البحث

عبارات مقترحة:

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

هل الابتعاث خطر؟

العربية

المؤلف سعد بن ناصر الغنام
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. فوائد الابتعاث السليم .
  2. الآثار الخطيرة المترتبة على الابتعاث .
  3. رهان الغربيين والمستغربين على المبتعثين لتغيير المجتمع .
  4. رأي العلماء والدعاة والمفكرين في الابتعاث .
  5. ضوابط هيئة كبار العلماء للابتعاث .
  6. بعض الأفكار الصحفية السيئة لكتاب مستغربين .

اقتباس

الآثار الاجتماعية لعلك تراها في الصحافة الخبيثة، ترى حفلات التخرج مع بعض المسئولين -مع الأسف- وهن سافرات بملابس فاجرة مع الشباب، جالسين مع بعض كأنهم من أسرة واحدة! وهذا كما نشرت الصحف المحلية أكثر من مرة؛ لكي يصبح طبيعيا في بلدنا، ومشروع الاختلاط يدفع من أبناء أفراخ الغرب الذين تربوا في أحضان الغرب يدفع بقوة في مدارسنا وفي مستشفياتنا ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

كنت في حوار مطول بالأمس مع أشقائي وإخواني المتعلمين تعليما عاليا، تلقوا دراسات متقدمة في الغرب، في أمريكا وفي بريطانيا وفي بعض البلاد الأوربية، ستة منهم مهندسون أخذوا البكالوريوس من هذه البلاد الطيبة، ثم تسلحوا بالعلم، ثم رجعوا يخدمون بلدهم في تخصصات مهمة، وتقنيات عالية.

كنا نتحاور من أجلكم، من أجل أن نقدم شيئاً للمسلمين، وليست فقط القضية أن الخطبة أخذت من هذا الحوار، لا! هي معاناة تحدثنا عنها من أشهر، وقراءة، سواء في الكتب المطبوعة أو المواقع الالكترونية أو المقالات، سواءً الخبيثة أو المتوسطة أو الرائعة.

كانوا يقولون بأن الابتعاث كان على أسس صحيحة، ذهبوا متزوجين متعلمين تعليماً شرعيا، معتزين بشخصياتهم، رجعوا معتزين بدينهم، نافعين لبلدهم.

بينما قُدر لي أن أخوض حواراً مع أحد العلمانيين في أحد المجالس، وكان يحضر هذا المجلس في الرياض مجموعة من التجار والمتعلمين والمثقفين، وكنت أجتهد لإيصال خطورة الابتعاث لوجه الكالح الأخير، ويأبى هذا المتأثر بالعلمانية إلا أن يتكلم عن وجه الابتعاث المشرق، وأن هذه سلبيات بسيطة تنغمر أمام المصالح.

كان أحد المسؤولين في الخارجية مسئولا كبيراً دكتوراً، حاضرا منصتا للحوار، ثم تدخل في هذه النقطة وقال: أما قولك إن له آثاراً سلبية مغمورة فالأرقام عندنا في الخارجية، والإحصاءات المخيفة في ملفات معروفة؛ فَأَسْكَتَهُ، (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر:14].

إخواني في الله: الابتعاث له جوانب مشرقة، وقد ذهبت إلى إخواني، سواء في الله، أو إخواني أبناء أمي، إلى أمريكا وأوروبا أكثر من مرة، ذهبت إليهم، ورأيت الأنشطة والتجمعات الطيبة في فترة الابتعاث المتوسط قبل الدفعات الأولى الكسيحة، أما الدفعات الأخيرة الهزيلة المراهقة فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شرها!.

قال أحد الليبراليين من مدة بسيطة في قناة دليل: نحن لا نراهن على هذه العقول المتحجرة هنا، نراهن على أكثر من مائة ألف طالب مبتعث يرجعون يغيرون العقليات المتكلسة المتربية على هذه المناهج في هذه البلاد.

