البحث

عبارات مقترحة:

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الطلاق

العربية

المؤلف خميس بن سعد الغامدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. اهتمام الإسلام ببناء الأسرة .
  2. أسباب الطلاق .
  3. آثار الطلاق على الأبناء .
  4. طُرق للوقاية من الطلاق .

اقتباس

ألا إن من أهم ما يُدَمِّرُ قواعدَ الأسرةِ، ويشتِّتُ شملها، ويصدع جمعها، ويمزق كيانها، وينسف جذورها: الطلاق... وما يخلفه من دمار وتشريد، وما ينتج عنه من سلبيات؛ ونظراً لما للطلاق من أثر مباشر على الأسرة، وتدمير بنيانها، وتمزيق كيانها، فقد حدد الله له حدوداً، وأوجد له ضوابط، ولم يتركه لِعَبَثِ العابثين، ولهْوِ اللاهين ..

 

 

 

 

أما بعد: إنَّ الأسرة مما اهتمَّ به الإسلام، اهتم بإنشائها على أسس ثابتة راسخة، وأمر بالمحافظة عليها وعلى استقرارها، ومنَعَ كلَّ ما من شأنه خلخلة، كيانها وزلزلة أركانها؛ وما ذاك إلا لأن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع الإسلامي، وهي مصنع الرجال، وحصانة المجتمع، وهي منتجة أمهات الأجيال، وأبطال الأمة. 

ولقد امتن الله على عباده بهذه الأسرة فقال: (وَمِنْ ءايَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

أيها المسلمون: إن بناء الأسرة أمر عظيم، ولعظمته اهتم به الإسلام، وحرص على توجيه المؤمن بما يكون سبباً لبنائها بناءً حصيفاً غير قابل للهدم أو للتصدع، فأمر باختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح، واهتم بشأن المولود منذ ساعته الأولى، فشرع الأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، وتسميته بأحسن الأسماء، وتربيته بأحسن أساليب التربية؛ لأن صلاح النشء هو صلاح الأسرة، وصلاح الأسرة بذاتها هو في الحقيقة صلاح للمجتمع كله، وفلاح للأمة بأسرها.

ألا إن من أهم ما يُدَمِّرُ قواعدَ الأسرةِ، ويشتِّتُ شملها، ويصدع جمعها، ويمزق كيانها، وينسف جذورها: الطلاق. الطلاق، وما أدراك ما الطلاق؟! وما يخلفه من دمار وتشريد، وما ينتج عنه من سلبيات.

ونظراً لما للطلاق من أثر مباشر على الأسرة، وتدمير بنيانها، وتمزيق كيانها، فقد حدد الله له حدوداً، وأوجد له ضوابط، ولم يتركه لعبث العابثين، ولهو اللاهين؛ بل إنه سبحانه الحكيم شدد فيه أيما تشديد. أخرج أبو داود والترمذي عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ". وأخرج أبو داود -بسنده- عَنْ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنْ الطَّلَاق".

ولست أقف أمامكم لأستعرض أحكام الطلاق وحدوده وضوابطه، ولكنني أعرض معكم الجوانب التربوية، والآثار السلبية، والأسباب المباشرة، للطلاق.

أيها المؤمنون: حتى لا نقع في أزمة الطلاق وسلبياته لابد أن نتخير الزوجة الصالحة المناسبة، الزوجة ذات الدين، الزوجة التي تعرف حق ربها عليها، وحق زوجها عليها، وحق أبنائها عليها، وحقوقها هي على الآخرين.

وحتى تستمر الحياة، ويغلق باب الطلاق، لابد من الاعتناء باختيار الزوجة، فليس الجمال وحده ميزان التناسب، وليس النسَب وحده سبب الملائمة، ولكن ابحث دائماً عن ذات الدين؛ لتسر عينك، ويطمئن فؤادك، وتعيش أسرتك في هناء؛ في الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ!".

وكما أن الدين في المرأة مطلوب فكذا في الزوج، والعناية بذلك في الزوج أشدّ، إذ إن عقدة النكاح في يده، ومن المعلوم أن من أسباب الطلاق ذلك الشاب غير ذي الدين، الذي هدفه المتعة واللذة، والمرأة عنده سلعة، متى استغنى عنها أبدلها بغيرها.

