الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
إن تبعة المسلم في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة، فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله، فعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر من سار في طريقها، إنها نار فظيعة مستعرة معروضة في طريقه لا محيد له عنها.
الحمد لله رب العالمين، أمر بتقواه،وأخبر أن من اتقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب سواه، ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأكرم الخلق على الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6] نداء من الله لأهل الإيمان، وأمر وتحذير، وإخبار عن خطر شديد، ينادي الله أهل الإيمان لأنهم هم الذين يصغون لندائه ويمتثلون أمره وينتفعون بكلامه، ويأمرهم باتخاذ الوقاية لأنفسهم ولأهليهم من خَطَرٍ أمامَهم ومهلكة في طريقهم، لا ينجو منها إلا من تنبه لها قبل وصولها وأخذ الحيطة والحذر من الوقوع فيها، هذه المهلكة نار عظيمة- ليست كالنار التي تعرفون- توقد بجثث الناس وبحجارة الأصنام أو حجارة الكبريت- ليست كنار الدنيا- من احترق بها مات، وفارق الحياة، وانقطع إحساسه بألمها بل (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) [الإسراء:97] (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) [النساء:56] (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) [فاطر:36] (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً *إِلا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) [النباء:24-25]
وليس القائمون على إقادها وتعذيب أهلها ممن يدركهم العجز والتعب، أو تأخذهم الشفقة والرحمة أو ينفع فيهم الاستعطاف والاسترحام، أو تميل بهم المحاباة والعاطفة، أو يتساهلون في تنفيذ الأوامر الصادر إليهم بالتعذيب.. إنهم (غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6] .
أيها المسلمون: إن تبعة المسلم في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة، فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله، فعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر من سار في طريقها، إنها نار فظيعة مستعرة معروضة في طريقه لا محيد له عنها –نار وقودها الناس والحجارة، الناس فيها كالحجارة سواء، في مهانة الحجارة وفي رخص الحجارة وفي قذف الحجارة، دون اعتبار ولا عناية، ما أفظعها ناراً هذه التي توقد بالحجارة تأكل الحجارة الصلبة الصماء فكيف بجسم ابن آدم –عليها ملائكة غلاظ شداد- تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون- (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
فمن صفاتهم: إطاعة الله فيما يأمرهم به، ومن صفاتهم القدرة على تنفيذ ما أمرهم به. لا يتركون منه شيئاً –كيف يقي المؤمن أنفسهم وأهلهم من هذه النار؟ إن الله سبحانه بين لهم الطريق، وفتح لهم باب الرجاء والرحمة والنجاة من هذه النار، إن هم سلكوا هذا الطريق الذي بينه لهم، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8]
هذا هو الطريق، توبة من الذنوب والسيئات –خالصة لله- تتضمن ترك الذنوب، والندم على فعلها- والعزم على عدم العودة إليها: ورد مظالم العباد إليهم، وتدفع إلى العمل الصالح- وتكون ثمرتها تكفير السيئات، ودخول الجنات، والسلامة من الخزي الذي يصيب العصاة، واللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه في توفر النور والخروج من الظلمات.
أيها المسلمون: إننا بنص هذه الآيات مسؤولون عن أولادنا وزوجاتنا ومن يسكن في بيوتنا، أن نلزمهم بطاعة الله، ونجنبهم معصية الله، وبذلك جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيث يقول: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" ويقول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". أيها الآباء والأمهات: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6]
تعاونوا على القيام بهذه المسؤولية داخل بيوتكم وخارجها- تابعوا أولادكم أينما كانوا- مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر علموهم أمور دينهم، اعزلوهم عن جلساء السوء وقرناء الفساد- طهروا بيوتكم من أدوات الفساد- من الفيديو- من الأفلام الفاسدة، من الأغاني، من الصور الخليعة، من الكتب المنحرفة، من الصحف والمجلات الماجنة- من المربيات الأجنبيات، من الرجال الأجانب، سائقين أو خدامين.
عباد الله: كيف ينقذ نفسه من النار من يترك الصلاة التي هي عمود الإسلام، والفارقة بين الكفر والإيمان، كيف ينقذ نفسه من النار من هجر المساجد وترك صلاة الجمعة والجماعة، كيف ينقذ نفسه من النار من يسير في طريقها ليلاً ونهاراً، وهو لا يدري في أي ساعة يقف على بابها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الجنةُ أدنى إلى أحدكم مِن شراك نعله، والنارُ مثل ذلك" يعني أن من مات على الطاعة دخل الجنة، ومن مات على المعصية دخل النار. وهو الموت (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [لقمان:34] ، كيف ينقذ نفسه وأهله من النار من فتح لهم باب الشرور، جلب الفيديو على بيته، جلب المربيات والخديمين والخديمات وخلطهم مع نسائه وأولاده، أو يسافر بزوجته وأولاده إلى البلاد الكافرة يشاهدون فيها حياة الكفر والإباحية ويتحولون عن صفات الحشمة والحياء والستر.
كيف ينقذ أهله من النار من تركهم يعصون الله، ويتركون ما أوجب الله، كيف ينقذ أولاده من النار من يخرج إلى المسجد ويتركهم على فرشهم أو على لهوهم ولعبهم لا يصلون مع المسلمين- أي والله إننا نراهم يملؤون الأسواق، ويقلقون الجيران بأصواتهم ويسدون الشوارع بسياراتهم، ولا تحدثهم أنفسهم أن يذهبوا إلى المسجد، وآباؤهم شاهدون وساكتون، يوفون لهم مطالبهم ويفسحون لهم في بيوتهم ويستقبلونهم بالبشاشة والسرور، كأنهم يشجعونهم على الاستمرار على ما هم عليه، ويقرونهم على عملهم السيّئ، وموقف الأمهات أسوء من مواقف الآباء، لا ينكرن ولا يغرن ولا يخشين الله ولا يخفن على أولادهن من العقوبة، ودخول النار التي وقودها الناس والحجارة، أيها الأمهات اتقين الله في أولادكن فإنكن مسؤولات عنهم –لا تتركنهم يجلسون معكن في البيوت، ويتركون الصلاة، أيها الآباء والأمهات تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، تعاونوا على إنقاذ أنفسكم وأهليكم من نار وقودها الناس والحجارة، واعلموا أن ما أنتم عليه من اهمال الأولاد في المعاصي وترك الطاعات هو طريق إلى النار، وموجب لنزول العقوبة العاجلة، وما ديار المعذبين منكم ببعيد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132] .