الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
هباته تتابعت، ونعمه تكاثرت، وفاض كرمه وزاد بره، وكثر خيره.. الوهاب هو اللَّه وحده فكل من يهب شيئًا من الخلق إنما يهب من هبات اللَّه له، فلا بد أن يهبه اللَّه ليَهَب، وأن يُعطيَه اللَّه ليُعطي.. يغفر الذنوب، ويفرّج الكروب، ويغني الفقير، ويشفي المريض، ويسلّي الصابر، ويزيد الشاكر، ويقبل التائب، ويجزي المحسن، ويعطي المحروم، وينصر المظلوم. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع...
الخطبة الأولى:
من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى الوهاب، وهو على وزن الفعَّال للمبالغة، ومعناه: كثير الهبات والعطايا.
فالله -عز وجل- هو الوهَّابُ يَهَبُ لعباده واحدٍ بعد واحدٍ، ويعطيهم تفضلاً وابتداءً من غير استحقاق ولا مكافأة. وهو -سبحانه- الذي يُكثر العطاء بلا عِوَض، ويهب ما يشاء لمن يشاء، ويعطي الحاجة بغير سؤال.
قال ابن القيم -رحمه الله-:
وكذلك الوهَّابُ من أسمائه | فانظر مواهبه مدى الأزمان |
أهل السماواتِ العُلَى والأرضِ | عن تلك المواهب ليس ينفكان |
فالله واهب النعم للخلائق لا وهَّاب لها غيره، ولا رازق لها سواه، ولا معطي غيره؛ قال -تعالى-: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[النمل:60-64].
وهبات الله لخلقه كثرة ومتعددة ومتنوعة ومختلفة، فما من مخلوق أُعطي رزقًا إلا والله المعطي، وما من عبدٍ وُهِبَ نعمة إلا والله الوهاب.
هباته كثيرة، وعطاياه عديدة، فوهب -سبحانه- النبوة لمن شاء من عباده واختار: قال -سبحانه- عن موسى -عليه السلام-: (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ)[الشعراء:21]. وأخبر عن إسحاق ويعقوب -عليهما السلام- فقال: (وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا)[مريم:49].
ويهب -سبحانه- الولد الصالح قال -تعالى- عن نبيه إبراهيم -عليه السلام-: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً)[الأنبياء:72]. وقال -عز وجل- عن داود -عليه السلام-: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص:30]. وقال -جل وعلا- عن زكريا: (وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى)[الأنبياء:90].
وقد يجمع اللَّه -عز وجل- كلا الهبتين من الذكور والإناث لمن شاء، قال -تعالى-: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)[الشورى:49-50].
ومن هبات الله للرجال أن يهب لهم زوجة صالحة؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان:74]. والأهل هبة من هبات الله قال -تعالى- عن أيوب -عليه السلام-: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا)[ص:43].
والأخ الصالح هبة: قال -تعالى- عن موسى حين أرسل معه أخاه هارون: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا)[مريم: 53].
والأخلاق الطيبة هبة قال -عز وجل- عن هباته لبعض الأنبياء والرسل -عليهم السلام-: (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)[مريم:50].
هباته تتابعت، ونعمه تكاثرت، وفاض كرمه وزاد بره، وكثر خيره.
الخطبة الثانية
الوهاب هو اللَّه وحده فكل من يهب شيئًا من الخلق إنما يهب من هبات اللَّه له، فلا بد أن يهبه اللَّه ليَهَب، وأن يُعطيَه اللَّه ليُعطي قال -تعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النحل:53].
يغفر الذنوب، ويفرّج الكروب، ويغني الفقير، ويشفي المريض، ويسلّي الصابر، ويزيد الشاكر، ويقبل التائب، ويجزي المحسن، ويعطي المحروم، وينصر المظلوم. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا قابض لما بسط، ولا باسط لما قبض.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر، كما جاء في الحديث المروي "إنَّ مِن عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لفسد دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد دينه".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "قد يكون الفقر لبعض الناس أنفع من الغنى، والغنى أنفع لآخرين كما تكون الصحة لبعضهم أنفع".
ما أعطاك من النعيم، فبفضله وما منعك فبعدله.
ما للعباد عليه حق واجب | كلا ولا سعى لديه ضائع |
إن نُعِّموا فبفضله أو عُذِّبوا | فبعدله وهو الكريم الواسع |
فاحمد الله على ما وهبك الله من هبات، كما قال خليل الرحمن -عليه السلام- حين وهبه اللَّه ولديه إسماعيل وإسحاق -عليهما السلام- (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)[إبراهيم:39]. والزم الدعاء كما دعاء إبراهيم -عليه السلام- ربه الحكم والصلاح: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[الشعراء:83].
وجُد على عباد الله كما جاد الله عليك، وأحسن لهم كما أحسن الله إليك.
وصلوا وسلموا....