الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | تركي بن علي الميمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
والأُنْسُ بالله والانْطِرَاحُ بَيْنَ يَدَيْه غِذَاءُ الْقُلُوبِ، وَمَنْ قَوِيَ أُنْسُهُ بِالله، وَجَدَ تَأْثِيرَهُ فِي نَفْسِهِ؛ فَوْقَ تَأْثِيرِ الغِذَاءِ البَدَني، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي أَبِيْتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
عِبَادَ الله: إِنَّهُ مَقَامٌ مِنْ مَقَامَاتِ الإِحْسَانِ وَثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ مَحَبَّةِ الرَّحْمَن، وَهُوَ الكَهْفُ الَّذِيْ يَأْوِيْ إِلَيْهِ كُلُّ مُسْتَوْحِشٍ حَيْرَان؛ إِنَّهُ الأُنْسُ بِالله.
وَلَذَّةُ الأُنْسِ بِالله لا يَعْدِلُهَا شَيء؛ فَأَطْيَبُ الْعَيْشِ عَلَى الإِطْلاقِ عَيْشُ الْمُسْتَأْنِسِينَ، وَحَيَاتُهُمْ هِيَ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل: 97]. قالَ أَحَدُ الصَّالِحِيْن: "لَوْ عَلِمَ المُلُوكُ وَأَبْنَاءُ المُلُوكِ، ما نَحْنُ فِيْهِ مِنَ لَذَّةِ الأُنْسِ بِالله؛ لَجَالَدُوْنَا بِالسِّيُوفِ عَلَيْه!".
وَمَنْ عَرَفَ اللهَ حَقِيْقَةً أَنِسَ بِه، وَاسْتَوْحَشَ مِنْ غَيْرِه قَدْ شَغَلَهُ الأُنْسُ بِاللهِ عَنْ الأُنْسِ بِغَيْرِه.
وَالأُنْسُ بِاللهِ ثَمَرَةُ الطَّاعَةِ؛ فَكُلُّ مُطِيعٍ مُسْتَأْنِسٌ، وَكُلُّ عَاصٍ مُسْتَوْحِشٌ، وَكُلَّمَا كَثُرَتِ الذُّنُوبُ اشْتَدَّتِ الوَحْشَةُ، قال ابنُ القَيِّم: "لَوْ لَمْ تُتْرَكِ الذُّنُوبُ؛ إِلَّا حَذَرًا مِنْ تِلْكَ الْوَحْشَةِ؛ لَكَانَ الْعَاقِلُ حَرِيًّا بِتَرْكِهَا!".
فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ | فَدَعْهَا إِذَا شِئْتَ وَاسْتَأْنِسِ |
وَالتَّمَسُّكُ بِالإِسْلام بَوَّابَةُ الأُنْسِ والسَّلام، وَأَيُّ وَحْشَةٍ أَشَدُّ مِنْ ضَيَاعِ الدِّيْن، وَفَقْدِ اليَقِيْن؟! (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)[الأنعام:125]. قالَ المُفَسِّرُون: "النَّعِيمُ التَّامُّ، هُوَ في الدِّيْنِ الحَقّ: عِلْمًا وَعَمَلًا؛ فَأَهْلُهُ هُمْ أَصْحَابُ النَّعِيمِ الكَامِل!".
والْخَلْوَةُ بِاللهِ وَمُنَاجَاتُه تَفْتَحُ نَافِذَةَ الأُنْسِ والْقُرْب! (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة: 186]. قال بَعْضُهُمْ: "غَرْسُ الخَلْوَة؛ يُثْمِرُ الْأُنْس!".
والمُدَاوَمَةُ على ذِكْرِ اللهِ تُوَلِّدُ الأُنْس، (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28]. قَالَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُكُمْ؛ مَا شَبِعْتُمْ مِنْ كَلَامِ الله!" وقالَ شَيْخُ الإِسْلَام: "صَاحِبُ الْمَحَبَّةِ وَالذِّكْرِ؛ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ حُضُورِ الرَّبِّ فِي قَلْبِهِ، وَأُنْسِهِ بِهِ؛ مَا لَا يَحْصُلُ لِمَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ!".
والمُحِبُّونَ الصَّادِقُون ذَاقُوْا طَعْمَ الإِيمَان، والأُنْسَ بالرَّحْمَن، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثٌ مِنْ كُنَّ فِيهِ؛ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ"، وَذَكَرَ مِنْهَا: "أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا"(رواه البخاري ومسلم) قال بَعْضُهُمْ: "الْأُنْسُ بِاللَّهِ: حَالَةٌ وِجْدَانِيَّةٌ، تَقْوَى بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: دَوَامُ الذِّكْرِ، وَصِدْقُ الْمَحَبَّةِ، وَإِحْسَانُ الْعَمَلِ".
وَلَذَّةُ الأُنْسِ تَأْتِي بَعْدَ مُجَاهَدَةِ النَّفْس، قال أَحَدُ السَّلَف: "كَابَدْتُ الصَّلَاةَ عِشْرِيْنَ سَنَة، ثُمَّ تَلَذَّذْتُ بِهَا بَاقِي عُمُري!".
والأُنْسُ بالله والانْطِرَاحُ بَيْنَ يَدَيْه غِذَاءُ الْقُلُوبِ، وَمَنْ قَوِيَ أُنْسُهُ بِالله، وَجَدَ تَأْثِيرَهُ فِي نَفْسِهِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الغِذَاءِ البَدَني، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي أَبِيْتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي!"(رواه البخاري ومسلم)
وَمِنْ عَلامَاتِ الأُنْسِ بِالله الصَّلاةُ الخَاشِعَة؛ فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُفَرِّحَاتِ التي تُؤْنِسُ الْقَلْبَ، وَتَصِلُهُ بِالرَّبّ! والنَبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَهُ أَمْرٌ؛ فَزِعَ إلى الصَّلَاة، ويَقُوْل: "يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ، أَرِحْنَا بِهَا!"(رواه أبو داود، وصححه الألباني)
وَنَسَائِمُ الأُنْسِ، قَدْ تَأْتِيْ مِنَ جِهَةِ المَصَائِب، قال ابْنُ الجَوْزِي: "الحَقُّ سُبْحَانَهُ؛ يَغَارُ على قَلْبِ المُؤْمِنِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ شَيْئًا يَأْنَسُ به! فهو يُكَدِّرُ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وأَهْلَهَا؛ لِيَكُونَ أُنْسُهُ بِه".
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
عِبَادَ الله: فِي القَلْبِ وَحْشَةٌ لا يُزِيلُهَا إِلا الأُنْسُ بِالله، وَفِيهِ حُزْنٌ لا يُذْهِبُهُ إلا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ؛ فإِذا أَنِسَ النَّاسُ بِأَحْبَابِهِمْ؛ فَاجْعَلْ أُنْسَكَ بِالله، وَإِذَا فَرِحُوا بِالدُّنْيا؛ فَافْرَحْ أَنْتَ بِاللَّه، فَيَا لَذَّةَ عَيْشَ المُسْتَأْنِسِيْن، وَيَا خَسَارَةَ المُسْتَوْحِشِيْنَ! (قُلْ بِفضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيٌر مِمَّا يجمعُونَ)[يونس:58].