البحث

عبارات مقترحة:

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

تعظيم الدليل

العربية

المؤلف صالح بن عبد العزيز سندي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. أهمية تعظيم أدلة الكتاب والسنة .
  2. كيفية تعظيم الأدلة الشرعية .
  3. دروس في تعظيم النصوص الشرعية .
  4. وجوب الانقياد للنصوص الشرعية وترك معارضتها. .

اقتباس

فكيف لو أدركوا ما ابْتُلِيَ الناس به قديمًا وحديثًا من دعاوى ضالة تطعن في القرآن والسنة، أو تشكك في حاكميتهما، أو تزاحمهما بزبالات الأذهان؛ من مثل دعوى تقديم العقل على النقل، أو محاكمة النصوص إلى العقل، أو دعوى تاريخية النص، أو الاستغناء بالقرآن عن السنة، أو القدح في السنة بالقدح في مصادرها...

الخطبة الأولى:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[سبأ:1]، وأصلي وأسلِّم على عبده محمد البشير النذير، وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم إلى يوم المصير.

أمَّا بعد: فإن من تعظيم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- تعظيم أدلة الكتاب والسنة؛ فإن القرآن كلام الله الذي قال فيه: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)[الشعراء:192-196]، والسنة كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3، 4]؛ فتعظيم الكلام من تعظيم المتكلم به.

إن تعظيم أدلة القرآن والسنة من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن الاستجابة الواجبة لله والرسول، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال:24]، وإنَّ تعظيمها من إسلام الوجه لله، (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[لقمان:22].

أيها المسلمون: إن تعظيم الأدلة الشرعية يتضمن عشرة أمور؛ فمن حققها فقد حقق هذا الواجب العظيم:

أولاً: أخذها بمحبةٍ وتصديقٍ وإيقان، والنظر إليها بإجلالٍ وتوقيرٍ واحترام؛ وهذا القدر فرضٌ لا مسامحة فيه، فمن ازدراها بقلبه أو استخف بها بقوله أو فعله فقد أوقع نفسه في حفرة من الهلاك، إلا أن يتداركه الله فيوفقه إلى توبة نصوح.

ثانيًا: اعتقاد أنها حقّ محض، منزهة عن النقص والخطأ والتناقض، وأنها السبب الوحيد للهداية التامة والسعادة الكاملة، قال سبحانه: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)[البقرة:2]، وقال سبحانه: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)[سبأ:50].

لقد جمعت نصوص الكتاب والسنة أطراف الخير في أمور الدين والدنيا والمعاش والمعاد جميعا، فلا خير إلا دلت عليه، ولا شر إلا حذرت منه، ولا مصلحة إلا حصَّلتها، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل:89]. فنحن جهلاء إلا إذا أخذنا العلم منها، ضالون إلا إذا اتبعناها، قال رجل لابن عمر -رضي الله عنهما-: إنا نجد صلاة الخوف في القرآن وصلاة الحضر ولا نجد صلاة السفر؟ فقال -رضي الله عنه-: "إن الله تعالى بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ولا نعلم شيئًا، فإنما نفعل كما رأينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يفعل".

ثالثًا من تعظيم نصوص القرآن والسنة: التزامها؛ أي اعتقاد وجوب الأخذ بها، فلا يسع أحدًا مهما بلغ الخروج عنها. وهذا أيضًا واجب حتمي لا خيار فيه، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)[الأحزاب: 36].

نعم؛ هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، فإذا ورد الأمر من أمر الله أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- فالمقام مقام جدٍّ وليس بالهزل، ولا يسع فيه إلا القبول والانقياد. لمَّا طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من عثمان ابن طلحة -رضي الله عنه- مفتاح الكعبة ذهب إلى أمه فأبت أن تعطيه، فقال: "والله لتعطينه أو لأُخرجن هذا السيف من صلبي"؛ هذا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس أمر غيره، "والله لتعطينه أو لأخرجن هذا السيف من صلبي"، فلما رأت ذلك أعطته، فجاء به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففتح الباب.

رابعًا: اعتقاد حاكميتها؛ فإنها الحاكمة على كل شيء، المهيمنة على كل شيء، وهي المقدَّمة، وكل قول أو رأي أو مذهب أو قانون سواها فمؤخر، (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[النور:51] يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الحجرات:1]، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء:65].

إن الآراء والاجتهادات التي لم تطلُع عليها شمس الوحي ما هي إلا ظلمات موحشة لا تروي غليلًا ولا تشفي عليلا.

