الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
العربية
المؤلف | محمد أحمد حسين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - السيرة النبوية |
إنَّها الأمانةُ مع الله، وإنَّه العهدُ مع الله، أن نكون المرابِطينَ والسدنةَ الأوفياءَ للأقصى والمقدَّسات، ولعقاراتنا وأرضنا ما حَيِينا في هذه الديار المبارَكة، فاحرصوا -أيها المؤمنون- على شدِّ الرحالِ إلى المسجد الأقصى، واحرصوا على عقاراتكم وأرضكم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، جعل رسالةَ محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمةً، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 107]، وجعَل هجرتَه نصرًا وعزًّا، وقال تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التَّوْبَةِ: 40]، وجعَل عودتَه إلى دياره فتحًا وعزًّا، فقال تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)[النَّصْرِ: 1]، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا، وشفيعنا وقدوتنا، محمد عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامينِ، ومَنْ سار على دربهم، واقتفى أثرَهم، واستنَّ سُنَّتَهم إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام على الشهداء، والأسرى والمعتقَلين، والجرحى والمكلومين، والمرابِطين الساجدين الراكعين، في المسجد الأقصى المبارك، وفي دنيا المسلمين.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أيها المرابطون في المسجد الأقصى المبارك، يا من تَعمُرونه بالإيمان والطاعة، وأعمال الخير كافةً: إنها سنة نجاح أبنائنا الطلبة، نهنئهم ونُبارِك لهم نجاحَهم في الثانوية العامة، ونهنِّئ أبناءَ شعبنا في هذه الديار المبارَكة، بنجاح فلذات أكبادهم، سائلينَ المولى -عز وجل-، أن يوفِّقهم لِمَا فيه خير هذه البلاد، وخير مهدهم وأمتهم.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: دروس وعِبَر كثيرة في هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، نأخذ منها درسًا هامًّا ومهمًّا في هذه الظروف؛ ألَا وهو درس المحافَظة على العهد والثبات، العهد الذي قطَعه رسولُنا الأكرمُ، -صلى الله عليه وسلم-، والأمانة التي حملها في دعوته الكريمة الشريفة، وأن يُبلِّغها للعالَمين جميعًا، فقد حرص -عليه الصلاة والسلام- على هذه الأمانة، يوم أن عُرضت عليه الرئاسة والسياسة والمال، فقال كلمتَه المشهورة: "واللهِ يا عمَّاهُ لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركتُه، أو أهلك دونَه".
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وقد مدَح اللهُ -تعالى- المحافظينَ على الأمانة، والراعينَ لعهودهم، فقال -جل شأنه-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 8]، ومن الأمانات -أيها المسلمون- أن نحافظ على عباداتنا وطاعاتنا، وعقاراتنا وأرضنا التي باركها الله -تعالى-، ففي هذه الأرض المباركة؛ أرض الإسراء والمعراج، التي كانت وما زالت محط أنظار المؤمنين في هذا العالم، ومهوى أفئدة المسلمين فيه، إنها قبلتنا الأولى، وهي ديار الإسراء والمعراج، وهي الأرض التي روَّى الصحابةُ الكرامُ، والشهداءُ الأبرارُ ترابَها بدمائهم الطاهرة، نعم أيها المسلمون، إنها أرضكم، أرض الإسراء والمسلمين، فحافِظوا عليها، ولا تُفرِّطوا في ذرة تراب منها، نعم حافِظوا على عقاراتكم، ومحلاتكم التجارية، وكل ما في هذه المدينة المقدَّسة، وفي أكنافها من عقارات وأرض تخصُّ المسلمينَ جميعًا.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: وقد صدرت فتاوى كثيرة، نؤكدها اليوم وغدًا وفي كل حين، تمنع المسلم وتُحرم عليه أن يفرِّط بأرضه وعقاراته، وأن يحافظ عليها؛ لأنها أرض الآباء والأجداد، وكل منكم يلفظ أولئك المأجورين، أولئك الخونة والمتآمرين على هذه الديار المبارَكة، نعم يلفظون أولئك الذين كانوا يتمسَّكون يومًا ما بأروقة المسجد الأقصى المبارَك، وخرجوا هاربينَ مقهورينَ أذلَّة، بعدَ أن فرَّطوا في أرضهم وعقاراتهم.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنَّها الأمانةُ مع الله، وإنَّه العهدُ مع الله، أن نكون المرابِطينَ والسدنةَ الأوفياءَ للأقصى والمقدَّسات، ولعقاراتنا وأرضنا ما حَيِينا في هذه الديار المبارَكة، فاحرصوا -أيها المؤمنون- على شدِّ الرحالِ إلى المسجد الأقصى، واحرصوا على عقاراتكم وأرضكم، حافِظوا عليها حتى تلقَّوْا ربَّكم بوجوهٍ مشرقةٍ مؤمنةٍ، وبأيادٍ متوضئة طاهرة، تحافظ على عزِّ الإسلام والمسلمينَ، وعلى حقها في ديارها المباركة المقدسة، جاء في الحديث الشريف: "لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فيا فوزَ المستغفرينَ، استغفِروا اللهَ وادعوا اللهَ وأنتم مُوقِنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي لا نبي بعده، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله ورضوانه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وشفيعنا، محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المؤمنين.
