البحث

عبارات مقترحة:

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

أعظم عطايا العشر المداوَمة على العمل الصالح

العربية

المؤلف بندر بليلة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. رحلت عنا ظلال خير الأيام .
  2. من أعظم عطايا أيام العشر ضرورة الاستدامة على الطاعة .
  3. دروس وعظات من مدرسة الحج المباركة .

اقتباس

إن ميادين الطاعة رحبةٌ واسعةٌ؛ من صلاة وصيام واعتمار، وقراءة قرآن وذِكْر وصدقة، وما شرَع اللهُ فريضةً إلَّا وشرع من النافلة مثلَها؛ ليغنم العبد الأجر والثواب، ويُحسن له المنقلبَ والمآبَ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله مُجيب الداعين، مُثيب الساعين، مُعطي الطالبينَ، مُرضي الراغبينَ، مُنجد الهالكينَ، مُرشِد السالكينَ، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، مخلصًا له الدين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وخاتم النبيين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعدُ: فاتقوا لله -تعالى- وأطيعوه، وراقِبوه ولا تعصوه، واعلموا أنما إلهكم إله واحد، فاستقيموا إليه واستغفِروه.

أيها المسلمون: لقد تفيأنا فيما خلا ظلال خير الأيام؛ أيام عشر ذي الحجة وأيام الحج المباركات، لقد لملمت رحالها ومضت، وطوَتْ خيامَها وتولَّت، بعد أن أتحفَتْنا بالنعم الكريمة، والرحمات العظيمة، وحمَّلناها ما عملنا فيها من الأعمال، فهنيئًا لمن فاز فيها ونُعمى، وتعسًا لمن حُرم فيها وبؤسًا.

ألَا وإن من أعظم ما ينبغي أن يظفَر به المسلم من ثمار تلك الأيام الجليلة وآثارها استدامة الأعمال الصالحة، فما أجمل الطاعة تعقبها الطاعات، وما أحسن الحسنة تتلوها الحسنات، وما أروع تتابُع أعمال البر منتظمةَ الأطراف، متتابعةَ الحلقات؛ إنها الباقيات الصالحات؛ (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[الْكَهْفِ: 46]، (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا)[مَرْيَمَ: 76]، وإن استدامة الطاعة ومواصَلة العبادة أمارة الخير، ومئنَّة التوفيق، ودلالة القَبول، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[النِّسَاءِ: 66-68].

عبادَ اللهِ: إن سبيل الهدى لا يتحدَّد بزمان، وإن عبادة الله ليست قصرًا على بقعة أو حصرًا على مكان، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلًا دون الموت، ثم قرأ: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 99]، إن ميادين الطاعة رحبةٌ واسعةٌ؛ من صلاة وصيام واعتمار، وقراءة قرآن وذِكْر وصدقة، وما شرَع اللهُ فريضةً إلَّا وشرع من النافلة مثلَها؛ ليغنم العبد الأجر والثواب، ويُحسن له المنقلبَ والمآبَ، قال صلى الله عليه وسلم: "قال الله -تعالى-: "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، وإن استعاذني لأعيذنَّه".

وإن المداومة على العمل الصالح ولو كان يسيرًا خير من عمل كثير منقطع؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ قال: أدومُه وإن قلَّ"(أخرجه البخاري ومسلم).

وسأل علقمة عائشة -رضي الله عنها- فقال: "يا أم المؤمنين، كيف كان عمل رسول الله؟ هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمةً، وأيُّكم يستطيع ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستطيع؟!"(أخرجه البخاري ومسلم)، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "الأَولى في العبادة القصد والملازَمة، لا المبالَغة المفضية إلى التَّرْك، كما جاء في الحديث الآخَر: "المنبتُّ -أي: المجدّ في السير- لا أرضًا قطَع ولا ظهرًا أبقى" انتهى كلامه -رحمه الله-.

اللهم وفِّقنا لفعل الخيرات، واجتناب السيئات، وتوفَّنا وأنتَ راضٍ عنا، وبارك اللهم لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتُم، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تُنال البركات، وصلى الله وسلم على أشرف البريَّات، وعلى آله وأصحابه ذوي الفضائل والمكرُمات، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم نشر المخلوقات.

أما بعد، فيا أيها المؤمنون، ويا أيها الحجاج المبارَكون: لقد خرجتُم من مدرسة الحج بأنفع الدروس وأزكاها، ونهلتُم من معينه أهنأَ المشارب وأرواها، لقد رأيتُم قيام هذه الشريعة الجليلة على التوحيد، فلا يُعبَد إلا الله وحدَه، ولا يدعى غيره، ولا يطاف ويُنحر إلى له -جل جلاله-، لقد ربَّاكم الحج على الصبر على الطاعات، وكبح النفس عن الوقوع في حمأة الهوى، والانزلاق في مكائد الشيطان، إنكم مأمورون إثرَ ذلك بالمداوَمة على الصالحات، والاستقامة على المأمورات، والبعد عن المحظورات، قال تعالى مخاطِبًا نبيَّه -عليه الصلاة والسلام-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)[هُودٍ: 112]، وعن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- قال: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدَكَ. قال: قل: آمنتُ بالله ثم اسْتَقِمْ"، وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استقيموا ولن تُحصُوا"(أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".

عبادَ اللهِ: سلوا الله القبول والرضا، وارجوه السداد والهدى، قال عليه الصلاة والسلام لعلي -رضي الله عنه-: "قل: اللهم اهدني وسدِّدني، واذكُر بالهدى هدايتَكَ الطريقَ، والسداد سداد السهم"(أخرجه مسلم).

هذا وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله، رسول الله، اللهم صلِّ وسلمِّ وبارِكْ عليه، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القرار، وعنا معهم بمنك وكرمك يا كريم يا غفار.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحِّدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كربَ المكروبينَ، واقضِ الدينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم ما سألناكَ من خير فأعطِنا، وما لم نسألك فابتدِئنا، وما قَصُرَتْ عنه آمالُنا وأعمالُنا من خيرَي الدنيا والآخرة فبلِّغنا.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، يا رب العالمين، اللهم سدِّد جندنا المرابطين في الحدود والثغور، كن لهم معينًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا ونصيرًا، اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23].

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه وفضله وآلائه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].