البحث

عبارات مقترحة:

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

حرب الأعداء (2)

العربية

المؤلف سعيد بن عبد الباري بن عوض
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. تعدد الزوجات شريعة معروفة عند الأمم قبل الإسلام .
  2. الإسلام يقر هذه الشريعة ويضع ضوابطها .
  3. الإٍسلام راعى فطرة الإنسان وحاجته فأباح التعدد .
  4. تعدد الزوجات علاج لظاهرة العنوسة .
  5. صور أخرى من مؤامرة الأعداء على المرأة .
  6. رفض تعدد الزوجات ومناقشة أنوع من الحرب مع الله .

اقتباس

ولما جاء الإسلام وأباح التعدد حدّده بأربع ورفع الظلم عن المرأة. ويجب أن نعلم -عباد الله- أن الله -عز وجل- عندما أباح التعدد حرم الظلم، أما اليوم فقد اقترن التعدد بالظلم. وهل هذا عيب في ديننا أم هو عيب في المسلمين الذين أخطؤوا في تطبيق شرع الله؟! إن الذين يتزوجون الثانية والثالثة والرابعة ثم يظلمون لا يطبقون أمر الله ..

 

 

 

 

إن أعداء الإسلام قد شككوا في دين الله -عز وجل- من خلال بعض قضايا المرأة، وقد أشرنا إلى بعضها فيما سبق ونشير اليوم إلى بقيتها.

اعلم -وفقك الله- أن مما أثاره أعداء ديننا من كفار ومنافقين قضية تعدد الزوجات.

ولقد وجد التعدد في الشرائع السابقة وفي المجتمعات البشرية القديمة، فوجد عند اليهود والنصارى كما وجد عند الصينيين والبابليين والآشوريين والهنود وغيرهم.

كما كان التعدد عند العرب قبل الإسلام إلا أنه تبرز فيه ناحيتان:

الأولى: أنه لا حد له، والثانية: المرأة تتعرض فيه للظلم.

ولما جاء الإسلام وأباح التعدد حدّده بأربع ورفع الظلم عن المرأة.

ويجب أن نعلم -عباد الله- أن الله -عز وجل- عندما أباح التعدد حرم الظلم، أما اليوم فقد اقترن التعدد بالظلم.

وهل هذا عيب في ديننا أم هو عيب في المسلمين الذين أخطؤوا في تطبيق شرع الله؟! إن الذين يتزوجون الثانية والثالثة والرابعة ثم يظلمون لا يطبقون أمر الله.

إننا يجب أن نعلم ونوقن أن الله -عز وجل- حكيم خبير، وقد ذكر الله ذلك في مواضع كثيرة من القرآن.

إن المؤمن منا لا يقبل أن يناقش في قضية التعدد من حيث ثبوتها؛ لأنها قد ثبتت في القرآن، ولا من حيث صلاحيتها للمجتمع ونفعها؛ لأن الذي شرعها هو الحكيم الخبير. فهل يشك مسلم مؤمن في حكمة الله؟! كلا إنه كفر.

إذا فكيف يرضى مسلم أن يناقش هذه القضية وأن توضع كما يقولون على طاولة البحث للنظر في صلاحيتها؟! كيف يكون ذلك والله -عز وجل- قد قرر ذلك منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا فقال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) [النساء: 3].

إنها والله قضية من أخطر القضايا، أن نجر من حيث نشعر أو لا نشعر إلى نقاش لا يحق لنا الخوض فيه.

هناك ضرورات من جانب الرجال قد تدعوهم إلى التعدد، كأن يجد الرجل زوجته عقيمًا، فهل إذا تزوج طلبًا للولد يكون خائنًا؟! لا شك أن هذا لا يقوله عاقل، أو قد تكون المرأة مريضة أو ناشزًا، أو أن تكون غير كافية لقضاء وطره، فهل الأفضل لمثل هؤلاء الزوجات أن يتزوج أزواجهن بزوجات ثانية أم يطلقونهن ثم يتزوجون غيرهن؟!

كما أن هناك حاجة وضرورة من جانب النساء، فالملاحظ أن عدد النساء يفوق بصورة مطردة عدد الرجال في أكثر المجتمعات، ولكي تحفظ للمرأة كرامتها وعفتها فلابد من التعدد.

إن المجتمع اليوم يمتلئ بالشابات العوانس اللاتي تجاوزن سن الزواج، وكثير منهن يعتصرها الألم ويلفها الحزن وهي ترى عقارب الزمن تمضي دون أن يتقدم إليها من يطلبها.

وإذا كانت هناك بعض الفتيات يرددن ببلاهة ما تنعق به غربان السوء في مضار التعدد وهن في أعماقهن يتُقن إلى الزواج؛ لأنه حاجة فطرية، فإن هناك الكثير من الفتيات يتمنين نصف الزوج وربع الزوج إن صح التعبير.

ولو فكرنا قليلاً لرأينا كيف يمثل تكدس البنات في البيوت بلا زواج من خطر، إنه خطر لا يعلمه إلا الله.

