المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحكمة وتعليل أفعال الله |
ففيه من الأمراض الخلقيَّة والاجتماعية والصحيَّة والأضرار ما يكفي أقلّها لتحريمه، والابتعاد عنه، إذ أنَّه مدعاة لضياع الأنساب واشتباهها، فربّما أدَّى -عياذاً بالله- إلى أن يتزوج الرجل بذات محرَّم له في باطن الأمر، مدعاة لغرس الأحقاد والتباغض والتنازع وسفك الدماء، مدعاة لاختلال نظام الأسرة، ولاسيما بين الزوجين اللذين أراد الله منهما أن يتعاشرا بالحسنى والمعروف ..
الحمد لله، عالم السرّ والنجوى، المطلع على الضمائر وكل ما يخفى؛ أحمده سبحانه وأشكره، وأشهدُ أن لاَّ إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيِّنا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسْليماً كثيراً.
أمَّا بعد:
فيا عباد الله: إنَّ واجب كلِّ مؤمن أن يسعى دوماً في تقوية إيمانه باجتناب ما نهى الله عنه جملة وتفصيلاً، وفعل ما استطاع مما أمر الله به، وإن من أقبح ما نهى الله عنه سبحانه صراحة وبأسلوب في غاية الشدَّة والزجر وعبارة تقشعرُّ منها جلود الذين يخشون ربهم، ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً، مقارفة الزنا ومقدماته، معللاً ذلك ومخبراً عنه بأنَّه عملٌ إجرامي فاحش متناهٍ في القبح والفحش والشناعة، فقال -جلَّ وعلا-: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32]
عباد الله: نهت هذه الآية الكريمة عن قربان الزنا، ويشمل هذا النهي فعل الفاحشة الشنعاء حقيقة، ويشمل مقدماته التي هي وسائل وطرق مؤدية إليه، ومن تأمل نصوص الشريعة الغرّاء، وجد أنَّها حرَّمت الزنا تحْريماً باتاً بالكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين، بل وسدت كل طريق يوصل إليه، فحرَّمت خلوة الرجل بامرأة ليس لها بمحرم، وحرَّمت لمس من لا يحل من النساء، ومتابعة النظر فيها يرغب وتلذذ وارتياح، وحرمت استماع ما فيه خضوع ولين من أصوات النساء وأشباه النساء، وما هذا التحريم للزنا، وما هذه العناية بقطع الطرق والأسباب التي قد توقع فيه إلا رحمة بالإنسانيَّة، وحفاظاً على المجتمعات وإبقاء على الأفراد من مغبّة الزنا ووخامته وشر عقباه.
ففيه من الأمراض الخلقيَّة والاجتماعية والصحيَّة والأضرار ما يكفي أقلّها لتحريمه، والابتعاد عنه، إذ أنَّه مدعاة لضياع الأنساب واشتباهها، فربّما أدَّى -عياذاً بالله- إلى أن يتزوج الرجل بذات محرَّم له في باطن الأمر، مدعاة لغرس الأحقاد والتباغض والتنازع وسفك الدماء، مدعاة لاختلال نظام الأسرة، ولاسيما بين الزوجين اللذين أراد الله منهما أن يتعاشرا بالحسنى والمعروف، مدعاة لهتك الأعراض وتلويث الأُسر وكساد النساء، مدعاة لخلق الأمراض المعدية من زهري وسيلان ونحوهما، كما قرر ذلكم الأطباء. نعم والله، مدعاة لذلك وأشر منه.
فكم من مروءة وفضيلة وأدها، وعفاف واحتشام قضى عليهما، لذا وغيره من أضراره الخطرة وشرِّه المستطير جاءت الحكمة الإلهيَّة بتحريمه كما تقدم وحاربته الشرائع السماوية منذ القِدم ووضعت لمرتكبيه أقصى العقوبات والدنيوية من قتلٍ وجلد وتشريد بحسب حال الزاني من إحصان وغيره. كما وإنها توعدت الزناة بألوان العذاب المضاعف في الآخرة فقال تعالى بعد أن ذكر معاصي آخرها الزنا (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) [الفرقان:68-69]
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون-، وابتعدوا عن حمى الله فإن حماه محارمه وإنّه ليغار لها ولا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته، احذروا مقارفة الزنا فإنه عار في الدنيا ونار في الآخرة.
احذروا فإن لكم عواقب ومحارم، وفي الأثر: "عِفوا تَعِفَّ نساؤُكم"، ولا غرو فإنَّ الجزاء من جنس العمل.
عباد الله: هل يجرؤ أحدٌ لديه مسكة من عقل وإيمان على ارتكاب جريمة الزنا، وقد سمع ما ورد فيه من وعيد.
روى البخاري -في حديث منام النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءه جبريل وميكائيل، قال: "فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور أعلاه صفيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساءٌ عراة فإذا هم يأْتِيهم لهب من أسْفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا أي صاحوا من شدة حرِّه، فقلت: من هؤلاء يا جبريل، قال: هؤلاء الزناة والزواني".
فمن الذي يرضى لنفسِه أن يعرّضها لهذا العذاب، أو أن يدنيها من جريمة تهدر دمه؟! يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل دم امرئٍ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
فمن الذي يرضى أن يعرض نفسه لهذا، أو أن يبيع دينه وعرضه، وشرفه وكرامته، أو يلطخ ذلك بشهوة بهيمية قصيرة؟!
روى البخاري ومسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" وفي حديث آخر، "إن الإيمان يخرج من صاحبه عند مباشرته للزنا".
فاتَّقوا الله -عباد الله-، واحفظوا فروجكم وغضّوا أبصاركم، فقد قال نبيُّكم -صلى الله عليه وسلم-، فيما رواه الحاكم والبيهقي: "يا شباب قريش، احفظوا فروجكم، ولا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة"، وقال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة".
فاتّقوا الله، وراقبوا ربكم فإنَّه لا أجهل ولا أحمق ممن يبارز الله بالمعصية في حين احتياجه إليه وعلمه أنّه مطّلع عليه، واستغفروه تعالى وتوبوا إليه، إنَّه غفورٌ رحيم.