ولقد أعطانا سلفنا الصالح دروسًا عظيمة في تعظيم حرمة النصوص والانقياد لها واجتناب معارضتها؛ فعن رافع ابن خديج -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا نُحَاقِلُ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَنُكْرِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى فَجَاءَنَا ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ مِنْ عُمُومَتِي فَقَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْفَعُ لَنَا؛ نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالأَرْضِ.." إلى آخر ما جاء في الحديث، وفي رواية قال رافع -رضي الله عنه-: "وأمْر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الرأس والعين"؛ إي والله طواعية الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أنفع لنا، وأمره -صلى الله عليه وسلم- على الرأس والعين.

وسئل ابن عمر -رضي الله عنهما- عن متعة الحج فأمر بها، فقيل له إنك تخالف أباك، فلما أكثروا عليه قال: "أفكتاب الله -عز وجل- أحقّ أن يُتّبع أم عمر؟!". وهذا ابنه سالم -سالم بن عبد الله بن عمر- يخالف أباه وجده في مسألة في الحج ويقول: "سنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحق أن تُتبع".

قد أقسم الله العظيم بنفسه

قسَمًا يُبِين حقيقة الإيمان

أن ليس يؤمن من يكون محكِّما

غير الرسول الواضح البرهان

بل ليس يؤمن غير من حكَّم

الوحيين حسب فذاك ذو إيمان

إن هذا الذي سمعت كان موقفهم من اجتهاداتٍ من علماء ثقات أرادوا بها اتباع الوحي؛ فكيف لو أدركوا ما ابْتُلِيَ الناس به قديمًا وحديثًا من دعاوى ضالة تطعن في القرآن والسنة، أو تشكك في حاكميتهما، أو تزاحمهما بزبالات الأذهان؛ من مثل دعوى تقديم العقل على النقل، أو محاكمة النصوص إلى العقل، أو دعوى تاريخية النص، أو الاستغناء بالقرآن عن السنة، أو القدح في السنة بالقدح في مصادرها، أو تأويل أدلة النصوص تأويلاً مستكرهًا، أو تقديم المصلحة أو القواعد عليها؛ فهذه وأشباهها دعوات ضالة، روائح النفاق غالبة عليها، وقد قال تعالى عن المنافقين: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)[النساء:61] فأفٍّ، أفٍّ لكل قول أو عقل يتعقب حكم الله أو حكم رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

خامسًا: الرغبة في تعلمها والإنصات عند تلاوتها؛ إن المسلم المعظّم للأدلة هو الذي يحرص على تعلمها ويفرح بمدارستها، وإذا سمع ما جهل منها غمرته السعادة والحبور، دأبه طلبها وتتبعها، ولا يستكثر في هذا جُهْدًا.

رحل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- إلى الشام من المدينة مسيرة شهر ليسمع حديثًا واحدًا من عبد الله بن أُنيس -رضي الله عنه-، ورحل أبو أيوب -رضي الله عنه- من المدينة إلى مصر ليسمع حديثًا واحدًا من عقبة ابن عامر -رضي الله عنه-؛ سفر طويل، مشقة عظيمة لسماع حديث واحد.

كما أن المعظم للأدلة هو الذي يحسن الإنصات لها ويُقبِل بكليَّته عليها، (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأعراف:204]، وقال حماد بن زيد في قوله -تعالى-: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)[الحجرات:2] قال: "أرى رفع الصوت عليه بعد موته كرفع الصوت عليه في حياته، إذا قُرئ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجب عليك أن تنصت كما تنصت للقرآن".

المُعظّم للأدلة أيضًا هو الذي إذا سمعها بادر بنشرها بعد التحقق من صحتها، فهو يحب أن ينتفع إخوانه كما انتفع، قال -صلى الله عليه وسلم-: "نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا".

اللهم يسّرنا لليسرى، وجنِّبنا العسرى، وخذ بنواصينا إلى ما يرضيك، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:

فالأمر السادس من تعظيم أدلة القرآن والسنة: المسارعة إلى العمل بها دون تردد؛ إن المعظم للأدلة هو الذي إذا بلغته شمَّر عن ساعد الجد في العمل بها دون تلكأ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال:24]، (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)[الأنبياء:90]، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)[آل عمران:133].

لقد كان سلفنا الصالح معظمين للأدلة مسارعين على الاستجابة بلا تردد أو تقاعس؛ حين بلغ الصحابة -رضي الله عنهم- وهم أهل قباء خبر تحويل القبلة وهم في صلاة الصبح لم يتأخروا في الاستجابة لحظة، وإنما استداروا إلى الكعبة مباشرة وهم في الصلاة.

