النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | حمد بن إبراهيم الحريقي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
إن الرياء يفرّغ العمل الصالح من آثاره الطيبة، فالمرائي حينما يؤدي الصلاة فإنما يؤديها بحركات فقط فيتقنها ويزينها لأن أعين الناس تنظر إليه، ولكن قلبه لم يعها ولم يستحضر حقيقتها ولم يستشعر عظمة الله -جل وعلا- الذي هو بين يديه، ولذلك لم تترك الصلاة أثرها في قلبه وعمله، فالرياء شر وبلاء يبطل العمل ويصيره هباءً منثورًا. إن الرياء والسمعة يورثنا الذلة والصغار، ويحرمان ثواب الآخرة ..
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، واعلموا أن منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة والله خبير بما تعلمون.
أيها المسلمون: لقد تحدثت في الجمعة الماضية عن الإخلاص وأحوال المخلصين وآثار الإخلاص، واليوم نتكلم عن ضد الإخلاص الذي هو الرياء، وخطره وضرره.
عباد الله: اعلموا -وفقني الله وإياكم للإخلاص في الأقوال والأعمال- أن الرياء مشتق من الرؤية، كما أن السمعة مشتقة من السماع والاستماع؛ حيث يريد المرائي والمسمع أن يراه الناس ويسمعونه، فهو يطلب حظ نفسه من عمله في الدنيا لينال الحظوة عند الناس، فأعماله لغير الله تعالى.
أيها المسلمون: إن الرياء هو الشرك الخفي الذي هو أخطر على المسلمين من فتنة المسيح الدجال؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟!"، فقال الصحابة -رضي الله عنهم-: بلى، فقال: "الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل".
عباد الله: إن الرياء يفرّغ العمل الصالح من آثاره الطيبة، فالمرائي حينما يؤدي الصلاة فإنما يؤديها بحركات فقط فيتقنها ويزينها لأن أعين الناس تنظر إليه، ولكن قلبه لم يعها ولم يستحضر حقيقتها ولم يستشعر عظمة الله -جل وعلا- الذي هو بين يديه، ولذلك لم تترك الصلاة أثرها في قلبه وعمله، فالرياء شر وبلاء يبطل العمل ويصيره هباءً منثورًا.
أيها المسلمون: إن الرياء والسمعة يورثنا الذلة والصغار، ويحرمان ثواب الآخرة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "من سمّع الناس بعمله سمّع الله به مسامع خلقه، وصغره وحقره". رواه الطبراني.
قال الحق -جل وعلا-: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) [الشورى: 20].
عباد الله: ضروب الرياء كثيرة، وشوائبه خطيرة، من ذلك: أن يترك الإنسان المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح من مجاهدة النفس؛ حيث يجد لذة القبول عند الخلق ونظرهم إليه بعين الوقار، فيظن أنه من المخلصين، ولكنه في الحقيقة من المنافقين المرائين، وهذه المكيدة العظيمة والداء الدفين لا يخلص من شراكه إلا من عرف ربه حق المعرفة، فأحبه وعظمه، وأحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله وعادى في الله، فعسى أن يكون من المخلصين.
ومن ضروب الرياء: أن يريد الإنسان بعبادته وجه الله، فإذا اطلع عليه الناس نشط في العبادة وزينها؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم وشرك السرائر"، قالوا: يا رسول الله: وما شرك السرائر؟! قال: "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه". أخرجه ابن خزيمة.
أيها المسلمون: ومن أحوال الرياء والسمعة ما يكون على البدن أو في اللباس أو القول أو العمل، كإظهار النحول في الجسم والاصفرار في الوجه؛ ليوهم من رآه بأنه قليل الأكل، وأنه يجاهد نفسه في العبادة، وقد يرائي الإنسان بإطالة القيام في الصلاة وإظهار الهدوء في المشي وتنكيس الرأس وخفض الصوت ولبس الثياب الغليظة والملابس الخاصة؛ ليعده الناس من الزهاد والعباد أو من العلماء.
وقد يكون الرياء عند أهل الدنيا، وذلك كأن يرائي الإنسان بإظهار السمن وصفاء اللون وانتصاب القامة وحسن الوجه ونظافة البدن والتشدق في القول؛ ليدل الناس على فصاحته، ويرائي بثيابه النفيسة الغالية، ومركبه الحسن، وأثاث بيته الفاخر، وغير ذلك مما يسبب له الاختيال والتبختر.