إخواني في الله: آثار الابتعاث كثيرة وكثيرة جداً، أثار الابتعاث العقدية إضعاف بل ربما محو عقيدة الولاء والبراء التي خطبنا عنها خطبة من مدة يسيرة بكاملها، وهي أصل، بل أي أصل من أصول العقيدة؟!.

لذلك صح عنه -عليه الصلاة والسلام- في الحديث: "من جامع المسلم وسكن معه فهو مثله" رواه أبو داوود، "أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" رواه الترمذي وأبو داوود وهو حديث صحيح، والأحاديث في هذا كثيرة مشهورة من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.

إذاً فمجانبته من الأصل، والبقاء استثناء، رخصات نادرة في ضوابط شرعية: علم موروث، إيمان قوي يحمي من الشبهات والشهوات.

في مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- تعالى: "لا يجوز للمسلم السفر إلى بلاد المشركين والإقامة بين ظهرانيهم من غير ضرورة، إلا لعارف بدينه بأدلة شرعية يستطيع الدعوة إليه، والذب عن الشُّبَه التي ترد عليه، ويقوم بأداء الواجبات الشرعية". ذكر هذا في مجموع الفتاوى الشرعية في المجلد الرابع في صفحة 198، وحسبك ابن باز إماماً في هذه الأمة!.

الدكتور علي النملة الذي كان وزير العمل سابقا في هذه البلاد، وهو مختص في جانب الاستشراق والتنصير والشعر الفكري، وله كتابات أكثر من عشرين في هذا الموضوع، يقول في كتاب التنصير: "إنه رأى بعينه... تنصر بعض الشباب المبتعث!".

أخي الدكتور الظفيري قابلته آخر مرة في معرض الكتاب الأخير، وقد قابلني في بعض الندوات في التلفاز، الآن يدرس الدكتوراه في كندا، يكتب الآن رسالته التي أنهاها، يقول في مقابلة له في برنامج "يوم جديد" في قناة المجد: تنصر أربعة مبتعثين العام الماضي، وأن طالباً من زملائه قال: تقنعني بديني وإلا تنصَّرْتُ!.

أخونا الدكتور محمد العريفي: يذكر قصة طالب تنصَّر مع أربعة من زملائه أو خمسة يترددون على الكنيسة الآن كل أحد منذ سبع سنوات؛ بل تحول أحدهم من النصرانية إلى عبادة الشيطان، ذكر هذا في محاضرة اليوتيوب، ارجع لها: "قصة سعودي مبتعث".

وقد ذكر أخونا الدكتور فهد السنيدي الإعلامي اللامع المشهور في مقاله الشهير بعنوان: "عبد الله وليم! حرام يا بلدي!" ذكر قصة هذا الشاب الذي تحول من عبد الله إلى وليم النصراني، وقد كتب أولياء أمور أحد المبتعثين مقالا ذكر فيه أن بعض المبتعثين يتلقون مساعدات مادية ومعنوية من الكنيسة، ذكر هذا في جريدة الجزيرة في 5/8/1429.

وقد ذكر أحد الغربيين المفكرين، ذكر في كتابه "أبناء رفاعة الطهطاوي"، ورفاعة الطهطاوي هو من أول المستغربين اللذين كان يراهن الغرب عليهم وقد غيَّر في مصر من منتصف القرن التاسع عشر من القرن الفائت، يقول في كتابه: "أبناء رفاعة الطهطاوي": لابد من الاستفادة من الليبراليين المقيمين في الغرب الدارسين هناك لمواجهة الإسلام. وقال: إن مصير أبناء رفاعة (أفراخ رفاعة الطهطاوي) رهين بتضامننا، وإن أمننا مرتبط بالمعاهدة مع هؤلاء الأبناء. أمننا يقول! هؤلاء أفراخ رفاعة الطهطاوي، ذكر هذا في صفحة 309.

