البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | د يوسف بن عبدالله العليوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
وأعداء الدين تغيظهم شعائر الله الظاهرة، التي تدل على أهل الإسلام وقوتهم واعتزازهم بدينهم، من الأذان والمساجد والصلاة جماعة فيها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحجاب، وغيرها، فيحرصون أشد الحرص على زوالها، بالطرق الخبيثة والأساليب الماكرة...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله العظيم في خلقه وملكه، الحكيم في أمره وشرعه وحكمه، له العظمة القاهرة، والحكمة الباهرة، أحمده -سبحانه- وأُعَظِّمه, وهو للحمد والتعظيم أهل, فسبحانه ما أعظمه! وسبحانه ما أحكمه!.
والصلاة والسلام على من أرسله الله بالشريعة الحقة والرسالة الخاتمة، لا خَيرَ إلا دَلَّ الأمّةَ عليه، ولا شرَّ إلا حذّرها منه؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128].
أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
عباد الله: لو أنّ كلَّ واحد منكم كان له على شخص أياد من الفضل والإنعام، أغدق عليه من ماله بعد فقر، وأطعمه بعد جوع، وآواه بعد أن كان طريدا، وأمّنه بعد أن كان خائفا، وحفظه ورعاه, ماذا يتوقع منه؟, ماذا يتوقع منه سوى أن يحمدَه ويشكرَه، ويعظِّمَ شأنَه ويقدّرَه، يستجيب له في كل طلب، ويسعى له بكل جميل, ولو كان غير ذلك لَعَدَّه من اللئام الذين قال فيهم الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته | وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا |
إذا كان هذا في شأن البشر؛ فما بالكم برب البشر؟! الذي خلقهم من العدم، وأسبغ عليهم من النعم؛ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[إبراهيم: 34].
إن الله -جل جلاله- بما أنعم علينا هو أحق بالتعظيم والتوقير والإجلال، قال نوح -عليه السلام- لقومه الذي أعرضوا واستكبروا: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا)[نوح: 13 - 20].
(مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)؛ أي: ما لكم لا تعاملون الله -جل جلاله- معاملة من توقرونه، ولا تعظمونه حق تعظيمه؛ فتعبدونه حق عبادته.
فإن تعظيم الله -جل جلاله- أعظم داع إلى عبوديته وتقواه؛ بل هو حقيقة عبوديته والإيمان به؛ فإن العبد يحب كل محبوب، ولكنه يحب الله -جل جلاله- تعظيمًا له، ويخاف العبد من كل مخوف، ولكنه يخاف الله تعظيمًا له، ويقبل على طاعة الله تعظيمًا له.
وإذا ذهب تعظيم الله من القلوب زال الإيمان، وحصل الخسران؛ (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ)[الحاقة: 25 - 33].
عباد الله: ألا وإن من مظاهر تعظيمه -جل جلاله- تعظيم شعائره وأحكامه، قال الله -جل جلاله-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الحج: 30], والحرمات: هي كل ما له حُرْمة أو يجب احترامه, مما أوصى الله بتعظيم أمره, وكذلك الشعائر: هي أوامر الله وفرائضه وأعلام دينه الظاهرة، والأزمان والأماكن الفاضلة.
وما من يوم إلا ونحن نصبح ونمسي على شعائر الله وحرماته؛ فالقرآن من شعائر الله، والذكر من شعائر الله، والأذان من شعائر الله، والصلاة من شعائر الله، والمساجد والأماكن الفاضلة من شعائر الله، والجمعة ورمضان والحج, والأزمان الفاضلة من شعائر الله.
وتعظيم شعائر الله وأحكامه يكون باحترامها وإجلالها, والقيام بها وإظهارها والدعوة إليها، بلا غلو ولا ابتداع.
وعلى قدر تعظيم العبد لشعائر الله يكون قدر التقوى في قلبه؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32], وهذا معيار قرآني دقيق؛ فإن من لا يعظم شعائر الله لا يتقي الله.
وهل يكون متقيًا لله حق التقوى من لا يعظم شعيرة الصلاة، فيتهاون بها، أو لا يصليها مع الجماعة في المساجد التي هي أيضًا من شعائر الله؟!.
كيف يكون متقيا لله من يسمع المؤذن يقول: "قد قامت الصلاة, قد قامت الصلاة"، وهو منغمس في لهوه؟! أو يفتح محله للبيع والشراء، ويترك أبواب رحمة الله؟!.
وهل يكون متقيًا لله ومعظمًا لشعائره مَنْ يسخر مِن الذين يقيمون شعائر الله؟! وهل يكون متقيًا لله ومعظمًا لشعائره مَنْ يستبدل بها شعائر البدعة والمبتدعة؟! وهل يكون متقيًا لله ومعظمًا لشعائره مَنْ يعلي في مقابلها مِن شعائر الشيطان وأوليائه؟!.
وهل يكون معظمًا لكلام الله من يهجره, فلا يتلوه أو لا يتحاكم إليه، أو يتأوله بالتأويلات الباطلة التي توافق هواه؟!.
وهل يكون معظمًا لأحكام الله وشعائره من يستبدل بها أحكام البشر وقوانينهم؟! أو يتعامل معها وكأنها آراء تعرض للنقاش والأخذ والرد؟! أو يقابلها بالآراء الشاذة والأقوال الضعيفة؟!؛ (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[النور: 51], (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[الأحزاب: 36], نعوذ بالله من العصيان والضلال المبين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبسنة سيد المرسلين, أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله, والصلاة والسلام على من أرسله الله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
عباد الله: إن الدين ليس مجرد علاقة روحية بين العبد وربه؛ بل هو أحوال باطنة، وشعائر ظاهرة.
وكلما قوي الإيمان وغلبت التقوى في القلوب ظهرت شعائر الدين، ولا يعرف المسلم ولا بلاد الإسلام إلا بإظهار الشعائر؛ كما في الحديث المتفق عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغزو قومًا؛ "كَانَ يُغِيرُ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ، فَكَانَ يَسْتَمِعُ؛ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلاَّ أَغَارَ".
وأعداء الدين تغيظهم شعائر الله الظاهرة، التي تدل على أهل الإسلام وقوتهم واعتزازهم بدينهم، من الأذان والمساجد والصلاة جماعة فيها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحجاب، وغيرها، فيحرصون أشد الحرص على زوالها، بالطرق الخبيثة والأساليب الماكرة، كفانا الله شرهم، ووقانا مكرهم.
ألا فاتقوا الله -عباد الله-, وعظّموا ربكم بتعظيم شعائره وأحكامه، وربّوا أولادكم على تعظيمها؛ فإنه الفلاح في الدنيا والآخرة؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الحج: 30].
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله, فإنه من صلى عليه صلاة واحدة؛ صلى الله عليه بها عشرا, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله الطاهرين، وخلفائه الراشدين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين, اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة، واجعلهم نصرة للإسلام والمسلمين, اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا قوي يا عزيز.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.