وأما قضية الظلم التي يحدث من المعددين للزوجات فليس ذلك ذنب الإسلام؛ لأن الإسلام قد حرّم الظلم، بل وتهدد من ظلم في هذه القضية أن يأتي يوم القيامة وشقه مائل، فعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". رواه أبو داود.

ومن القضايا التي يطرحها أعداء الإسلام قضية الحجاب.

وهذه القضية قد أقلقت راحتهم وأقضت مضاجعهم، فتراهم لا يهدأ لهم بال ولا يفترون عن الكلام عنها ذمًّا وقدحًا.

يصفون الحجاب بأنه حبس للمرأة، وأنه تخلف ورجعية، وأنه دلالة على عدم صفاء قلوب الذين يطالبون به.

ويقولون بأن المرأة العفيفة لا تحتاج إلى الحجاب، وأن حجابها هو حياؤها. وهذا من أعجب العجب!!

وهل يبقى للمرأة حياء إذا خرجت متكشفة متبرجة أمام الرجال؟! هذا ما لا يقبله العقل، لكن أعداء الله يكذبون ويخادعون لكي يصلوا إلى ما يريدون وهو إفساد المرأة.

ولو أنهم آمنوا بالله وبرسوله لعلموا أنه أمر الله الذي أمر به المرأة المسلمة فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الآية [الأحزاب: 59].

إنه أمر الله وليس أمر أحد من البشر، فهل يصدقهم بعد ذلك مؤمن؟!

ثم بعد ذلك ينادون بالاختلاط -وأعداء الإسلام أذكياء يخططون شيئًا فشيئًا- فيطلبون من المرأة أولاً نزع الحجاب، ثم يطلبون منها الخروج مع الرجال ومخالطتهم، وتلك هي خطوات الشيطان، وقد حذرنا الله منها في غير موضع من كتابه فقال: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 168].

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله الذي اهتدى بهديه ورحمته المهتدون، وضلّ بعدله وحكمته الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده، وتركنا على المحجّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وأتباعه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله: فهذه بعض القضايا التي أثارها أعداء الإسلام من كفار ومنافقين، وهناك غيرها من القضايا لا نريد الإطالة بذكرها كمثل قضية الطلاق وقضية الميراث وديّة المرأة وغيرها من القضايا.

لكننا نقول: إننا مؤمنون بأن الله -عز وجل- الذي شرع هذه الأمور لنا هو الحكيم الخبير العليم اللطيف؛ قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]، يعلم -سبحانه وتعالى- ما يصلح لعباده وما يفسدهم؛ قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14]، وهو الحكيم سبحانه فيختار لهم بحكمته ما فيه خيرهم وصلاحهم ولا يمكن أن يشرع لهم أمرًا فيه ضرر.

أيها المؤمنون: إن إيماننا بذلك يقطع الطريق على أولئك المشككين من أعداء هذا الدين، ولا يمكن أن يصلوا إلى ما يريدون في تشكيكنا في كتاب ربنا ما دمنا مؤمنين موقنين بحكمته -سبحانه وتعالى-.

والحكيم هو الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب.

وقال ابن كثير -رحمه الله-: "الحكيم في أفعاله وأقواله فيضع الأشياء في محالها بحكمته وعدله".

عباد الله: إن الذين يرضون بأن يناقش كتاب الله وما فيه من أوامر وأحكام صادرة عن الله -عزّ وجل- لم يفقهوا ذلك، وقد وقعوا في خلل كبير من حيث يشعرون أو لا يشعرون. إن المؤمن يرفض ذلك.

نعم، فمن ذا الذي يتجرأ على البحث في قضية تعدد الزوجات مثلاً من حيث صلاحيتها أو عدم صلاحيتها، وهي قضية قد حكم فيها ربنا من فوق سبع سماوات وأباحها لخلقه فقال: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) [النساء: 3].

وعلى ذلك فَقِس، كل من يريد مناقشة قضايا قد قررها الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. فماذا يقول لربه -تبارك وتعالى- يوم القيامة إذا أوقف بين يديه؟! هل شك في عدل الله أو شك في رحمة الله بعباده؟!

عباد الله: يجب أن نفهم جيدًا وأن نعي جيدًا أن القضية ليست قضية حجاب ولا ميراث ولا تعدد، وإنما هي حرب بين الإيمان والكفر، وأنهم لا يريدون منا أن نقف عند هذا الحد، بل يطمعون في إخراجنا من ديننا بالكلية، نعم هذا ما يريده أعداء الإسلام.

إنها حرب على الإسلام وأهله، وإننا والله لو وافقناهم في كثير مما يقولون فلن يرضوا بذلك، ولن يكفيهم إلا أن نكون مثلهم عياذًا بالله.

قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].

إذًا فلو تركنا التعدد، ولو جعلنا النساء يخرجن بغير حجاب، ولو فعلنا ما فعلنا، فلن يهدأ لهم بال، ولن يطمئنوا حتى نصبح مثلهم، قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89].

وهكذا يجلي لنا ربنا القضية بكل وضوح ليتبين ما يريده منا أعداؤنا.