الناشر الذي نشر الكتاب في مقدمة نشر الكتاب يقول: ألم يحن الوقت (هذا قبل الثورات المباركة ربيع العرب الآن، سبحان الله العظيم!) يقول: ألم يحن الوقت بعد لمساندة هؤلاء الحلفاء التابعين للغرب؟ في الغالب تفضل حكوماتنا التعامل مع الحكام الطواغيت وهذا خطأ فادح من المنظور المستقبلي، الأمر الوحيد القادر على حماية أمننا تحرير المسلمين من الإسلاميين (عن طريق هؤلاء الطلاب)، أن نوجد جيلا جديدا نتعاون معه؛ لأن الرهان على المستقبل الآن قضية شعوب، هذه أنظمة طواغيت تتهاوى كما تتهاوى الأحجار؛ إذاً الرهان ليس التعامل مع الطواغيت -يقول-، الشعوب ستأخذ دورها، إذاً ينبغي أن نسحب البساط من الإسلاميين، وأن نربي أفراخا بعقولنا يتحملون مسئوليات أمننا، والحفاظ على حضاراتنا". هذه جولة بسيطة في الآثار العقدية مرتبطة ببعض الآثار السياسية.

أما عن الآثار الأخلاقية فقد كنت راجعا قبل شهرين أو ثلاثة من لقاء العلماء والدعاة، وكانت الورقة الرئيسة عن الابتعاث، وقدَراً ذهبت أعزي أحد الأشخاص في أمه، فإذا بأحد الشباب من هذه المحافظة يخرج معي وهو رجل عادي ليس متدينا، قال: يا أخ سعد، ممكن تسمع مني قبل أن تغادر؟ قلت له: تفضل، قال: أنا جئت من كندا الآن من أجل العزاء في قريبي، الوضع هناك خطير جداً.

يقول: أنا لست "مطوع"، أنا مسلم. يقول: أأذِّن في رمضان، أرفع الصوت متعمداً حتى نفطر ونسمع صوت الأذان الشجي الندي، وشبابنا مع الفتيات في البلوكونات سكارى مع الغربيات، وبعض الفتيات كذلك!.

ذكرت هنا قبل أشهر دعاية لهذه الخطبة التي تأخرت: سبق الكترونية تذكر خبراً مفزعاً: خمسة آلاف طالب سعودي مبتعث مصاب بالإيدز! إدارة المخدرات في هذه البلاد ترفع طلباً يتضمن إجراء تحاليل طبية عشوائية على الطلاب المبتعثين بعد عودتهم؛ لأنهم متورطون في الإدمان! ذكرت هذا جريدة الرياض في 11/8/1431هـ.

الدكتور الاستشاري ميسر طاهر مشهور المستشار الأسرى والتربوي يقول: إن شابا مبتعثا مدمنا يراجع عنده في العيادة يقول له: إن سبعة من زملائه من مدمني المخدرات! ولذلك يطالب الدكتور الجهات المختصة بمنع الابتعاث بعد الثانوية. ذكر هذا في جريدة الرياض في 28/11/1426هـ، زواج المسفار وانتشاره هناك، شباب وفتيات يتزوجون زواج المسفار لأنهم غير مقتنعين بالزواج المبني على أسس صحيحة، فيتزوجون في بلاد الغرب ويرجعون ملوثين بالأخلاق السيئة.

الآثار الاجتماعية لعلك تراها في الصحافة الخبيثة، ترى حفلات التخرج مع بعض المسئولين -مع الأسف- وهن سافرات بملابس فاجرة مع الشباب، جالسين مع بعض كأنهم من أسرة واحدة! وهذا كما نشرت الصحف المحلية أكثر من مرة؛ لكي يصبح طبيعيا في بلدنا، ومشروع الاختلاط يدفع من أبناء أفراخ الغرب الذين تربوا في أحضان الغرب يدفع بقوة في مدارسنا وفي مستشفياتنا.

الزواج من الأجانب، فبعض الشباب اقترن بأمريكانيات أملا في البقاء بأمريكا؛ لأن كثيرا منهم -بل العشرات، بل المئات- لا يريدون العودة لهذه البلاد، لما رأوا الحرية والديمقراطية لا يريدون أن يعودوا لبلاد متخلفة.

