السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | تركي بن علي الميمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
والجِيْلُ الجَدِيد، بِحَاجَةٍ إِلى تَقْوِيَةِ صِلَتِهِ بالقُدُوَاتِ الجَادَّة، مِنْ عُظَمَاءِ الإِسْلَام، وَأَبْطَالِهِ العِظَام: مِنَ الصّحَابَةِ والتَّابِعِين؛ والعُلَمَاءِ العَامِلِين، والزُّهَّادِ العَابِدِيْن، والتُّجَّارِ البَاذِلِيْن، والقَادَةِ الفَاتِحِيْن؛ فَهِيَ تَشْحَذُ هِمَّتَهُمْ، وتُقَوِّي عَزِيْمَتَهُمْ؛ حَتَّى يَكُوْنُوا أَعِزَّةً بالإِسْلَام...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
أَمَّا بَعْد: فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ طُرُقِ التَّرْبِيَةِ والتَّأْثِير، وَأَوْقَعِهَا في نُفُوسِ الكَثِير: القُدْوَة الصَّالِحَة! حِيْنَ يَرَوْنَ نَمُوْذَجًا لِلْمَبَادِئِ الصَّالِحَة؛ تُتَرْجَمُ في أَفْعَالٍ وَاقِعَة!
وَتَمْتَدُّ آثَارُ هَذِهِ القُدْوَةِ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهَا! قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ)[يس: 12]. قال ابنُ كَثِير: "إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ تُكْتَبُ؛ فَلَأَنْ تُكْتَبَ تِلْكَ الَّتِي فِيهَا قُدْوَةٌ بِهِمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى".
والقُدْوَةُ الصَّالِحَة؛ مَطْلَبُ الهِمَمِ العَالِيَة، فَمِنْ دُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ عليهِ السَّلَام: (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)[الشعراء: 84]. قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: "أَيْ: وَاجْعَلْ لِي ذِكْرًا جَمِيلًا بَعْدِي: أُذْكَرُ بِهِ، وَيُقْتَدَى بِي فِي الْخَيْرِ".
وَمِنْ دُعَاءِ عِبَادِ الرَّحْمَن: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان:74]؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِنَا فِي الخَيْر".
والقُدْوَةُ في الدِّيْن؛ لا تَتِمُّ إلا بِالصَّبْرِ واليَقِين؛ كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السجدة:24].
والأَنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلام؛ هُمْ قُدْوَةُ الأَنَام! (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)[الأنعام:90].
والكَمَالُ البَشَرِيّ؛ يَتَجَسَّدُ في قُدْوَةِ البَشَر مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَهُوَ مَلِكُ الأَخْلاق، وَسَيّدُ الأَنام! قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب:21].
ولا يَخْلُوْ عَصْرٌ مِنَ العُصُور؛ مِنْ قُدُوَاتٍ مُحَمَّدِيَّةٍ؛ تَقْتَفِي نَهْجَهُ وَمَنْهَجَه! قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي، قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ"(رواه مسلم).
وَإِذَا غَابَتِ القُدُوَاتُ الصَّالِحَة؛ ظَهَرَتِ القُدُوَاتُ السّيْئَة، مِنَ المُتَعالِمِيْنَ والتَّافِهِيْن! قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا"(رواه البخاري ومسلم).
وَمَنْ كانَ قُدْوَةً في الخَيْرِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مَن اقْتَدَى بِهِ، وَمَنْ كانَ قُدْوَةً في الشَّرّ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُ مَنِ اقْتَدَى بِهِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً؛ فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ؛ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ؛ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا"(رواه مسلم).
والقُدْوَةُ السّيّئَة تُهْلِكُ أَتْبَاعَهَا! وَمِنْ ذلكَ قَوْلُ المُشْرِكِيْن: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)[الزخرف:23].
والمُجَاهِرُ بِالمَعْصِيَة؛ قُدْوَةٌ سَيّئَة! ويَتَحَمَّلُ وِزْرَ مَنِ اقْتَدَى بِه؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ"(رواه البخاري ومسلم).
والمَرْءُ يَقْتَدِي بِصَاحِبِهِ لا مَحَالَة! قال -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ"(رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه).
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ | فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي |
والجِيْلُ الجَدِيد، بِحَاجَةٍ إِلى تَقْوِيَةِ صِلَتِهِ بالقُدُوَاتِ الجَادَّة، مِنْ عُظَمَاءِ الإِسْلَام، وَأَبْطَالِهِ العِظَام: مِنَ الصّحَابَةِ والتَّابِعِين؛ والعُلَمَاءِ العَامِلِين، والزُّهَّادِ العَابِدِيْن، والتُّجَّارِ البَاذِلِيْن، والقَادَةِ الفَاتِحِيْن؛ فَهِيَ تَشْحَذُ هِمَّتَهُمْ، وتُقَوِّي عَزِيْمَتَهُمْ؛ حَتَّى يَكُوْنُوا أَعِزَّةً بالإِسْلَام، قُدْوَةً لِلْأَنَام!
قالَ مَالِكُ بْنُ أَنَس: "كَانَ السَّلَفُ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَمَا يُعَلِّمُونَ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ!".
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
عِبَادَ الله: القُدْوَةُ بِالأَفْعَالِ؛ أَبْلَغُ مِن الأَقْوَال! فَكُنْ قُدْوَةً حَسَنَةً لِوَلَدِك؛ وَمَنْ تَحْتَ يَدِك، قالَ ابنُ الجَوْزِي: "يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ ألَّا يَرَى مِنْه ابْنُهُ مَعْصِيَةً قطُّ؛ فَإِنَّهُ يُؤْذِيهِ بِكَشْفِهَا، ويَزْرَعُ ذلكَ في قَلْبِه!".
والقُدُوَاتُ الصَّالِحَة تُوَازِي الجُيُوْشَ الفَاتِحَة! فَقَدْ دَخَلَتْ دُوَلُ شَرْقِ آسِيَا في الإِسْلام، على يَدِ التُّجَّارِ المُسْلِمِين؛ بِسَبَبِ أَمَانَتِهِمْ وأَخْلَاقِهِم! (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آلعمران:110]