القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
اعلموا أن الذي يتخلف عن صلاة الجماعة وهو قادر على إتيانها لا يستطيع أن يسجد لله -تعالى- يوم القيامة، ويغشاه ذل الندامة؛ لأنه كان في الدنيا يدعى إلى السجود فلا يستجيب. ولا يقبل الله صلاة من يتخلف عن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا مباركا فيه يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71-72].
اعلموا أن الذي يتخلف عن صلاة الجماعة وهو قادر على إتيانها لا يستطيع أن يسجد لله -تعالى- يوم القيامة، قال الله -تعالى-: (يوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)[القلم: 42-43]، وهذا يوم القيامة يغشاهم ذل الندامة؛ لأنهم كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود فلا يستجيبون، قال إبراهيم التيمي: "يدعون إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة فيأبونه"، وقال سعيد بن جبير: "كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يستجيبون"، وقال كعب الأحبار: "والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات".
ولا يقبل الله صلاة من يتخلف عن صلاة الجماعة بدون عذر، فقد روى أبو داود بسند صيح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلى"(رواه أبو داود وصححه الألباني)، وأيضا روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر"(صححه الألباني).
ولم يرخص النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعمى أن يصلي في بيته ولم يعذره في ترك صلاة الجماعة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى، فقال: يا رسول الله أنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولىّ، قال: "هل تسمع النداء للصلاة؟" قال: نعم، قال: "فأجب"(رواه مسلم)، وفي رواية: "لا أجد لك رخصة".
ولقد أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريق بيوت الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم أمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء"(متفق عليه) ولا يتوعد في الحديث بحرق بيوتهم إلا على ترك واجب، فصلاة الجماعة واجبة على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ لما ذكر من الأحاديث الصحيحة، فالذين يتأخرون عن صلاة الجماعة يؤخرهم الله يوم القيامة في نار جنهم، فقد روى أبو داود بسند صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار"(صححه الألباني).
وقد سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يصلي في جماعة ولا جمع، أي صلاة الجمعة، فقال: "إن مات على ذلك فهو في النار"، وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب".
ومن تخلف عن صلاة الجماعة بدون عذر فإن الله -عز وجل- يختم على قلبه؛ كما في الحديث: "لينتهين اقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين".
ومن علامات النفاق: التخلف عن صلاة الجماعة؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا"(متفق عليه).
نسأل الله أن يرزقنا المحافظة على صلاة الجماعة في المساجد مع المسلمين، ونعوذ بالله من التشبه بالمنافقين الذين يتخلفون عن الجماعات.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم.
العذر في صلاة الجماعة: المرض والخوف؛ كما ذكر ذلك ابن عباس -رضي الله عنهما-، لكن الكثير من الناس صحيحاً معافى وفي كامل صحته ويتأخر عن صلاة الجماعة فإنه بذلك قد ارتكب خطأ كبيراً واثماً واضحاً، فقد كان السلف -رحمهم الله- في أشد المرض ومعذورين لمرضهم، ومع ذلك يصر بعضهم إلا أن يصلي صلاة الجماعة في المسجد، قال مصعب بن الزبير: "سمع عامر المؤذن وهو في مرض موته، فقال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك مريض، قال: كيف أسمع داعي الله فلا أجيبه"، وقال سعيد بن المسيب: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد".
وبعض المسلمين ربما يتذرع بأي مرض منتشر ويخشى بزعمه العدوى مع أن مناعته وصحته جيدة، ولكن يوسوس له الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء بالصلاة في البيت، فيصلي دائما في بيته، وهذا من الحرمان والخذلان وفوات الخير.
نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا الحفاظ على صلاة الجماعة في المساجد، وأن يجعلنا ممن يسمع القول فيتبع أحسنه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا عسرا إلا يسرته، ولا مريضا إلا شفيته.
اللهم وفق ولي أمرنا وأمور المسلمين لما يرضيك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، وأبعد عنهم بطانة السوء الفاسدة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، واقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين، وصل وسلم على سيدنا ونبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.