البحث

عبارات مقترحة:

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

تخاذل المجتمع

العربية

المؤلف مبارك بن عبد العزيز بن صالح الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. ما نعانيه من صور مأساوية للتخاذل .
  2. أسباب التخاذل .
  3. الآثار المترتبة على الفرد والمجتمع من التخاذل .
  4. سمات الشخص المتخاذل .
  5. صور التناصر .
  6. اتخاذ الغرب من التناصر وسيلة لنشر كفره .

اقتباس

أهذا الذي يريده الله تعالى منا أن تتقطع بيننا عرى التعاون، وتتفصَّم فينا روابط التناصر، فيكون كل منا في فلك يسبح، لا يعنى بأخيه، ولا يهتم بشأنه؟! ما هذه الأثرة التي نجدها في أنفسنا اليوم؟ إذا جاءني حقي فحقوق الناس لا تعنيني، إذا كنت غنياً ففقر الناس لا يهمني، إذا كنت آمناً شبعانَ فغيري من الناس لا أعبأ بحاله ولا أوضاعه ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: من عظمة هذا الدين، ومن ركائز الإخاء الإسلامي المتين، خلق جليل لا يكاد يقوم به في هذا الزمن إلا القليل، كل منا يحتاج إليه، ذلكم الخلق هو خلق التناصر، والسعي بيننا في القيام بحاجات إخواننا حين يحيط بهم مكروه، وينزل عليهم بلاء.

فعن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- أخبر أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج اللّه عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة".

أرأيتم عظمة الروابط بيننا في هذا الدين؟ ولكن الذي نشاهده اليوم غالبا على حياتنا، وطابعاً على مجتمعنا، هو التخاذل لا التناصر، والشماتة لا المعاونة، والازدراء لا الإغاثة؛ فكأن كل مسلم لا صلة له بأخيه، ولا حق له عليه.

يا الله! أهذا الذي يريده الله تعالى منا أن تتقطع بيننا عرى التعاون، وتتفصَّم فينا روابط التناصر، فيكون كل منا في فلك يسبح، لا يعنى بأخيه، ولا يهتم بشأنه؟! ما هذه الأثرة التي نجدها في أنفسنا اليوم؟ إذا جاءني حقي فحقوق الناس لا تعنيني، إذا كنت غنياً ففقر الناس لا يهمني، إذا كنت آمناً شبعانَ فغيري من الناس لا أعبأ بحاله ولا أوضاعه.

إننا نعيش صوراً مأساوية من التخاذل على مستويات متعددة على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الجماعات، وعلى مستوى الدول، وعلى مستوى الأمة كلها؛ والذي يقعدنا عن ذلك مصابٌ في قلوبنا جلل، وبُعدٌ عن امتثال حق الله تعالى في ذلك.

إن علينا أن نطهر هذه القلوب، ونتفحص أدواءها وعللها التي أقعدتنا عن القيام بما أوجب الله تعالى من نصرة إخوتنا ومعاونتهم، أياً كانوا؛ فكم من مسكين ضائق به الحال لا ينظر إليه الناس! وكم من قليل الحيلة قد حبست أوراقه في بعض الدوائر لا يعرف سبيلاً لأخذ حقه! وكم من عامل أخرت أجرته وأكل حقه!.

إنَّ العبد حين يكون مع ربه لا يرجو إلا إياه، ولا هم له إلا القيام برضاه، متوكلاً عليه؛ فإنه يثب كل حين لمناصرة المظلوم أيا كان؛ لأنه يعلم حقيقة قوله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160]. وحين يقعد عن المناصرة فليبحث في قلبه ليجد أن هناك في القلب حباً وأثرة كان بها مَذْمُوماً مَخْذُولًا.

إن التخاذل سيما أهل الكفر والضلال، والنفاق والشرك، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [الحشر:11-12]. فما بالنا اليوم نقع فيما وقع فيه المنافقون من قبل؟

أيها المسلمون: إنَّ خذلان المسلم، وترك نصرته ومعاونته، يعرض المسلم لخذلان الله تعالى له في أحلك الظروف وأقسى المصاب، فعن جابر وأبي طلحة الأنصاريّ- رضي اللّه عنهما- قالا: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ يخذل مسلما في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عرضه، ويُنْتَهَكُ فيه من حرمته، إلّا خذله اللّه في موطن يحبّ فيه نصرته".

