اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
لقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر أن نستكثر من أربع خصال: خصلتان نرضي بهما ربنا، وخصلتان لا غنى بنا عنهما: أما الخصلتان اللتان نرضي بهما ربنا فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار، وأما الخصلتان التي لا غنى بنا عنهما؛ فنسأل الله الجنة ونعوذ به من النار.
الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، المهاجرين منهم والأنصار، وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى –عباد الله- إنكم الآن في شهر عظيم وموسم كريم، إنه شهر رمضان الذي خصه الله من بين الشهور بفضائل عظيمة- منها: أن جعل صيامه أحد أركان الإسلام ولم يرخص في الإفطار إلا للمسافر أو المريض، على أن يقضي كل منهما عدد الأيام التي أفطرها منه من شهر آخر، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) مما يدل على عظمة هذا الشهر وأنه لا يسمح بترك صومه إلا إلى بدل وإذا كان ذلك لعذر شرعي.
ومن خصائص شهر رمضان المبارك: مشروعية صلاة التراويح في جماعة في المساجد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، وهي سنة مؤكدة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجع عليها المسلمون، لا ينبغي للمسلم تركها، لأنه يحرم نفسه من ثوابها، وهو بحاجة إليه. ومن خصائص شهر رمضان: أنه تضاعف فيه الأعمال الصالحة، فالفريضة الواحدة فيه عن سبعين فريضة فيما سواه، والنافلة فيه تعادل الفريضة في الأجر. ومن خصائصه: إنزال القرآن العظيم فيه –قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)
وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في شهر رمضان. ثم نزل بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم منجماً حسب الوقائع" فهذا حدث عظيم اختص به هذا الشهر ومدحه الله به لندرك فضله ونستفيد من ذكراه بكثرة الطاعة في هذا الشهر، حيث أنزل فيه أعظم كتاب على أعظم نبي لهداية البشرية وبيان طريق الخير من طريق الشر لتأخذ الطريق السليم الموصل إلى جنات النعيم، وتترك الطريق الموصل إلى الجحيم، ومن خصائص شهر رمضان المبارك: أن فيه ليلة القدر، التي نوَّه الله بشأنها وأخبر أنها خير من ألف شهر لمن وفق للعمل الصالح فيها، فهي تعادل ثلاثة وثمانين عاماً يقضيها المسلم بالطاعة والعمل الصالح فيها، فهي تعادل ثلاثة وثمانين عاماً يقضيها المسلم بالطاعة والعمل الصالح- إنه لفضل عظيم. وهذه الليلة لا شك أنها في شهر رمضان، لأن الله أخبر أنه أنزل فيها القرآن، وقد أخبر أنه أنزل القرآن في شهر رمضان قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)
وقال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فإذا جمع بين الآيات الكريمة تبين أن القرآن أنزل في ليلة القدر في شهر رمضان المبارك فكان هذا الشهر مشتملاً على هذه الليلة العظيمة التي تعادل في الخير عمراً طويلاً يستنفد في الطاعة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الليلة في شهر رمضان وكان يتحراها فيه ويجتهد في قيام الليالي التي ترجى فيها ويعتكف أيامها، وكان صحابته الكرام يقتدون به في ذلك، ومن خصائص شهر رمضان: أن الله نَوَّع فيه الخيرات، فهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فالرحمة للمحسنين المتقين، والمغفرة للمذنبين المفرطين، والعتق لمن استوجب دخول النار بارتكاب الكبائر، وذلك لاختلاف أحوال المسلمين: فمنهم المحسن، ومنهم المذنب، ومنهم المستوجب لدخول النار –ولك هؤلاء يناله من فضل هذا الشهر ما يناسبه، فالمحسن تناله الرحمة، والمذنب تناله المغفرة إذا تاب من ذنبه، والمستوجب لدخول النار يناله الإعتاق منها إذا تاب إلى ربه، ولن يخرج أحد من المسلمين عن هذه الأقسام الثلاثة.
ومن خصائص هذا الشهر: أنه شهر الصبر كما سماه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم- والصبر حبس النفس- وهو ثلاثة أنواع: حبس النفس على طاعة الله- وحبسها عن محارم الله- وحبسها عن الجزع من أقدار الله المؤلمة. وكل هذه الثلاثة تجتمع في الصيام الذي أوجبه الله في هذا الشهر، ففيه حبس النفس على طاعة الله بالصيام، وحبسها عن الجزع مما تلاقي في الصيام من الجوع والعطش وضعف النفس والبدن. وقد مدح الله الصبر في كتابه الكريم ووعد الصابرين بالثواب العظيم فقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه يقول: "الصوم لي وأنا أجزي به، إنّه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي" كما أخبر أن رائحة أنفاس الصائم، -وإن كانت مغيرة مستكرهة عند الناس- فهي أطيب عند الله من ريح المسك، لأنها نشأت عن طاعته والصبر في سبيله، فهي ناشئة عن الصوم والصبر عليه. ومن خصائص هذا الشهر: أنه تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وذلك بسبب إقبال المسلمين فيه على طاعة ربهم وتقربهم إليه بالأعمال الصالحة، وتركهم للمعاصي وابتعادهم عنها –فهو فرصة هيأها الله لعباده لطلب الجنة والبعد عن النار.
ومن خصائص رمضان: أنه تغل فيه الشياطين فلا يتمكنون من إفساد أعمال المؤمنين، وإغرائهم بالمعاصي. ولهذا تقل المعاصي في شهر رمضان بشكل ملحوظ نتيجة لمنع الشيطان من مزاولة إضلال العباد، ففي هذا الشهر المبارك انتصار المسلمين الصائمين على عدوهم الشيطان وتخليصهم من أسره، وقد يكون خلاصاً إلى الأبد.
أيها المسلمون: لقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر أن نستكثر من أربع خصال: خصلتان نرضي بهما ربنا، وخصلتان لا غنى بنا عنهما: أما الخصلتان اللتان نرضي بهما ربنا فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار، وأما الخصلتان التي لا غنى بنا عنهما؛ فنسأل الله الجنة ونعوذ به من النار.
عباد الله: من مر عليه هذا الشهر ولم يستفد منه مغفرة ذنوبه وتكفير خطاياه فهو عبد شقي بعيد من الله، فقد صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين –قالوا علام أمنت يا رسول الله فقال: جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له، فأدخله الله النار فأبعده الله –قل: آمين، فقلت: آمين: ". الحديث-
فمن الأشقياء من لا يكف عن المعاصي في هذا الشهر ولا يشعر له بحرمة ولا ينتبه لإنقاذ نفسه من النار. ومنهم من يترك المعاصي في هذا الشهر تركاً مؤقتاً، لا ترك توبة وندم، بل في عزمه ونيته مزاولة المعاصي، فهذان إنما يزيدان بدخول رمضان بعداً من الله وهما سائران في طريقهما إلى النار إن لم يتوبا. وأما المؤمن الذي انتبه لنفسه وتاب إلى الله في هذا الشهر توبة صادقة واستدرك أمره فاستغل خيرات هذا الشهر فهو الذي يحصل على خيرات هذا الشهر، فيكون ممن صام الشهر واستكمل الأجر وفاز بجائزة الرب، جعلنا الله وإياكم من هؤلاء، إنه جواد كريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) .