أما عن الآثار السياسية فإن ظهور الحركات الثورية العلمانية، كل -تقريباً- الثورات العربية الفورية من أوساط الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي من يسارية وبعثيه وقومية، تجد قادتها تربوا في الغرب، وعندي أسماء، لكن أنا لا أذكر أسماء، أسماء لكل حركة ثورية، ومجلاتهم، وتجمعاتهم، وقد رأيت في أمريكا في 1995 آثار بقائهم، ولكن الدفعات المتوسطة التي سميتها أمسكت بهذه المراكز بعد فتوى هيئة كبار العلماء في ذلك الوقت؛ لذلك فهؤلاء يُستخدَمون استخباراتياً لتقديم معلومات للغرب عن وضع المسلمين، سواء أشعروا أو لم يشعروا، وبعضهم "يقبِضُ" من الاستخبارات الأجنبية.

السفارة البريطانية تعلن عن منح دراسة للسعوديين من الجنسين، يتقدم لها مائة من الجنسين، تم اختيار ثلاثة عشر طالباً وتسع فتيات، يستقبلهم السفير البريطاني هنا في جلسة مختلطة ويقول بكل وقاحة: هذه البعثة ليست لأننا نحبكم، ولا لأجل عيونكم، هذه هدية من حكومتي البخيلة لعقولكم حتى تكونوا سفراء حضاريين فكريين لأمة الغرب! وقد صاحب الخبر صور المبتعثات السافرات والمبتعثين مع السفير، نشرتها صحيفة الوطن في 17/5/1426هـ.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله رب العالمين وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قبل أن أواصل موضوعي أود أن أشير إلى أربعة كتب رائعة في هذا الموضوع: "الابتعاث تاريخه وآثاره" للدكتور عبدالعزيز البداح، "الابتعاث ومخاطرة" للدكتور محمد الصباغ، "الابتعاث إلى الخارج وقضايا الانتماء والاغتراب الحضاري" للدكتور إبراهيم القعيد، "ظاهرة الابتعاث" رسالة ماجستير من جامعة الإمام، لضياء الدين الأنصاري.

سوف أقرأ عليكم من هذا الكتاب مقولات علماء الإسلام ممن توفوا -رحمهم الله- ومنهم من هو ما زال حيا وأكثرهم أموات، ممن خبروا الابتعاث ورأوا آثاره في بلدانهم، كيف تسلم هؤلاء الأمور الفكرية والسياسية وسلخوا البلد الإسلامي من إسلامه، وأصبحت قوانينه وضعية طاغوتيه، وأصبح مجتمعه ممسوخا. لكن أسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل ربيع هذه الدورات كانسا لعوار أفراخ الغرب وأذناب الغرب.

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي-رحمه الله- المتوفي سنة 1376هـ: "كيف يرضى مَن عنده دين وعقل أن يضع ولده وفلذة كبده ويسلمه لمدراس أجنبية قد عُلم عداؤها لدين الإسلام، بل لجميع الأديان، ولم تؤسس إلا لصد الناس عن دين الله -عز وجل-؟...".


وقال الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله-، مفتي هذه الديار السعودية في زمانه -رحمه الله-1389ه: ـ"والذي أراه يتعين ولا يسوغ العدول عنه هو منع البعثات إلى الخارج بتاتاً؛ سداً لباب الردة والنشء الكفري، وقطعاً لمادة الفتنة، وتمييزاً وتفريقاً بين الحق والباطل...".

يقول محمد الصواف، من علماء العراق، توفي سنة 1413هـ في حديثه عن خطط الأعداء، قال: "إرسال أكبر قدر ممكن من شباب المسلمين وأبنائهم إلى ديار الغرب لينهلوا من ثقافتهم المسمومة هناك ويعودوا إلى ديارهم وقد ودعوا هناك دينهم وخلقهم ومبادئهم، ورجعوا يحملون همَّ الأمانة -أمانة التبشير- بالدين الخبيث، وحرب الرسالة النبوية".

