القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | عصام بن عبد الله السناني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل - الأديان والفرق |
فإنَّ الديمقراطيةَ التي تساقُ مَساقَ المدحِ والثناءِ هذه الأيامِ، وفُتنَ بها بعضُ المسلمينَ، وبُحَّتْ حناجرُهم بالمناداةِ بها، تَعني: حُكمَ الشعبِ بنفِسهِ، وذلك بأنْ يكونَ الشعبُ هو مصدرَ التشريعِ، فلَه الحقُّ في إصدارِ ما شاءَ من قوانينَ، وإلغاءِ ما يُريدُ من أنظمةٍ سابقةٍ إذا كانتْ هذه رغبة الأكثريةِ. هذا مناقضٌ لمصلحةِ البشرِ؛ قَالَ اللهِ تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَهِ) ..
أَمَّا بَعْدُ: فإن خيرَ الحديث كتابُ اللَّه، وخيرَ الهدي هدي محمد، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالَةٌ.
عباد الله: يقول تعالى: (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) [غافر: 12]، ويقول: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 49].
فإنّ من أعظمِ حقوقِ اللهِ على عبَادِهِ تحكيمَ شرعِهِ دونَ شرعِ غيرِه، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]؛ ولذَا فإنَّ الديمقراطيةَ التي تساقُ مَساقَ المدحِ والثناءِ هذه الأيامِ، وفُتنَ بها بعضُ المسلمينَ، وبُحَّتْ حناجرُهم بالمناداةِ بها، تَعني: حُكمَ الشعبِ بنفِسهِ، وذلك بأنْ يكونَ الشعبُ هو مصدرَ التشريعِ، فلَه الحقُّ في إصدارِ ما شاءَ من قوانينَ، وإلغاءِ ما يُريدُ من أنظمةٍ سابقةٍ إذا كانتْ هذه رغبة الأكثريةِ. هذا مناقضٌ لمصلحةِ البشرِ؛ قَالَ اللهِ تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَهِ) [الأنعام: 116]، ويقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103]، ويقول الله تعالى: (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) [الأعراف: 102].
ومع أن زعمَ حكمِ الشعبِ لنفسِهِ لا يصحُّ في الواقعِ أبدًا؛ لأن الذي يسنُّ الدستورَ ويضعُ القوانينَ هم فئةٌ قليلةٌ تمثلُ طبقةَ كبارِ أصحابِ رؤوسِ الأموالِ الرأسماليينَ التي تملكُ الأحزابَ ووسائلَ الإعلامِ التي لها القدرةُ على تشكيلِ الرأيِ العامِ، ولذَا فِمنْ أخطرِ مفاسدِ ذَلكَ أنَّهُ يؤدي إلى تمكينِ الكفارِ والمنافقينِ من الولايةِ على المسلمينَ، بطريقةٍ يظنُّها بعضُ الجهلةِ شرعيةً، وقد قال الله -عز وجل-: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَالِمِينَ) [البقرة: 124].
إضافةً إلى أنَّ الديمقراطيةَ لا تفرقُ بين العالمِ والجاهلِ، والله تعالى يقول: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9]، ولا تفرق بين المؤمن والكافر، ويقول الله -عز وجل-: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ) [السجدة: 18].
أما في الإسلامِ فإنَّ الحاكم هو اللهُ -سبحانه وتعالى-: (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) [يوسف: 40]، وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44]، بل قال لمن رضيه سبحانَه لتبليغِ رسالتِهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلًا) [الإسراء: 73]، وقال: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 48].
إذًا فالديمقراطيةُ تعطي أهلَ القانونِ حقَّ التشريعِ، والإسلامُ يقول: إنَّ مصادرَ التشريعِ المُجمعَ عليها هي: الكتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ الأمةِ المستندُ عليهما، وجعلَ كلَّ منْ حَكمَ بغيرِ حكمِ اللهِ هو من حكمِ الطاغوتِ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) [النساء: 60]، إذًا فمنْ طالبَ بحكمِ الشعبِ والقانونِ لا بحكمِ الله فهو طاغوتٌ.