يا الله! ليس ذلك المسلم هو الذي يخذله، ولا الخَلق، إنما الذي يخذله هو الله تعالى -عياذا بالله-، ومن يخذله الله -فوَرَبِّي!- لو استنصر بكل الخلق أجمعين ما نفعوه! بل فوق ذلك يذله ويهينه وهو أحوج ما كان، وذلك يوم القيامة، فعن سهل بن حنيف عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "مَن أُذلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذلّه اللّه- عزّ وجلّ- على رؤوس الخلائق يوم القيامة".

بينما كان وعد الله تعالى لمن وفى بالنصرة والمعاونة بأن يكون الله معه، ويأخذ بيده في كل ضيق، قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: "وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته، إلّا نصره اللّه في موطن يحبّ فيه نصرته".

أيها المسلمون: إن صور التناصر في الدين واسعة، ليست محصورة في المقاتلة معه، بل في كل موقف يحتاج معونة أخيه، وفي صورة شامخة يجعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- من نصرة أخيك أن تكفه عن المظالم، وتحجزه عن المآثم؛ فعن أنس-رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، قالوا: يا رسول اللّه! هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تأخذ فوق يديه".

وفي وعيد شديد -ما أحوجنا أن نتدبره ونعيه! ونحن نشاهد رجالا منا كيف يبحثون عن مناصبهم، ويأخذون الرياسات على أكتاف إخوانهم المسلمين بظلمهم، وأكل حقوقهم، وسلب أموالهم!- عن المستورد أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن أكل برجل مسلم أكلة فإنّ اللّه يطعمه مثلها في جهنّم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنّ اللّه يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء، فإنّ اللّه يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة"، يا الله! أين هذا من أقوامٍ لا يفترون عن الطعن في إخوانهم؟ ولا يكفون عن حقوق الضعفاء. ألِأجْلِ مالٍ يستغني به؟ ألا إنَّ ربهم لهم بالمرصاد!.

على العبد منا أن يحذِّر كل إنسان من أن يُقِعد إخوانه عن نصرة أخوانهم ومعاونتهم، فإنه بذلك يكون ولياً للشيطان، شبيهاً بأهل النفاق، الذين لا يزيدُون المؤمنين إِلَّا خَبالًا، والْمُعَوِّقِينَ عن كل خير؛ إن لنا إخوانا كثيرين في مشارق الأرض ومغاربها ينالهم ظلم الكافرين، واعتداء الطغاة الظالمين، ثم لا يجدون لهم منا نصيراً حتى بالدعاء، وإن لنا هنا إخواننا بين فقير معدم، وذي عائلة مسكين، وعاجز، وأرملة، وغريب، ونحو ذلك، ولا يجدون منا نصيراً، وإنما خذلاناً، فليهبَّ كلٌّ منا ما استطاع إلى نصرة أخيه.

أيها المسلمون: إن هذا التخاذل الذي نراه يعرضنا لبغض اللّه تعالى لنا، ويجعلنا عرضة لأليم عقابه، وما تسلط الكافرين، وتتابع الأزمات واتساعها علينا، إلا لما فينا من تخاذل أليم محزن.

حين يكون التخاذل صبغة مجتمع فإنه تتفكّك عراه، ويتهدم بنيانه، ويصبح لقمة سائغة للناهبين، وقصعة هنيئة للمعتدين، وهذا ما نجده؛ ولذا فإن الكفار اليوم لا يستطيعون أن يصلوا إلى مجتمع مسلم إلا بعد أن يتفكك أهله ويصبحوا شيعاً.

التخاذل صفة ذميمة في النّفس، ونقص في المروءة، لا تليق بالرجال ذوي المروءات، مَن فعله كان سبّة في مجتمعه، منبوذا في عشيرته؛ هذا التخاذل شاهد على تبلّد الوجدان، وموت الضّمير -عياذا بالله-.
إنَّ للتناصر لذةً لا يجدها مخذولٌ محروم من نصرة الحقّ، ومن الأخذ بيد المظلوم .

أيها المسلمون: هذا التناصر يشمل كل مظلوم أياً كان، حتى ولو كان كافراً فيجب نصرته حتى يأخذ حقه، فكيف بنا اليوم لا نناصر إلا مَن نعرف، وكان له بنا رابط نسب أو نحوه، ونترك نصرة إخواننا ممن لا نعرف ومَن جاء من مكان بعيد.

إن واجب النصرة لا يقف عند حدود الجنسيات، ولا تحبسه اللغة، ولا تقيده السحنة؛ فكل مظلوم له علينا حق النصرة، ولقد بات الغرب اليوم يسعى إلى نصرة المظلومين، كما يزعم، ونحن أحق به، ونصرته لهم اتخذها مطيَّةً لنشر كفره وإلحاده في العالمين .