وبعد أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: المسجد الأقصى المبارك، مسرى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعراجه إلى السموات العلا، تَعرَّض ويتعرَّض في الآونة القصيرة إلى اقتحامات وصلَت إلى حد استباحة هذا المبارك، هذا المسجد الذي يمثل جزءًا من عقيدة كل مسلم في هذا العالَم، لا تنسون جميعًا ما حصل في الثامن عشر من شهر تموز المنصرم، يوم استباحت جماعات المستوطنين، وبحماية سلطات الاحتلال المسجد الأقصى المبارك، يعرضون ويقيمون الطقوس الدينية في حماية مكثفة، من جيش الاحتلال وجنوده، إن هذا أيها المسلمون، أيها المرابطون، مهما كان مؤلِمًا، لن يغير من واقع وحقيقة المسجد الأقصى المبارك، فهو مسجد المسلمين وحدهم، لا يشاركهم فيه أحد، وهو مسجد لعبادة المسلمين فيه إلى يوم الدين، وهو مسجد يستباح ويفتديه المسلمون بالمُهَج والأرواح وخاصةً أنتم يا سدنة المسجد الأقصى وحُرَّاسُه، نعم أنتم الذين بشَّرَكم رسولُنا الأكرمُ بأنكم الذرية التي تغدو إلى هذا المسجد وتروح، حافِظوا على هذا الغُدُوِّ والرواحِ، حافِظوا على إعمار المسجد الأقصى المبارك، في جميع الأوقات والأحوال، حافِظوا على صمودكم ونضالكم وتمسُّكِكم بقدسكم وما حولَها، بأرضكم وعقاراتها، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، الفظوا من بينكم أولئك المتاجرين بعقارات القدس، وبأرضها وبأحيائها، واصِلوا الرباط والثبات في أحياء القدس، في الشيخ جراح، في بطن الهوى، في كل أحياء سلوان، والبلدة القديمة، والشيخ جراح، وكل الأحياء المقدسية المسلمة، في هذه الديار المقدسة؛ لأنها ديار الإسراء والمعراج، ولا يغرنكم تقلُّب الذين كفروا في البلاد، ولا يغرنكم تمسك المتمسكين بأروقة المسجد الأقصى وهم يتواطؤون على عقارات القدس ومقدساتها، كونوا معا الأوفياء، والأتقياء، والمرابطين حق الرباط، إلى أن يقضي الله بأمره، والله -سبحانه- وعد المؤمنين الصادقين بنصره، ووعد المؤمنين الصادقين بتأييده ونصره، ووعد الكافرين وتوعدهم بخزيه وقهره.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: إنها ذكرى الهجرة المشرفة، التي تعطينا الدروس والدروس، كي ننهج منهاج رسولنا الأكرم، ونسير على هديه وسنته، وسنة المهديين الراشدين من بعده، حتى نبقى إن شاء الله الفئة الموعودة بالنصر، لا يضرهم مَنْ خالَفَهم أو خذَلَهم حتى يأتيهم نصر الله وهم كذلك.
اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيِّئ لنا وللمسلمينَ فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يوحِّد صفَّنا، ويجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، اللهم احفظ المسجد الأقصى بعين حمايتك، اكلأه بعين رعايتك، واكلأنا يا ربَّ العالمينَ، واحفظنا راكعينَ وساجدينَ، يا ربَّ العالمينَ.
وأنتَ يا مقيمَ الصلاة أقمِ الصلاةَ.