وحين بلغ الصحابة -رضي الله عنهم- في المدينة خبر تحريم الخمر بادروا في اللحظة نفسها إلى إراقتها وتكسير آنيتها.

ولما سمع بن عمر -رضي الله عنهما- قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِى فِيهِ يَبِيتُ ثَلاَثَ لَيَالٍ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ"؛ لما سمع هذا قال: "مَا مَرَّتْ عَلَىَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي".

وعن أبي أسيد الأنصاري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو خارج من المسجد فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلنِّسَاءِ: "اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ"، قال أبو أسيد -رضي الله عنه-: "فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ".

هكذا كانت استجابتهم، لا فرق بين حال يُسرٍ وعسرٍ، أو حزنٍ أو سرورٍ، وهكذا فليكن تعظيم الأدلة.

سابعًا من تعظيم الدليل: عدم التوقف في الأخذ به على فهم العلة أو معرفة الحكمة كما يفعله بعض الناس اليوم؛ إن العلة المعتبرة في كل نص علمًا وعملاً، عقيدةً أو عبادةً كونه ثابتا في الكتاب والسنة.

قَبَّل عمر -رضي الله عنه- الحجر الأسود وقال: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"؛ قال العلماء: "في قول عمر هذا التسليم للشارع وحُسن الاتباع فيما لم يُكشف عن معانيه".

وعن داود ابن أبي عاصم قال: سألت ابن عمر عن الصلاة بمنى، فقال: "هل سمعت بمحمد -صلى الله عليه وسلم-؟"، قال: نعم وآمنت به، قال: "فإنه كان يصلي بمنى ركعتين". نعم! ينبغي أن ينتهي البحث هنا، إنه فعل النبي الذي نؤمن به فلا نحتاج إلى شيء أكثر من هذا حتى نتبعه.

ثامنًا: عدم تمحُّل الأعذار لتركها، واجتناب الاعتراض عليها، وهذا من العلامات المميزة لمن هم للدليل معظمين وللوحي مسلِّمين، (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء:65].

وشتَّان بين المُعَظِّم والمعترض؛ حدَّث ابن عمر -رضي الله عنهما- يومًا عن استلام الحجر الأسود فقال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلمه ويقبِّله"؛ فقال رجل أرأيت إن زُحمت؟ فقال ابن عمر: "اجعل أرأيت في اليمن، رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلمه ويقبله".

وحدَّث يوما بحديث النهي عن إدخال الرجل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فقال له رجل: أرأيت إن كان حوضًا؟ فحصبه ابن عمر، وقال: "أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: أرأيت إن كان حوضًا!".

تاسعًا: من تعظيم الأدلة أن يعظم في القلب تعدي حدودها؛ فإنها إن حلَّت في القلب المحل العلي وتمكن تعظيمها فيه فإنه يكبر على المسلم أدنى هتكٍ لحرمتها أو تَعَدٍّ على جنابها أو اعتراض عليها. إن من حقوق العبودية أن يغضب العبد لغضب ربه ويرضى لرضاه دون مجاوزة أحكام الشرع.

روى عمران بن حصين -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث: «الحياء خير كله» فقال رجل: "إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارًا لله، ومنه ضعف"، فغضب عمران -رضي الله عنه- حتى احمرت عيناه وقال: "لا أُرى أحدِّثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعارض فيه!!".

وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها"؛ فقال بلال بن عبد الله: "والله لنمنعهن"، فقال الراوي: فأقبل عليه عبد الله فسبَّه شيئًا ما سمعته سبّه مثله قط، وقال: "أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول والله لنمنعهن!!".

ورأى عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- رجلاً يخذف فقال له: "لا تخذف؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكره -أو قال:- كان ينهى عن الخذف"، ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: "أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يكره أو ينهى عن الخذف ثم أراك تخذف! لا أكلمك كذا وكذا، وفي رواية قال: لا أكلمك أبدًا".

عاشرًا وأخيرًا: من تعظيم الدليل الاكتفاء به وعدم الزيادة عليه، وهذا يشمل كل إحداثٍ في الدين. "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها"، (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[الأعراف:3]. إن المحدِث في الدين لسان حاله يقول: "أدلة الشرع غير كافية ولا وافية فأنا أزيد عليها وأُحدِث"، وما هذا حال المعظِّم!

فاللهم ارزقنا تعظيم الكتاب والسنة، واجعلنا من أهلهما، اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، وأصلح قادتهم، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.