عباد الله: فالديمقراطيةُ مضادةٌ للإسلامِ، ومن مضادةِ الديمقراطيةِ للإسلامِ أنَّها تقومُ على إباحةٍ للتحزُّب والتكتُّلِ لأَيْ مَذْهبٍ وتوجهٍ، إلاَ أنْ تكُونَ أحزابًا تدعو للدِّينِ وسيادتِهِ على حياةِ البشرِ، فلا تقومُ الديمقراطيةُ إلا على الأحزابِ المتضادةِ في تحديدِ المرجعيةِ في التشريعِ؛ ما فتَحَ البابَ لتمزيقِ العالمِ الإسلاميِّ إلى قومياتٍ وعصبياتٍ وأحزابٍ.
أمَّا الإسلامُ فقدْ بنى النسيجَ الاجتماعيَّ للأمةِ عَلى وحدةِ العبادِةِ والتصورِ كما قالَ تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92]، ونهى عن التَّحزُّبِ والاختلافِ وأمـرَ بالاجتماعِ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103]، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].
عباد الله: ومنْ مضادةِ الديمقراطيةِ للإسلامِ أنَّها تدعو إلى الحريةِ الدينِيةِ، فللشخصِ أن يَدينَ بما شاءَ من الأديانِ والمذاهبِ الباطلةِ وليسَ لأحدٍ عليه سُلطةٌ، وله ممُارسةُ ما يريدُ مع غيرِه من غيرِ إكراه منْ زنَا ولوَاطٍ وإباحيةٍ، ولَهُ ما شاءَ من سُكرٍ وغِناء ومُجونٍ باسمِ الحريةِ الشخصيةِ.
وفي الديمقراطية يجبُ إفساح المجال لكلِّ ضالٍّ ومُنحرف ليقولَ ما يُريد وينشرُ أفكارَه بحُجَّةِ إفساحِ الرأي للآخرِ والتعدديةِ.
وفي ظلِّ الديمقراطيةِ لا يمكنُ الاحتسابُ على الخارجينَ عن طاعةِ اللهِ، فلا أمرَ بالمعروفِ ولا نهيَ عن المنكرِ؛ لأن هذا يتعارضُ مع الحريةِ الشخصيةِ. فعلى هذا لا يوجدُ في الديمقراطيةِ حَدُّ رِدَّةٍ؛ وهو الحكمُ الشرعيُّ الذي جاءَ بهِ الإسلامُ وأجمعَ عليه علماءُ الإِسلامِ؛ لقول النبيِّ –صلى الله عليه وسلم-: "من بدَّلَ دينَهُ فاقتلوه". رواه البخاري.
عباد الله: لقد أصبحت الديمقراطية سلاحًا لتدميرِ البلادِ الإسلاميةِ ونهبِ ثرواتِها واستغلالِ خيرتهِا وتدميرِ بنيَتِها، فالدولُ الغربيةُ التي تدَّعي الديمقراطيةَ هي التي اسْتَعمرتْ بعضَ بلادِ المسلمينِ، وهيَ اليوم التي احتلتْ بلادًا أخرى فأسقطتْ حكوماتِها ودمـرتْ مدنَها وقتلتْ وشردتْ أبناءَها، وهيَ نفسُها التي تتباكى كفرًا ونفاقًا اليومَ على الديمقراطيةِ، لا لأجلِ الديمقراطية، فمَا نصحَ عدوٌ أبدًا، لكنْ لجعلِها مِعوَلَ هدمٍ لنشرِ الفوضى والفتنِ في بلادِ المسلمينَ، وتأْخيرِ التنمية فيها كبديلِ للتدخلِ العسكريِّ الذي سببَ استنزافَ موارد هذِهِ الدولِ، فمن لا يُرضى من الزعماءِ، أوْ انتهى دورُه ولو كانَ حليفًا مطيعًا أليفًا، يُسلّطُ عليه الإعلامُ قوى الضغطِ؛ ليُنحَّى ويُؤتى ببديلٍ لا يختلفُ عنه إلا في كونِهِ أكثرَ إخلاصًا في تمريرِ مخططاتِهم، وتغريبِ الأمةِ باسم الدولةِ المدنيةِ التيْ لا تعترفُ بالدينِ ولا بالأخلاقِ.
