الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد البصري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
وَإِذَا لم يَكُنْ رَمَضَانُ هُوَ شَهرَ الدُّعَاءِ وَفُرصَةَ الابتِهَالِ وَالنِّدَاءِ، فَفِي أَيِّ شَهرٍ يَكُونُ ذَلِكَ؟ وَإِذَا لم يَستَغِلَّ العَبدُ مَوسِمَ الرَّحمَةِ لِيَرفَعَ إِلى مَولاهُ حَاجَاتِهِ وَرَغَبَاتِهِ، فَمَتى يَكُونُ ذَلِكَ؟ وَإِذَا كَانَ اللهُ حَيِيًّا كَرِيمًا، يَستَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا صِفرًا، فَكَيفَ بِمَن شَفَتَاهُ مِنَ الصَّومِ ذَابِلَتَانِ، وَبَطنُهُ خَالٍ طَاعَةً لِرَبِّهِ، وَقَدَمَاهُ مَصفُوفَتَانِ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا؟ كَيفَ بِهِ إِذَا رَفَعَ كَفَّيهِ وَنَاجَى رَبَّهُ عَلَى تِلكَ الحَالِ؟ ..
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لِلنَّاسِ حَاجَاتٌ هُم لها طَالِبُونَ، وَمَطَالِبُ إِلَيهَا يَطمَحُونَ، وَأُمنِيَّاتٌ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيهَا، وَرَغَبَاتٌ يَسعَدُون بتَحقِيقِهَا، مَرِيضٌ يَرجُو الشِّفَاءَ، وَمُبتَلًى يَطلُبُ العَافِيَةَ، وَفَقِيرٌ يَأملُ الغِنى، وَمُضَيَّقٌ عَلَيهِ يَتَلَمَّسُ السَّعَةَ.
وَثَمَّةَ مَهمُومٌ نَاءَت بِهِ المُشكِلاتُ، وَمَدِينٌ أَثقَلَت كَاهِلَهُ الحُقُوقُ، وَمَطلُوبٌ أَقَضَّ مَضجَعَهُ الدَّائِنُونَ، وَتَرَى كُلَّ هؤلاءِ يَتَلَفَّتُونَ يَمنَةً وَيَسرَةً وَيَتَفَكَّرُونَ، وَيَفزَعُونَ إِلى مَن يَظُنُّونَ فِيهِ خَيرًا، وَيُلقُونَ بِحَاجَاتِهِم إِلى مَن يَأمُلُونَ عِندَهُ قَضَاءً.
وَكَثِيرًا مَا يَغفَلُونَ في هَذَا عَن بَابٍ وَاسِعٍ مِن أَبوَابِ الفَرَجِ، بَابٌ أَوسَعُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ، بَابٌ مَا طَرَقَهُ مُحتَاجٌ إِلاَّ قُضِيَت حَاجَتُهُ، وَلا وَلَجَهُ مُضطَّرٌّ إِلاَّ نُفِّسَت كُربَتُهُ، ذَكَرَهُ الكَرِيمُ في ثَنَايَا آيَاتِ الصِّيَامِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وَدَعَا إِلَيهِ الرَّحِيمُ عِبَادَهُ، وَرَغَّبَهُم فِيهِ وَدَلَّهُم طَرِيقَهُ، يَقُولُ الحَقُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ) [البقرة:186].
فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ! مَا أَكرَمَ الخَالِقَ وَأَقرَبَهُ وَأَرحَمَهُ! وَمَا أَغفَلَ الخَلْقَ وَأَضعَفَهُم وَأَبعَدَهُم! يَدعُوهُم مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَيَفتَحُ لَهُمُ البَابَ، وَيُرشِدُهُم لِلطَّرِيقِ، ثم يُعرِضُونَ عَنهُ وَيَذهَبُونَ إِلى غَيرِهِ.
وَيَسلُكُونَ سُبُلاً لا يَدرُونَ مَا نِهَايَتُهَا، يُدَبِّجُونَ خِطَابَاتِ الشَّكوَى لِمَخلُوقِينَ مِثلِهِم مُحتَاجِينَ، وَيَطلُبُونَ الشَّفَاعَاتِ مِنَ مَسَاكِينَ عَاجِزِينَ، وَيَنثُرُونَ مَاءَ الوُجُوهِ لَدَى مَن لا يَملِكُ لَهُم ضَرًّا وَلا نَفعًا، وَيُذِلُّونَ النُّفُوسَ أَمَامَ مَن لا يُغنِي عَنهُم قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا، وَمَعَ هَذَا لا يُكَلِّفُ أَحَدُهُم نَفسَهُ أَن يَجأَرَ إِلى اللهِ بِدَعوَةٍ، أَو يَرفَعَ إِلَيهِ كَفَّ ضَرَاعَةٍ، أَو يَهمِسَ إِلَيهِ في جُنحِ الظَّلامِ بِحَاجَةٍ!.