وليعلم الجميع أن الرياء من صفات المنافقين الذين قال الله عنهم: (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَوةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:142].
المنافقون -جنبني الله وإياكم طريقتهم ومنهجهم- يراؤون الناس في عبادتهم وصلواتهم ونفقاتهم، ولا يذكرون الله إلا رياءً وسمعة عياذًا بالله، ولو لم يكن في الرياء إلا أنه من صفات المنافقين لكان جديرًا بك -أيها المسلم- أن تحذره، فكيف وهو محبط للعمل.
أيها المسلمون: إن من أسباب الرياء: حب الجاه الذي هو ارتفاع المنزلة في قلوب الناس، ومن غلب على قلبه حب هذا صار مقصور الهم على مراعاة الناس، شغوفًا بالتردد عليهم والمراءاة لهم، وذلك بذر النفاق وأصل الفساد؛ لأن من طلب المنزلة في قلوب العباد اضطر أن ينافقهم ليتوصل إلى اقتناص قلوبهم، وهذا باب غامض يرجع إلى ثلاثة أصول: حب لذة الحمد، والفرار من الذم، والطمع فيما في أيدي الناس.
واعلم -رعاك الله- أن الحرص على طلب الجاه إما أن يكون من قِبَل الدنيا أو من ِقَبل الدين، فإن كان من قِبَل الدنيا كطلب الإمارة والرئاسة لإدارةٍ ونحوها فإنه يُمنع خير الآخرة؛ قال سبحانه: (تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَلْعَـاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83].
وقلَّ أن يوفق من طلب ذلك، بل يوكل إلى نفسه، ولذا ترى كثيرًا من هؤلاء يحبون أن يحمدوا على أفعالهم ويثنى عليهم بها، وقد يطلبون من الناس ذلك، وقد يظهرون بعض الأمور الحسنة ليمدحوا عليها، وهو تزوير وتمويه.
أيها المسلم: لا يغرنّك تقلب المرائين في البلاد وتسلطهم على العباد، فإن ذل المعصية في قلوبهم ورقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
عباد الله: وأما إن كان طلب الجاه من قِبَل الدين -كالعمل والعلم والزهد- فالأمر خطير؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة -أي ريحها- يوم القيامة".
ولهذا كان أول الناس عذابًا في الآخرة عالم لم ينفعه الله بعلمه، وهو من أشد الناس حسرة وندامة يوم القيامة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ثلاثة -فذكر الحديث إلى أن قال- ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت؟! قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار". الحديث رواه مسلم.
أجارني الله وإياكم من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الرياء محبط للأعمال، وسبب لمقت الله، فجدير بك -أيها المسلم- أن تعالج نفسك منه، وذلك بمعرفة حقيقة التوحيد التي تتضمن عظمة الله تعالى، فإذا علمت أن الله وحده هو الذي يضر وينفع متى شاء، طرحت من قلبك الخوف من ذم الناس والطمع في ثنائهم، وكذلك إذا علمت أن الله سميع بصير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، طرحت مراقبة الخلق وأطعت الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وحسبك -أيها المسلم- اطلاع الله عليك، واعلم أن الناس لن يغنوا عنك من الله شيئًا، واعلم أن الشيطان هو منبع الرياء، فاستعن على طرده بالاستعاذة بالله منه، واكتم عملك عن الناس، فلا تجعلهم يطلعون على أعمالك الصالحة، وإياك وحب الظهور؛ فإنه يورث الغرور، ويقصم الظهور، أما شعائر الإسلام الظاهرة فلا بد من إظهارها، ولا يمكن إخفاؤها، كالحج والعمرة والجمعة والجماعة وغيرها.
فالإنسان لا يكون مرائيًا بإظهارها؛ لأن من حق الفرائض الإعلان بها؛ لأنها أعلام الإسلام، وشعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار، ولكن يحذر من الرياء فيها بعد أدائها.
أما إذا كانت العبادة تطوعًا فحقها أن تخفى؛ لأنه لا يلام الإنسان بتركها ولا تهمة فيها، فإن أظهرها قاصدًا بالإظهار أن يراه الناس فيمدحوه ويثنوا عليه فهو رياء، وكل عمل يأتي به الإنسان وهو لا يريد بفعله وجه الله فهو رياء، وهو من الشرك عياذًا بالله.