عباد الله: وإنّهُ ليس معنى رفضِ المسلم للديمقراطيةَ أنْ يكونَ البديلُ هو الظلمُ والاستبدادُ؛ لأنهُ فِي الإسلامِ هُنَالِكَ البيعةُ لولّي الأمرْ، ووليُ الأمرُ مقيدٌ بالأحكامِ الشرعيةِ، وهو منصّبٌ لتنفيذِ الشرعِ، ولا يملكُ إلا أن يُسيرَ أعمالَه حسبَ الأحكامِ الشرعيةِ، كما أن طاعتَه واجبةٌ، إلا أن يأمرَ بمعصيةٍ فلا طاعةَ له فيها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "على المرءِ المسلمِ السمعُ والطاعةُ فيما أحبَّ وكرِه، إلا أن يُؤمرَ بمعصيةٍ، فإن أُمر بمعصيةٍ فلا سمعَ ولا طاعةَ".
وفي الإسلامِ إذا أخطأ وليُّ الأمرِ فإنّه يردُ إلى الصوابِ بالنصيحةِ والحكمةِ التي لا تؤدي إلى الفتنِ كما روى الشيخان عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ". وفيْ السننِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ".
الخطبة الثانية:
من أُصُولِ أهل السُّنَّةِ أَنَّ الحاكمَ المسلم إِذَا كَانَ مُبَايَعًا مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، أَوْ بالعهدِ إليه ممن كان قبلَه، أو كَانَ إِمَامًا مُتَغَلِّبًا، فإنه لا يجوز الخروجُ عليه ولو كان ظالمًا، وقد ثبتتْ الأحاديثُ المتكاثرةُ عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- التي يخبر فيها عن حكامِ هم من شرارِ الحكامِ تبغضُهم شعوبُهم وتسبُهم، وهم يمنعونَ الناسَ حقوقَهم، ويأتونَ من المعاصي والمنكراتِ ما لا تحتملُه الأنفسُ، ولا يهتدونَ بهديه ولا يستنونَ بسنتِه، وذلك غايةُ الضلالِ والفسادِ، ومع ذلَك أرشدَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى الصبرِ على جورِهم وأداءِ الحقوقِ، وجعلَ من فارقهم شبرًا فهو يموتُ ميتةً جاهلية، "ومنْ خلعَ يدًا منْ طاعةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ"؛ لما في ذلك من فتح باب الشر على المسلمين.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/4): "فإذا كان إنكارُ المنكرِ يستلزمُ ما هو أنكرُ منه وأبغضُ إلى اللهِ ورسولِهِ، فإِنَّهُ لاَ يَسوغُ إنكارُهُ، وإنْ كانَ اللهَ يبغضُهُ ويمقتُ أهلَه، وهذَا كالإِنكارِ على الملوكِ والولاةِ بالخروجِ عليهم، فإِنَّهُ أساسُ كلِّ شرِّ وفتنةٍ إلى آخرِ الدهرِ".