وأوضح الشيخ عبدالرحمن الدوسري وهو من علماء السعودية، توفي سنة 1399هـ -والحمد لله أن خطيبكم قدر له أن يسمع منه مباشرة في بداية شبابه- كان ينفخ عن الليبرالية العلمانية، يقول-رحمه الله-: "ما حققته الماسونية العالمية من تسخير طائفة من أبناء المسلمين ممن تخرج في المدارس الاستعمارية وجامعاتها فصار على ما خططته اليهودية في الميدان الثقافي بكامله". أفراخهم الآن ودعوات الاختلاط والفحش والردة، هؤلاء هم أفراخ الماسونية، وأفراخ الغرب.

وقال الشيخ عبد الله محمد حميد، من علماء السعودية، توفي سنة 1402هـ: "كيف نرضى أن نبعث أولادنا الصغار إلى كلَّاً من أمريكا والبلاد الفُلانية فيقول ولدي ذهب يتعلم؟! يتعلم الكفر! يتعلم الزندقة! يتعلم الانحراف! يتعلم التنكُّرَ لأهله وبلده ودينه". ذكَر مقولةً: "ليس بالضرورة أن يكون نصرانيا، سلخه من دينه هذا هدف كبير".

أنا أتنقل من بلد إلى بلد، حتى لا يقول واحد إنك ضيق الأفق ومحدود النظرة. هذا عبد الله بن زيد آل محمود مفتي قطر-رحمه الله-، في زمانه يتهمونه بأن عنده تساهل وعنده فتاوى متحللة، توفي سنة 1417هـ، يقول في رسالة بعنوان: "رسالة إلى الحكام بشأن الطلاب المبتعثين للخارج" جاء فيها: "التعلم في الخارج محفوف بالأخطار والأضرار، فهو خطر على العفاف والشرف، وعلى العقيدة والأخلاق؛ لكثرة ما يلقونه، ويختلطون بمن ليس على دينهم؛ وإن من الرأي السديد، والأمر المفيد، غَلْق هذا الباب عن سائر الطلاب، لحصول الكفاية التامة للمعلمين من داخل البلاد العربية؛ أما سفر البنات الطالبات إلى الخارج فإنه أشد ضرراً، وأكبر نكراً، فهذه نصيحتي لكم، والله خليفتي عليكم".

ولعكم قرأتم في الصحف الورقية والالكترونية عن الفتاة السعودية التي ماتت ولم يدر أحد عنها؛ لأنها ذهبت بلا محرم! كما ستأتي أقوال المستغربين في دعوى المحرم، وأنها نظرة قديمة عفا عليها الزمن.

الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- مفتي الديار السعودية، توفي سنة 1420هـ، قال: "من أساليب الغزو الفكري ابتعاث أبناء المسلمين إلى الجامعات الأوربية والأمريكية وغيرها، وبعد إكمال دراستهم وعودتهم إلى بلادهم وتسلمهم المناصب الكبيرة في الدولة هم أخطر ما يطمئن إليه المستعمر بعد رحيله، ويضع الأمانة الخسيسة في أيديهم، ينفذونها بكل دقة، بل بوسائل أشد عنفاً وقسوة من تلك الذي سلكها المستعمر، كما وقع ذلك في كثير من البلاد التي ابتليت بالاستعمار، أو كانت على صلة وثيقة به".

نذهب إلى الشرق، إلى الهند، أبو الحسن -رحمه الله- الذي توفي سنة 1420هـ يتكلم -رحمه الله- قائلا: "أكثر هؤلاء الشباب المسلمين الذين تعلموا في الغرب -كما قال- هم طليعة الفكر الغربي، ودعاة متحمسون بتقاليد الحضارة الغربية وقيمها ومفاهيمها وتصوراتها".