ومع أهمية نقطة الدين في الزواج إلا أننا نرى أن بعض الآباء يزوج ابنته لغير ذي دين، فما يجنى من وراء ذلك إلا الخسران. وقد حذر رسول الله من ترك هذا المقياس، ففي الحديث الذي عند ابن ماجه والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوه، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيض". قال السندي: أَيْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينه وَخُلُقه وَتَرْغَبُوا فِي ذِي الْحَسَب وَالْمَال تَكُنْ فِتْنَة وَفَسَاد؛ لِأَنَّ الْحَسَب وَالْمَال يَجْلُبَانِ إِلَى الْفِتْنَة وَالْفَسَاد عَادَة؛ وَقِيلَ: إِذَا نَظَرْتُمْ إِلَى صَاحِب الْمَال وَالْجَاه يَبْقَى اُكْثُرْ الرِّجَال وَالنِّسَاء بِلَا تَزَوُّج؛ فَيَكْثُر الزِّنَا، وَيَلْحَق الْعَار وَالْغَيْرَة بِالْأَوْلِيَاء،ِ فَيَقَع الْقَتْل، وَتَهِيج الْفِتْنَة، وَيُمْكِن أَنْ يُقَال: إِنَّ تَعْظِيم الْجَاه وَالْمَال وَإِيثَاره عَلَى الدِّين يُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَة. اهـ.

وسبب العناية بالدين هو أن كلاً من الزوجين يراعي حقوق الآخر ديانة، ورغبة فيما عند الله، فتستمر الحياة الأسرية، ويعيش الجميع في سعادة والتئام.

إذن، من أسباب الطلاق الزوج أو الزوجة الذين لم يراع الواحد منهما ربه، ولم يعلم أن له عليه حقاً، حينئذ تنقلب الحياة إلى جحيم.

أيها المسلمون: ألا وإن من أسباب الطلاق أيضاً عدم تفهم الزوج لزوجته وطباعها وأخلاقها، وظنه أنه بمجرد الزواج سيجد امرأة على مقاييسه ومواصفاته، فإذا لم تكن كذلك فكر في الطلاق والاستبدال، وربما لم يجتمعا في الأسرة إلا خلال مدة قصيرة؛ ومن ذلك عدم مراعاة كل منهما للآخر حال غضبه أو تعبه، أو همه وغمه؛ فعند مسلم وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ: "لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَة،ً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر".

ألا إن من أسباب الطلاق الأهل! نعم، الأهل! سواء أهل الزوج أو أهل الزوجة، إذ إن الكثير من الأزواج أو الزوجات يسمح لأهله بالتدخل في حياته الزوجية، وهذا خطأ فادح، ومكمن مزلة أقدام ليس بالهين؛ فكم من زوجة طُلقت بسبب تحكم أهل الزوج، وتدخلهم في خصوصيات لا علاقة لهم بها! وكم من زوجة طُلِّقَت بسبب تدخل أهلها، وخاصة أمها أو إخوانها وأخواتها، وما يملونه عليها من إملاءات كان فيها خسرانها.

والواجب على الزوج والزوجة ألا يخرجوا ما في البيت إلى خارجه، وأن لا يمكنوا أي أحد -كائناً من كان- من التدخل في الحياة الزوجية. وعلى ذوي الزوجين أن يتقوا الله في أبنائهم، ويكفوا أيدهم عنهم، ويتركوهم يعيشون في سعادة؛ ولكن المصيبة أن الكثير من أهالي الزوجين لهم تصرفات تدمر كيان الزوجين؛ فالله المستعان!.

من الأسباب أيضاً المهور الغالية، والتكاليف الباهظة التي تنقلب معها الحياة إلى بؤس وسداد ديون، فيحس الزوج أن زوجته هذه كانت سبب بؤسه، ومكمن إفلاسه؛ فتسوء المعاشرة، وتقل البركة، وتكثر المشاكل. والبركة إنما تكون مع قلة المهر والكلفة؛ عند أحمد عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَال: "أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً".

والناس في المهر بين مفرَّط ومُفْرِط. بين من يقول: مهر ابنتي ريال! ومن يقول: مهر ابنتي مائة ألف ريال! فالأول أهمل ابنته، وسهَّل اللعب بها وبأمرها، وخاصة عندما لا يكون الزوج صاحب تقوى، وخوف من الله يثمن العواقب؛ والثاني دمَّر حياة ابنته، وجعلها تعيش مع زوجها في بؤس، وديون، وضيق حال؛ فينظر الزوج إلى زوجته في كل حين أنها سبب إفلاسه، ومكمن فقره، ومنشأ همه وغمه، فربما لا يجد حلاً لذلك وعقوبة لها إلا طلاقها.

أيها الناس: ألا وإن من أعظم أسباب الطلاق الزوجة الثانية. نعم، الزوجة الثانية! ولست أتعرض لحكم التعداد، فإن رب العزة والجلال قد حكم أمره: (فَنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء مَثْنَى وَثُلَـاثَ وَرُبَاعَ) [النساء:3]. ولكنني أقصد ما يفعله بعض الرجال، إذا تزوج الثانية نسي الأولى وأبناءها وجميل صنيعها معه، وكأنه لم يتزوج قط، فهو راغ وزاغ مع الثانية؛ حتى أصبح العدل ليس معروفاً في قاموسه، فالدلال والحب، والنزهة والرعاية، والبسمة والوجه المتهلل للثانية، أما الأولى فليس لها إلا الوجه العبوس، والإهمال والتهميش، ثم الطلاق، وربما التشريد لها وللأبناء. تذكر فقط: (فَنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء ونسي فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوحِدَةً) [النساء:3]. نسي: (فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَلْمُعَلَّقَةِ) [النساء:129].

