73].

الصفة الثالثة: ترويع الآمنين وزعزعت أمن البلاد والعباد:

ومن أخطر تلك الصفات التي عمت وطمت ترويع الآمنين وزعزعت أمن العباد والبلاد (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)[البقرة: 204 - 206].

لذا شرع الله -تعالى- محابة هؤلاء المفسدين فقال رب العالمين: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 33، 34].

فحرّم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تخويف المسلم وترويعه، ونهى عن إدخال الرعب عليه بأي وسيلة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "‌لَا ‌يَحِلُّ ‌لِمُسْلِمٍ ‌أَنْ ‌يُرَوِّعَ ‌مُسْلِمًا"(رواه أبو داود ٥٠٠٤، وحسنه الألباني).

ونَهى عن الإشارة بالسلاح عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "‌مَنْ ‌أَشَارَ ‌إِلَى ‌أَخِيهِ ‌بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ"(صحيح مسلم: ٢٦١٦). فهذا تحذير من الإشارة بأي آلة مؤذية قد تؤدي الإشارة بِها إلى القتل، كالسكين والآلات الأخرى الحادة، حتى لو كانت الإشارة مجرّد مزاح، وفي هذا تأكيد على حرمة المسلم.

الصفة الرابعة: قطيعة الأرحام:

ومن الفساد الاجتماعي الذي يذر المجتمع ممزقًا متحاسدًا متباغضًا: قطيعة الأرحام التي أمر رب الأنام بصلتها، قال الله -تعالى- وهو يصف المفسدين: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[البقرة: 27]؛ فالقطيعة سبب الخسران في الدنيا والآخرة، وهي أيضًا سبب اللعن والطرد من رحمة الله ودخول جهنم والعياذ بالله قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[الرعد: 25].

الصفة الخامسة: الغدر والخيانة، ومن أخس صفاتهم -عباد الله- أنهم أهل غدر وخيانة يتلونون كما تتلون الحرباء، ويلبسون للناس جلود الضأن، وقلوبهم قلوب ذئاب، فكم جرّ هؤلاء على الأمة من الويلات والنزاعات من أجل نزواتهم، قال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[البقرة: 204 - 207].

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.

أما بعد: الصفة السادسة: الصد عن سبيل الله:

ومن صفات المفسدين أنهم لا يسعون للخير ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر وإنما دأبهم الصد ومحاربة الفضيلة ونشر الرذيلة قال الله -تعالى- (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف: 86].

إلا أن هؤلاء المفسدين لا يتبعون غير هذا السبيل، ولا يحرصون إلا عليه، وما أقبح فعلهم الذي فاق كل مخالفة: (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة:217].

الصفة السابعة: تشويه صورة الحقِّ وأهله:

 أيها الأحباب: ومن أخطر صفاتهم تشويه صورة الحقِّ وأهله هذا الفِعْل له ما بعده من الأفعال؛ من جرأة السفهاء، وتسافُل الجُهلاء على أهل العلم، ودُعاة الحقِّ، وإحداث البلابل داخل المجتمع بعد ذلك.

وقال السهى للشمس: أنت ضئيلة **** وقال الدجى للصبح: لونك حائل

إذا وصف الطائي بالبخل مادر

وعير قَسّا بالفهاهة باقل

وطاولت الأرض السماء سفاهة

وفاخرت الشهب الحصى والجنادل

فيا موت زُرْ؛ إن الحياة ذميمة

ويا نفس جِدي إن دهرك هازل

وهذا أسلوب عرفناه من قُدماء المنافقين، لقد حضَر المنافقون مشاهدَ الجهاد، ولكن لم يكنْ حضورُهم لرفْعِ راية الدِّين؛ وإنَّما لزعزعة صفوف المؤمنين، وخَلخلتها من داخلها؛ قال - سبحانه - عن المنافقين: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[التوبة: 47].

ونحن اليومَ نرى بعض مَرْضَى القلوب يحضرون مجالس العلم، أو يتسمعون ندواتهم، لا للاستفادة منها، أو نشْر الخير الذي فيها؛ وإنَّما لتصيُّد كلمة حمَّالة، أو بَتْر عبارة من سياقها؛ ليُزَاد عليها بعد ذلك، ثم تُبَث وتُنْشَر على أنَّها من قول هذا العالم أو الداعية؛ كل ذلك لتشويه صورته وتجهيله وتقزيمه. ويزداد الأمر سفالةً حين يستخدم هؤلاء أسلوب التحريض، ولغة الوشاية ضدَّ أهْل العلم والاحتساب.

لقد عرفنا قديمًا غمزاتِ المنافقين ولمزاتهم ضدَّ أهل العلم من الصحابة، حين قالوا: ما رأينا مثل قرَّائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء. وها نحن اليوم نرى صوت النفاق يسلق بحدِّةٍ أهْلَ العلم، ويصفهم بالتشدُّد والرجعيَّة، والتَّزمُّت والظلاميَّة.

إن الغمزَ واللمز في العلماء ليس طعنًا في ذواتهم، بل هو طعْنٌ للعلم الذي أخذوه وورثوه من نبيِّهم -صلى الله عليه وسلم. فتشويه صورتهم، وإسقاط كلمتهم، إنَّما هو في الحقيقة إسقاط للحقِّ الذي معهم ويقولون به.

وصلوا وسلموا...