الشيخ علي الطنطاوي، المشهور ببساطته -رحمه الله تعالى-، من دعاة الشام -أسأله أن ينصر الشام-! توفي سنة 1420هـ، تكلم عن مخاطر الابتعاث في رسالة، وفيها قال: "تبينت فيما أكَّدَتْ لي الأيام، وأثبتت لي التجارب، أن جُل الفساد الذي دخل مجتمعنا، فأضاع أخلاقنا، وبعَّدنا عن ديننا، إنما جاء كله من الغرب، من أوروبا وأمريكا، من ذهاب أبنائنا إليه".

وذكر كلاماً لا أستطيع أن أُفصِّل فيه، فيقول: "فاتقوا الله أيها الآباء في الشباب! يا من تبعثون بهم إلى تلكم الديار!". الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله تعالى- تكلم عن شروط الابتعاث: أن يكون عنده قوة في إيمانه تحميه من الشهوات، قوة في علمه تحميه من الشبهات، أن يكون في حاجة ماسة إلى تخصصات شرعية أو إنسانية، أو تخصصات تقنية في علوم مثل الهندسة والطب وغيرها إذا لم يكن في بلاد المسلمين من يقوم بذلك".

الشيخ بكر أبو زيد، توفي سنة 1429ه، وخطبْنا عنه خطبة قبل ثلاث سنوات، يقول-رحمه الله-عن هؤلاء المبتعثين: "مِن أهم المسالك للغزو الفكري ما يعود به المبتعثون من شباب هذه الأمة إلى ديار الكفر، إذ يعودون وهم يحملون تحللا عقدياً رهيبا، منضوون تحت لواء حزب... وفي لحظات يمسكون بأعمال قيادية عن طريقها ينفِّذون مخططاتهم، ويدعون بعضهم بعضا، فيتداعون على صالح الأمة، وعلى صالح أعمالها، وهذا أضرُّ داء استشرى في هذه الجزيرة، فهل من متيقِّظ؟ وهل من مستيقِظ؟ " إلى غيره من العلماء.

محمد قطب من مصر، قال: "فإذا عاد هؤلاء المبتعثون، وقد صاروا خلقا آخر ممسوخاً كُلَّ المسخ، لا يعرف دينه ولا لغته ولا قومه، وينظر لذلك كله بازدراء شامل، فهناك يوضَعون في مراكز التوجيه؛ ليكون أثرهم في الإفساد أشمل وأوسع".

القرضاوي، الذي اتهمه بعض الناس بأن عنده بعض أخطاء، حفظه الله، قال: "ولا غرو إذ رأينا هؤلاء المبعوثين في الغرب يذهبون إليه شرقيين مسلمين، ويعودون -إلا من عصم الله- متغربين علمانيين لا دينيين".

ماذا أقول من مقولات كثيرة؟ دعونا نذهب إلى فتوى هيئة كبار العلماء التي ظهرت في 11/11/1401هـ بعد الدفعات الكسيحة الأولى التي تسلمت الأمر في كثير من البلاد الإسلامية، وهي الآن تسوغ السياسات الإعلامية العمالية والتربوية والصحية.

يقول في مختصر القرار: "منع ابتعاث البنات للخارج منعا باتا لا استثناء فيه". آلاف الفتيات في الخارج! أنا أفهم هؤلاء! هل عندهم غيرة؟! هل عندهم غيرة؟! يحدثني أحد الإخوة: "واحد "وضع" ابنته عندنا وجلس معنا أسبوعين وثلاثة ثم توسم في أحدهم الصلاح وقال: "ترى من ذمتي لذمتك، هذه البنية في ذمتك" ويذهب ويتركها! لا إله إلا الله على الغيرة التي ذبحت!.

1- منع ابتعاث البنات للخارج منعا باتا لا استثناء فيه، ويتعين عدم السماح لأي إنسان يبعث بنته أو من له ولاية عليها للدراسة في الخارج، سواء في البلاد المجاورة، أو في بلاد الغرب، ولو على حسابه الخاص.

