المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - المنجيات |
الشكر للنعمة حافظٌ للنعم الموجودة وجالبٌ للنعم المفقودة، فإن النعمة إذا شُكرت قرَّت وإذا كُفرت فرَّت؛ فلنحرص يا معاشر المؤمنين على شكر ربنا على نعمائه وحمده -جل في علاه- على فضله وعطائه، ولنسأله سبحانه أن يوزعنا شكر نعمه، وأن يعيذنا من تبديل النعمة كفرًا؛ فإن ذلك موجبٌ للعقوبة وحلول النقمة. ولقد حذَّر الله -جل وعلا- في مواطن من كتابه من تبديل النعمة كفرًا وعدم استعمالها في طاعة المنعم -جل في علاه- وملاقاتها بالأشر والبطر وجحود الإنعام والإكرام...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، فإن في تقوى الله خلَفًا من كل شيء وليس من تقوى الله خلَف. وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: اذكروا نعمة الله عليكم واشكروه -جل في علاه- على نعمه المتتالية وعطاياه المتوالية وآلائه التي لا تعد ولا تحصى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[إبراهيم:34]، وقيِّدوا يا معاشر المؤمنين نعمة الله -عز وجل- بالشكر للمنعم؛ فإن الشكر مؤذِنٌ بالمزيد (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].
أيها المؤمنون: إن الشكر للنعمة حافظٌ للنعم الموجودة وجالبٌ للنعم المفقودة، فإن النعمة إذا شُكرت قرَّت وإذا كُفرت فرَّت؛ فلنحرص يا معاشر المؤمنين على شكر ربنا على نعمائه وحمده -جل في علاه- على فضله وعطائه، ولنسأله سبحانه أن يوزعنا شكر نعمه، وأن يعيذنا من تبديل النعمة كفرًا؛ فإن ذلك موجبٌ للعقوبة وحلول النقمة.
عباد الله: ولقد حذَّر الله -جل وعلا- في مواطن من كتابه من تبديل النعمة كفرًا وعدم استعمالها في طاعة المنعم -جل في علاه- وملاقاتها بالأشر والبطر وجحود الإنعام والإكرام؛ قال الله –تعالى-: (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[البقرة:211]، وقال الله –سبحانه-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ)[إبراهيم:28-29].
وقال الله –سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[الرعد:11]؛ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ) أي من نعمةٍ وفضلٍ وإحسان (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) بالفسوق وكفران النعم والعصيان.
أيها المؤمنون عباد الله: ولقد ذكر الله -جل في علاه- في كتابه العزيز أخبار أقوامٍ أهلكهم الله وأممٍ عذبهم سبحانه بسبب كفران النعم، وذكر -جل وعلا- في القرآن الكريم أمثلة عديدة لحال هؤلاء ليعتبر من أراد الاعتبار وليدَّكر من أراد الادِّكار، فإن السعيد من وُعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره. يقول الله -عز وجل-: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)[القصص:58].
وقال الله سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل:112] أي بسبب صنيعهم السيئ وأعمالهم القبيحة وفعائلهم الشنيعة، وقال الله -سبحانه وتعالى-: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)[سبأ:15-17]. والأمثلة في القرآن من هذا القبيل كثيرة.
أيها المؤمنون عباد الله: لنتقي الله -جل في علاه- ولنحذر شديد الحذر من كفران نعمة الله -جل في علاه- بأي صورة من صور كفران النعم، وليعلم من كفر نعمة الله -جل وعلا- أنه إن لم يبادر إلى التوبة والإنابة إلى الله فلا مناص له من أحد أمرين: إما عقوبة معجلة تزول بها النعمة وتتحول فيها العافية وتحل النقمة، أو أن يُمد له في الإنعام على وجه الاستدراج (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ)[المؤمنون:55-56].
نسأل الله -جل في علاه- أن يوزعنا أجمعين شكر نعمه وأن يعيذنا من كفران النعم، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين وأثني عليه ثناء الذاكرين، أحمده تبارك وتعالى على نعمه العظيمة ومننه الجسيمة وعطاياه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة عبدٍ يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون عباد الله: إن الغالب في كثير من الخلق إذا توسعت لديهم النعم وتوالت المنن تحولوا إلى ضروبٍ من الطغيان وصنوفٍ من الأشر والبطر كما قال الله -جل في علاه-: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)[العلق:6-7]، ولا يسْلم من ذلك إلا من عافاه الله.
وأما سائر الخلق فإن النعمة إذا توالت عليهم صيَّرتهم إلى حال بئيسة وأفعال مزرية تدل على بلادة العقول وسفاهة الأحلام وعدم الشكر للمنعم العلَّام -جل في علاه-. ولهذا يجب على المؤمن أن يكون في يقظة وأن لا يغتر بتوالي النعم وتتالي المنن وأن يجاهد نفسه على استعمالها في طاعة الله -جل وعلا-، وليحذر أشد الحذر من الأشر والبطر والإسراف والتبذير والبذخ وإضاعة الأموال فإن الله سائله يوم القيامة، ولا يأمن على نفسه من عقوبة الله -جل وعلا- المعجلة في الدنيا والمؤجلة في الدار الآخرة، عافانا الله أجمعين وسلَّمنا ووقانا وجعلنا له شاكرين.
وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيدا.
اللهم احفظ يا ربنا إخواننا الجنود المرابطين في حدود البلاد، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم من أرادنا أو أراد أمننا أو أراد ديارنا بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا ذا الجلال والإكرام. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك اللهم وأصلح له النية والعمل والبطانة.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم يا ربنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا رحمن يا رحيم يا حي يا ودود يا كريم يا عظيم نسألك أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مُغيثا، هنيئًا مريئا، سحًا طبَقا، نافعًا غير ضار، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا هدمٍ ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.