الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - صلاة العيدين - |
إنها أيام تشبه أيام رمضان، مباركة وتمر سريعًا، فلنغتنمها بما استطعنا، ومن الأعمال الفاضلة التي ينبغي للعبد الإتيان بها في هذه الأيام، بعد قيامه لفرائضه وواجباته، ذِكر الله، وأعلى الذكر كلام الله، فاجعل لك نصيبًا من كتاب ربك، قراءة وتدبرًا، ثم ذكر الله بما ورد عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأفضله في هذه الأيام التكبير، فأيّ لفظ كبرت أجزأ....
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: إن لله -تعالى- أزمانًا فاضلة، ومواسم مباركة، جعلها مضمارًا للخير، يجني فيها المؤمنون الحسنات الكثيرة، ويكفّرون السيئات والذنوب العظيمة، هي منحة إلهية، ورحمة ربانية لعباده؛ كي يتداركوا أمرهم، ويُصلحوا ما فرط من أخطائهم، ويطهّروا قلوبهم، فما أعظمها من منحة!.
ولذا يجب على المرء ألَّا يفرّط فيها؛ فهي عشرة أيام فقط، ولكنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ". قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ، قَالَ: "وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".
فأيّ عمل تقوم به في هذه العشر هو أفضل مما لو عملت به في يوم غيرها حتى أيام رمضان، فمن تصدّق بصدقة في هذه العشر، فهي أفضل من الصدقة في شهر رمضان، فما ظنكم بهذا الفضل العظيم؟!
ووالله إن القيام بالخير في هذه العشر، هو محض فضل من الله يمنّ به على من يشاء من عباده، كما يصرف عنه آخرون، وما أصاب عبد من التوفيق إلا بدعائه لله وطلبه الخير، كما كان -صلى الله عليه وسلم- يفعل، فيسأل ربه أن يوفّقه لفعل الخيرات، وأن يُعينه على العبادة والذكر، ولا يكون هذا إلا بترك المعاصي التي تحرم التوفيق للخيرات، فالعبد يسأل ربه الإعانة والتوفيق ويترك الذنوب والمعاصي، عندئذ يهبه الله التوفيق ويثبته عليه، فمن دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اهدني وسدِّدني".
معاشر المسلمين: ما أشبه اليوم بالبارحة!، إنها أيام تشبه أيام رمضان، مباركة وتمر سريعًا، فلنغتنمها بما استطعنا، ومن الأعمال الفاضلة التي ينبغي للعبد الإتيان بها في هذه الأيام، بعد قيامه لفرائضه وواجباته، ذِكر الله، وأعلى الذكر كلام الله، فاجعل لك نصيبًا من كتاب ربك، قراءة وتدبرًا، ثم ذكر الله بما ورد عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأفضله في هذه الأيام التكبير، فأيّ لفظ كبرت أجزأ، لما رواه الطبراني من حديث ابن عمر مرفوعًا "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
ومن الأعمال الصالحة كذلك وهي مما يختص به هذه الأيام، الأضحية، كما قال -تعالى- (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر:2]، وقوله: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)[الحج:36]، وقد ضحَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- وضحَّى أصحابه، وعبادة النحر وإهراق الدم لله عبادة عظيمة، ولهذا من صرفها لغير الله فقد أشرك وخرج من الملة.
وعُدّ يوم النحر أفضل أيام النحر؛ لكثرة ما يُرَاق فيه من الدماء لله. فمن كان قادرًا على الأضحية فلا ينبغي له أن يتركها، وهي سُنة وليست بواجبة، بل قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "من لم يكن عنده قيمة الأضحية ويرجو سدادًا، فلا بأس أن يقترض ويضحي".
وعليه أن يمسك عن شعره وظفره وبشرته، حتى يضحّي؛ لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره"، وفي لفظ: "فلا يمس من شعره ولا بشره شيئًا حتى يضحي"، ومن أخذ جاهلاً أو ناسيًا فلا شيء عليه، ومن أخذ متعمدًا فليتب إلى الله وليمسك فيما بقي، وبهذا أفتى شيخنا ابن باز -قدس الله روحه-.
وليتخير من الأضاحي ما كان أنفع للفقراء، وليذبحها بنفسه إن استطاع، وإن لم يستطع فليشهد ذبحها، وليأكل منها وليتصدق، كما فعل -صلى الله عليه وسلم-.
ووقت الذبح من بعد صلاة العيد ويمتد على الصحيح إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
والسنة لمن أراد أن يضحي ألَّا يأكل شيئًا بعد الفجر حتى يصلي، ثم يأكل من أضحيته. كما يجوز لمن كان عنده أضاحٍ كثيرة كالوصايا ونحوها، أن يرسل بها للبلاد المنكوبة التي فيها من المجاعة ما الله به عليم عن طريق الثقات الرسميين، فهم في حاجة ماسَّة لا يرون اللحم ولا يعرفونه. وبهذا أفتى شيخنا ابن باز -قدس الله روحه-.
ولتكن أضحيتك خالية من العيوب التي تمنع من إجزائها، كالعوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تنقي، والمريضة البين مرضها. وما كان أشد من ذلك، أما ما كان أقل منها عيبًا فيجزئ مع الكراهة.
اللهم وفّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله -عز وجل-، واعلموا أنكم في أيام هي من أيام الله، وهي أيام يُذْكَر فيها اسم الله كثيرًا وتُعظّم شعائرُه، ويَفِد الحجيج إلى بيته ابتغاء مرضاته، وتضمن الباقي منها أيامًا عظيمة فاعملوا بالصالحات علكم أن تكونوا من المفلحين.
معاشر المسلمين: يوم عرفة، وما أدراك ما يوم عرفة!، إنه يوم فاضل أنعم الله به على عباده ليحط عنهم زللَهم، ويرفأ خلتَهم، ويضاعف به حسناتِهم، وهو يوم تُسكَب فيه العبرات، وتُقال فيه العثرات، وما رُئي الشيطانُ أحقر ولا أصغر منه في يوم عرفة.
ولقد حث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- غير الحاج على صيامه، ليدرك بعضًا مما سبقه به حجاج بيت الله من الفضائل، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة قال -صلى الله عليه وسلم-: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة".
ومن فضل يوم عرفة: أن الله -عز وجل- يدنو من عباده كما يليق به ويباهي بهم الملائكة أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا أو أَمَة من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟"؛ قال ابن عبد البر: "وهذا يدل على أنهم مغفورٌ لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران". اهـ.
ومن فضائل يوم عرفة أن الله يستجيب الدعاء في ذلك اليوم، وهو يوم دعاء وتضرع، أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو قال -صلى الله عليه وسلم-: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
ومن فضائل يوم عرفة: أن الله أتم على عباده النعمة بإكمال دينه؛ حيث أنزل على رسوله في يوم عرفة قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا)[المائدة:3]؛ فالله الله عبد الله، والحرص الحرص على الطاعة في هذا اليوم العظيم، واحذر أن تكون من المحرومين.
أيها المؤمنون: ومن الأيام الفاضلة في هذه العشر المباركة يوم النحر، وما أدراك ما يوم النحر!، إنه يوم العيد، يوم الحج الأكبر، وهو أفضل أيام السنة على الإطلاق أخرج أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن قرط قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أعظم الأيام عند الله -تعالى- يوم النحر، ثم يوم القر".
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أيهما أفضل يوم الجمعة أو يوم النحر؟ فقال: "يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام"، وكذا قال ابن القيم -رحمهما الله تعالى-.
اللهم تقبل منا صالح أعمالنا |