2- عدم إرسال أي طالب للدراسة في الخارج من مدنيين وعسكريين على حساب الدولة أو على الحساب الخاص إلا بعد الزواج، وبعد مرحلة الجامعة، والخدمة مدة من الزمن، حتى يصلب عوده، وترسخ عقيدته.

3- عدم إرسال أي شخص للتخصص في الأعمال النظريّة، كالإدارة واللغات والاقتصاد ونحوها؛ أما في علوم الإسلام وتاريخه فيجب منعه في كل مرحلة وأن يعاقب من أرسل أولاده للدراسة، وألا تعتبر شهادة معتبرة في البلاد.

4- يجب إجراء تحريات كاملة عن كل شخص يراد ابتعاثه للتخصص ليُعرف مدى حفاظه على دينه وأخلاقه وثباته على ولائه لدولته، وإعطائه دورة يدرس فيها أحوال تلك البلاد التي سوف يذهب إليها.

5- أن يُقتصر في التخصصات على ما لا يمكن حصوله في البلاد الإسلاميّة كعلوم الصناعات التي لا يوجد لها نظير في بلادنا كعلوم الذرة، ومتى أمكن جلبها إلى البلاد... يستغنى عن الابتعاث.

6- أن يجلَب كل من لا تتوفر فيه الشروط السابقة، ويُعاد لإكمال دراسته في الداخل، سواء من كان على حساب نفسه أو ذويه، أو على حساب الحكومة أو أحد المؤسسات.

7- يوكل إلى جهةٍ حقُّ الرقابة على مخالفة ما تقدَّم، وإذا تم ذلك على الوجه المطلوب حصل إن شاء الله الخير العظيم للأمة في دينها ودنياها، والسلامة في عقيدتها.

هذا مجمل قرارات هيئة كبار العلماء سقت لك منها مختصرا، وقد أوردتها كاملة في ملحق آخر الكتاب. أما أفراخ الغرب ونظرتهم للابتعاث غير ما سمعت؛ لأن هؤلاء نعال الغرب -أعزك الله- يرميهم الآن في النفايات.
 

طبعاً عندي جريدة الرياض والوطن والحياة والجزيرة، والكاتب اسمه مسألة أعرض عنها، وأعتقد أن المطَّلِع على الشأن الفكري ما يحتاج إلى مزيد، لكن لكي يعيشوا في ثبات فكري نعطيهم جرعات لعلها "تُصحِّيهم" قليلا.

كاتب يقول: "موجة الابتعاث قادرة على إحداث انقلاب ثقافي بترك القيم القديمة واستبدالها بقيم إنسانية عصرية" جريدة الرياض بعنوان: "هل يفعلها شباب بنات السعودية" في 27/7/1430هـ، ويعتبر الابتعاث فضيلة كبرى، وهي فضيلة الانفتاح على ثقافة الشعوب المختلفة.

آخر في جريدة الرياض في 22/3/1431هـ: "يرى أن الابتعاث حالة ثقافية أكثر من كونها حالة تعليمية"، عقول أخرى! "فالابتعاث تجربة تبادل ثقافي وحضاري، وإرث إنساني، ولا يقتصر فقط على التحصيل العلمي".

ويعتبر آخر: "أن المقصود من الابتعاث إحداث تغييرات اجتماعية جوهرية، فِكراً وعلاقةً وتنظيماً؛ ولذا يعتبر اشتراط محرم المبتعثة قراراً مجحفا وشكليا ومقيداً وغير منطقي، وغارق في اللامعقولية"

أحد المخذولين اسمه ساقط، ساقط بمعنى متحلل، ذهب إلى بريطانيا وكتب مقالا، وقد رأيت أحد الإخوة الذين قابله في بريطانيا، يقول جاءنا في العيد والنساء في جهة والشباب في جهة نصلى صلاة العيد، وكتب مقالا لما قرأت أحسست بخيبة أمل، وكان فيه: "ما زالوا يحملون هذا الإرث، ما زالوا يصلون ويعزلون النساء عن الرجال! لم تتحقق الأهداف التي رأيناها في الابتعاث".