ولذا -عباد الله- لا يجوزُ الخروجُ على الحاكمِ إذا انعقدتْ له البيعةُ إلا بخروجِهِ من الإسلامِ لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما روى الشيخان عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قَالَ: "وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
جاء في بيانِ هيئةِ كبارِ العلماء: وذكروا هذا الحديث فقالوا: "فأفادَ قولُه: "إلا أن تروا"، أنه لا يكفي مجردُ الظنِّ والإشاعةِ. وأفادَ قولُه: "كفرًا" أنه لا يكفي الفسوقُ ولو كبرَ، كالظلمِ وشربِ الخمرِ ولعبِ القمارِ والاستئثارِ المحرمِ، وأفادَ قولُه: "بواحًا" أنه لا يكفي الكفرُ الذي ليس ببواحٍ؛ أي: صريحٌ ظاهرُ. وأفادَ قولُه: "عندَكم فيه من اللهِ برهانٌ" أنه لا بدَ من دليلٍ صريحٍ، بحيث يكونُ صحيحَ الثبوتِ صريحَ الدلالةِ؛ فلا يكفي الدليلُ ضعيفُ السندُ، ولا غامضُ الدلالةِ. وأفادَ قولُه: "من اللهِ" أنه لا عبرةَ بقولِ أحدٍ من العلماءِ مهما بلغتْ منزلتُه في العلمِ والأمانةِ، إذا لم يكن لقولِـه دليلٌ صريحٌ صحيحٌ من كتابِ اللهِ أو سنةِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-".
وقدْ ذكرَ العلماءُ أنه لو ثبت كفرُ الحاكمِ بما مرَّ من القيودِ الغليظةِ الشديدةِ من قبلِ العلماءِ الراسخينَ بعد قيامِ الحجةِ وانتفاءِ الموانعِ، فلا يجوزُ الخروجُ إلا بشروطٍ يجبُ تحققُها يقينًا لا بالظنِ، وهي:
الأول: القدرةُ على إزاحةِ الحاكمِ.
الثاني: عدمُ ترتّبِ مفسدةٍ أعظم.
الثالث: إحلالُ مسلمٍ مكانَه ليحكم بشرعِ الله لا بالقوانينِ الوضعيةِ، وإلا وجبَ الكفّ والصبر.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في مجموع فتاوى ومقالات (8/203): "إذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهانٌ فلا بأسَ أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالتِه إذا كان عندَهم قدرةٌ، أما إذا لم يكن عندَهم قدرةٌ فلا يخرجوا، أو كان الخروجُ يُسبّبُ شرًّا أكثر فليسَ لهم الخروجُ؛ رعايةً للمصالح العامة. والقاعدةُ الشرعيةُ المُجمع عليها أنه لا يجوزُ إزالةُ الشرِّ بما هو أشرُّ منه؛ بل يجبُ درءُ الشرِّ بما يزيلُه أو يُخفّفه، أما درءُ الشرِّ بشرٍّ أكثرَ فلا يجوزُ بإجماعِ المسلمينَ، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرًا بواحًا عندها قدرةٌ تزيلُه بها وتضعُ إمامًا صالحًا طيبًا من دونِ أن يترتبَ على هذا فسادٌ كبيرٌ على المسلمينَ وشرٌّ أعظمُ من شرِّ هذا السلطانِ فلا بأسَ، أما إذا كانَ الخروجُ يترتبُ عليه فسادٌ كبيرٌ واختلالُ الأمنِ وظلمُ الناسِ واغتيالُ من لا يستحقُّ الاغتيالِ إلى غيرِ هذا من الفسادِ العظيمِ، فهذا لا يجوز".
قلت: كيف والنّاس وهم مِللٌ ومذاهب شتى اليوم يخرجون يطالبون بحكمِ الديمقراطيةِ والشعبِ لا بحكمِ اللهِ، وحكمُ الشعبِ طاغوتٌ، وحكمُ الدستورِ الوضعيِّ طاغوت؟! كيف وهم يحلفونَ بالقرآنِ والإنجيلِ، ويعلنون الإخاءَ بينَ الصليب والهلال؟! كيف وهمْ يرقصون في ساحاتهم على أنغامِ الغناءِ، ويختلط ذلك بالقرآنِ والصلاةِ؟! كيف وهم يختلطُ رجالُهم بنسائِهم بشكلٍ تشمئزُ له النفوسُ؟! كيف وهم يفحشونَ بأقذعِ الألفاظِ بالسبابِ والشتائمِ لا حبًّا للعدلِ، وإنما انتقامًا وانتصارًا للنفسِ من كلِّ مأزومٍ من دهماءِ النّاسِ؟!