أيها المسلمون: الأسباب كثيرةٌ كثيرة؛ ولكن أهم ما يطرح في موضوع الطلاق هو: مَن الضحية؟ من الخاسر؟ من الذي تقع عليه كل سلبيات الطلاق؟ إذا أردتم الإجابة فادخلوا دور الأحداث! دور المجرمين الصغار واسألوهم كيف أصبحتم مجرمين؟ اسألوه: أين والدك؟ وأين والدتك؟ ألم يربيانك؟.

إذا أردتم الإجابة اسألوا الأرصفة، اسألوا أصدقاء السوء كيف يجدون فرائسهم؟ اسألوا دور رعاية الأيتام، اسألوا المستشفيات النفسية، اسألوا الراسبين في الدراسة والراسبات، اسألوا مرتادي الليالي المظلمة، اسألوا مستنقعات المخدرات وغياهب السجون، اسألوا التشرد والضياع، والهم والغم، والفاقة والحاجة، والقلق، كلهم سيقولون: إن الخاسر الوحيد في عملية الطلاق هم الأبناء.

إذا رأيتم طفلاً مهموماً لا يملك إلا إخفاء حزنه بكفه ليضعه على خده فاعلموا أن الأب جنى عليه بكلمة الطلاق، إذا رأيتم طفلاً أخذ يبحث عن الحنان والعطف بين أحضان أصدقاء السوء وأهل اللهو والفجور فاعلموا أن الأب جنى عليه بكلمة الطلاق، إذا رأيتم طفلاً ملت منه كراسي الدراسة لبلادة ذهنه وعدم فهمه فاعلموا أن والده جنى عليه بالطلاق، إذا رأيتم شاباً ضاع هدفه، وتاه أمله، ولم يجد بُداً من الهرب من واقعه إلا بالمخدِّرات فاعلموا أن والده جنى عليه بالطلاق. لست أقول: إن الشاب إذا وقع في المخدرات والضياع والفشل الدراسي والتشرد لا سبب لذلك إلا الطلاق، ولكني أقول: إن من الأسباب الرئيسة لكل ذلك هو الطلاق.

الأب هو الجاني! نعم؛ لأن العصمة بيده، والعقدة بيده، لم يصبر، واختار سعادته على سعادة أبنائه، واختار راحته على راحة أبنائه، واختار فراق الأم في ساعةٍ الأبناء أحوج ما يكونون فيها إلى لـمّ شمل الأسرة؛ أصبح الطفل في هذه الأسرة الممزقة غريباً مهموماً شريداً، إذا دخل المنزل جالت عيناه في أرجاء البيت بحثاً عن أمه، وتلكأت كلماته لنداء أمه، فلم يجد بداً من السماح لدموعه أن تعبِّر عن ألم نفسه. ألا فاتقوا الله في الأبناء! ألا فاتقوا الله في الأبناء!.

نحن في مجتمع تحيط به السلبيات من كل جانب، فكيف هي حال من تدمرت أسرته، وانهارت أركانها، وتدمرت مراكز الحصانة والحماية لديه؟ لا أعتقد إلا أنه سيكون واحداً ممن يغوص في غياهب ظلمة، ومستنقعات الضياع والرذيلة، والسبب هو الطلاق.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:
 

 

 

 

أما بعد: إليك أخي المسلم الطرق التي تبعدك عن الوقوع في الطلاق:

- أخرج من المنزل عند اشتداد الخلاف ولا تترك للشيطان فرصة للوصول لمبتغاه.

- لا تتصلب في رأيك وتعتقد أن الرجولة تظهر في ذلك.

- لا تستثيرك الزوجة عند طلبها للطلاق، ولا تمكِّن أهل السوء والغباء، وأهل الجهل وعدم الحكمة من أهل الزوجة أن يستثيروك فتطلق.

- احترم والدتك ووالدك، وبرهما، وتَذلَّلْ لهما؛ ولكن لا تسمح لهما أو لغيرهما أن يدمروا حياتك الزوجية بالتدخلات في الحياة الخاصة.

- إذا قررت الطلاق فلا تنفِّذ وقت القرار، بل أرجئ التنفيذ إلى أسبوع أو أكثر.

- استشر أهل الصلاح والحكمة.

- وأخيراً: تذكَّر الأطفال، تذكر الأبناء، ما مصيرهم؟ تذكر غربتهم في بيتك، وغربتهم في بيت أمهم، تذكر عدم استقرارهم.

- اعلم أن حالة اليتيم النفسية أخف بكثير من حال من افترق والداه بالطلاق.

- اعلم أن الضحية الوحيدة هم الأبناء، ربما تجد خيراً منها وتجد هي خيراً منك، ولكن الأبناء لن يجدوا!.