ويستغرب أحدهم قصر الابتعاث على تخصصات بعينها، ويطالب بالانتفاخ على تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية والفنون الحرة.

ويسخر أحد الكتاب من مقترح طرحه أحد أعضاء مجلس الشورى، يتضمن تشكيل لجنة من أعضاء المجلس للوقوف على سلوكيات وأخلاق المبتعثين، وأدرج فيما أسماه هذا المقترح: "ثقافة الشك والريبة التي يستحيل تطبيقها".

وحذر كاتب بأن يقوم المبتعثون بأي نشاط دعوي أو توعوي! عند ذلك الجيل الذي ذهبتُ إليه كانت هناك ندوات، ملتقيات إسلامية؛ الآن تحلل وبارات وكنائس ورقص وعهر وفساد وانحلال، وأي واحد يتصدر للإصلاح يُرْمَى في جوانتناموا، أو السجون المغيبة، حتى يرجعوا متربين على ثقافة الغرب.

إلى غيرها يا أخواني، حتى إن إحداهن علقت على الخبر الذي تنصر فيه ثلاثون من أبناء هذه البلاد، اعتبرت ذلك داخلا في قول الله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256]، وأن الوصاية على المعتقدات لا تصلح في عصر العولمة، كل إنسان يختار الدين الذي يشاء! نحن في عصر العولمة الآن!.

واعتبر كاتب أن من يشكك في أهداف الابتعاث بالخارج يحمل في أجندته أهدافاً غير معلنة! -مثل خطيبكم!- ومزيداً من الانكفاء على الذات، وفرضَ رؤىً أحادية؛ ومن ثمرات برنامج الابتعاث العظيم كشف الوجه واليدين للمرأة، والرؤى الجديدة بالنسبة لمسألة الاختلاط.

ويشارك آخر فيشيد بالموجات الكبيرة للابتعاث، ويربط بينها وبين عمل المرأة في المستشفيات وكشف الوجه.

أسأله سبحانه وتعالى أن يخيب رجاءهم، وأن يَرُدَّ كيدهم في نحورهم، وأن يُعيدهم إلى بلدهم سالمين غانمين.

الحديث -يا أخواني- ممكن لا ينتهي عن هذه القضايا، لكن لابد أن نذكر بعضَ الكُتابِ المنصفين، تكلمنا عن كلام أقوال العلماء، كلام المستغربين أذناب الغرب.

هناك كُتاب منصفون مثل محمد اللحيد وغيره، وعدد من المقالات، ينادون برؤية المشايخ والعلماء؛ لأنهم مسلمون وضعوا العقيدة وإن كانوا غير "مطاوعة" لكنهم وطنيون حقيقيون، ليسو مزايدين على الوطن باسم الوطنية وهم أذناب الغرب ورسل الغرب! أسأله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلي، أن يعينني وإياكم على التنبُّه إلى مخاطر الابتعاث.

قد يقول قائل: "وِشْ" فائدة هذا الخطاب؟ أنت تكلم السياسي! أنا أكلمك أنت، أنت المستهدف من الابتعاث، أنت المستهدف يا ولي الأمر ويا أيها الشاب، ورسل الغرب من بيننا من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا لكن بضاعتهم غربية.

إذاً فَلْنَحْذَرْ وَلْنُحَذِّرْ، ولنعلم من أن جاهد المنافقين فذلك من أعظم الجهاد، ليس جهاد الكفار فقط في جبهات المواجهة، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة:73، التحريم:9]، وقال (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) [النساء:63]، وقال (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد:30]، وقال (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام:55].

صيحة أرجو أن تجد آذاناً صاغية، بلِّغُوا مَن وراءكم، سواءً مَن يرون عبر "الشاشات في النت"، أو في المسجد، في كل تجمع؛ القضية جد خطيرة، مشروع غربي لمسخ الأمة.

اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، رُدَّ كيْدَهُم في نحورهم.