قَالَ الإِمَامُ ابنُ كَثِيرٍ -رحمه اللهُ-: وَفي ذِكرِهِ -تعالى- هَذِهِ الآيَةَ البَاعِثَةَ عَلَى الدُّعَاءِ مُتَخَلّلَةً بَينَ أَحكَامِ الصِّيَامِ إِرشَادٌ إِلى الاجتِهَادِ في الدُّعَاءِ عِندَ إِكمَالِ العِدَّةِ، بَلْ وَعِندَ كُلِّ فِطرٍ.
وَقَالَ الشَّيخُ ابنُ سَعدِيٍّ -رحمه اللهُ-: وَالدُّعَاءُ نَوعَانِ: دُعَاءُ عِبَادَةٍ، وَدُعَاءُ مَسأَلَةٍ؛ وَالقُربُ نَوعَانِ: قُربٌ بِعِلْمِهِ مِن كُلِّ خَلقِهِ، وَقُربٌ مِن عَابِدِيهِ وَدَاعِيهِ بِالإِجَابَةِ وَالمَعُونَةِ وَالتَّوفِيقِ، فَمَن دَعَا رَبَّهُ بِقَلبٍ حَاضِرٍ، وَدُعَاءٍ مَشرُوعٍ، وَلم يَمنَعْ مَانِعٌ مِن إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، كَأَكلِ الحَرَامِ وَنَحوِهِ، فَإِنَّ اللهَ قَد وَعَدَهُ بِالإِجَابَةِ، وَخُصُوصًا إِذَا أَتَى بِأَسبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَهِيَ الاستِجَابَةُ للهِ -تَعَالى- بِالانقِيَادِ لأَوَامِرِهِ وَنَواهِيهِ القَولِيَّةِ وَالفِعلِيَّةِ، وَالإِيمانُ بِهِ المُوجِبُ لِلاستِجَابَةِ، فَلِهَذَا قَالَ: (فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ) [البقرة:186].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقُربَةٌ جَلِيلَةٌ، لا يَدَعُهَا إِلاَّ عَاجِزٌ، وَلا يَغفَلُ عَنهَا إِلاَّ مَحرُومٌ، صَحَّ عَنهُ -صلى اللهُ عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ". وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ يَقُولُ اللهُ -تبارك وتعالى-: "أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ -تعالى- حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَستَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا صِفرًا خَائِبَتَينِ".
وَإِذَا لم يَكُنْ رَمَضَانُ هُوَ شَهرَ الدُّعَاءِ وَفُرصَةَ الابتِهَالِ وَالنِّدَاءِ، فَفِي أَيِّ شَهرٍ يَكُونُ ذَلِكَ؟ وَإِذَا لم يَستَغِلَّ العَبدُ مَوسِمَ الرَّحمَةِ لِيَرفَعَ إِلى مَولاهُ حَاجَاتِهِ وَرَغَبَاتِهِ، فَمَتى يَكُونُ ذَلِكَ؟ وَإِذَا كَانَ اللهُ حَيِيًّا كَرِيمًا، يَستَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا صِفرًا، فَكَيفَ بِمَن شَفَتَاهُ مِنَ الصَّومِ ذَابِلَتَانِ، وَبَطنُهُ خَالٍ طَاعَةً لِرَبِّهِ، وَقَدَمَاهُ مَصفُوفَتَانِ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا؟ كَيفَ بِهِ إِذَا رَفَعَ كَفَّيهِ وَنَاجَى رَبَّهُ عَلَى تِلكَ الحَالِ؟.
فَهَلُمَّ -عِبَادَ اللهِ- إِلى اللهِ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ، فَبَينَ أَيدِيكُم الثُّلُثُ الأَخِيرُ مِنَ اللَّيلِ، حَيثُ يَنزِلُ رَبُّ العَالمينَ إِلى السَّمَاءِ الدُّنيا نُزُولاً يَلِيقُ بِذَاتِهِ -سُبحَانَهُ-، وَيُنَادِي خَلْقَهُ: هَلْ مِن سَائِلٍ فَأُعطِيَهُ؟ هَل مِن مُستَغفِرٍ فَأَغفِرَ لَهُ؟ هَل مِن تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيهِ؟ هَل مِن دَاعٍ فَأُجِيبَهُ؟.
وَفي هَذَا يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبدِ في جَوفِ اللَّيلِ الآخِرِ، فَإِنِ استَطَعتَ أَن تَكُونَ مِمَّن يَذكُرُ اللهَ في تِلكَ السَّاعَةِ فَكُنْ"، وَيَقُولُ -عليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ في اللَّيلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ خَيرًا مِن أَمرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ في كُلِّ لَيلَةٍ".
وَبَينَ أَيدِيكُم السُّجُودُ في الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ، وفي قِيَامِ اللَّيلِ، وَأَقرَبُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِن رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، يَقُولُ -سُبحَانَهُ-: (وَاسجُدْ وَاقتَرِبْ) [العلق:19]. وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجتَهِدُوا في الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَن يُستَجَابَ لَكُم".
وَبَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَقتٌ لِلدُّعَاءِ المُستَجَابِ، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا نَادَى المُنَادِي فُتِحَت أَبوَابُ السَّمَاءِ، وَاستُجِيبَ الدُّعَاءُ". وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّعَاءُ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ مُستَجَابٌ فَادعُوا".
وَفي آخِرِ سَاعَةٍ مِن يَومِ الجُمُعَةِ وَقتُ إِجَابَةٍ، قَال -صلى الله عليه وسلم-: "يَومُ الجُمُعَةِ ثِنتَا عَشرَةَ سَاعَةً، مِنهَا سَاعَةٌ لا يُوجَدُ عَبدٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ فِيهَا شَيئًا إِلاَّ آتَاهُ اللهُ، فَالتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعدَ العَصرِ".
فَيَا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: أَينَ أَنتُم عَن هَذِهِ الفُرَصِ الكَبِيرَةِ لِلدُّخُولِ عَلَى مَلِكِ المُلُوكِ؟ وَاللهِ لَو فَتَحَ مَلِكٌ مِن مُلُوكِ الدُّنيَا لِلنَّاسِ بَابَهُ يَومًا لِيَرفَعُوا إِلَيهِ حَاجَاتِهِم وَيَبُثُّوهُ شَكَاوَاهُم، لَوَجَدتَ الزِّحَامَ عَلَى بَابِهِ كَثِيفًا، وَلأَلفَيتَ الحَاضِرِينَ إِلى قَصرِهِ لَفِيفًا، فَكَيفَ وَمَلِكُ المُلُوكِ هُوَ الذي يَفتَحُ البَابَ؟.
كَيفَ وَهُوَ -سُبحَانَهُ- القَرِيبُ المُجِيبُ، أَلا فَأَكثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ في شَهرِ البَرَكَاتِ، وَارفَعُوا إِلى اللهِ جَمِيعَ الحَاجَاتِ، وَأَلِحُّوا بِالمَسأَلَةِ في شَهرِ النَّفَحَاتِ؛ فَإِنَّ مَن أَكثَرَ طَرقَ البَابِ فُتِحَ لَهُ، وَرَبُّ العَالمينَ يُحِبُّ مِن عَبدِهِ أَن يُلِحَّ عَلَيهِ في الدُّعَاءِ، وَيَغضَبُ ممَّن تَرَكَ سُؤَالَهُ وَأَعرَضَ عَن رَحمَتِهِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ مَن لم يَسأَلِ اللهَ يَغضَبْ عَلَيهِ".
وَاحذَرُوا العَجَلَةَ وَاستِبطَاءَ الإِجَابَةِ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ وَحُصُولِ اليُسرِ، فَقَد قال -صلى الله عليه وسلم-: "يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ، يَقُولُ: دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي". وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "اُدعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ".
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60].
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا في أَنفُسِكُم فَاحذَرُوهُ، وَآمِنُوا بِرَبِّكُم وَاشكُرُوا لَهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَكُونُوا مِنهُ عَلَى ثِقَةٍ وَاسأَلُوهُ، فَإِنَّهُ -سُبحَانَهُ- لا يُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً، وَلا يُخَيِّبُ مَن أَعظَمَ فِيهِ رَجَاءً، قَال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِن مُسلِمٍ يَدعُو بِدَعوَةٍ لَيسَ فِيهَا إِثمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعطَاهُ اللهُ بها إِحدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَن يُعَجِّلَ لَهُ دَعوَتَهُ، وَإِمَّا أَن يَدَّخِرَهَا لَهُ في الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَن يَصرِفَ عَنهُ مِنَ السُّوءِ مِثلَهَا"، قَالُوا: إِذًا نُكثِرُ. قَالَ: "اللهُ أَكثَرُ".
وَيَقُولُ -عليه الصلاةُ وَالسلامُ-: "أَعجَزُ النَّاسِ مَن عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ". وَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- فَلِمَاذَا تَركُ الدُّعَاءِ وَالانقِطَاعُ؟ لِمَاذَا الغَفلَةُ وَالإِعرَاضُ؟ لماذا رَفعُ الحَاجَاتِ لِغَيرِ اللهِ؟.
يَا مَرِيضًا عَبَثَ بِهِ الدَّاءُ وَالأَلَمُ، يَا فَقِيرًا استَبَدَّت بِهِ الدُّيُونُ، يَا مَهمُومًا يَا مَغمُومًا، يَا مُحتَاجًا يَا مُضطَّرًّا، أَينَ أَنتُم عَنِ الدُّعَاءِ؟ أَينَ أَنتُم عَنِ التَّضَرُّعِ؟ أَينَ أَنتُم عَن قَرعِ أَبوَابِ السَّمَاءِ في هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ؟.
أَلا فَادعُوا اللهَ مُوقِنِينَ، وَالجَؤُوا إِلى الرَّحِيمِ مُستَسلِمِينَ، وَارغَبُوا إِلى الكَرِيمِ مُخلِصِينَ، اُدعُوا دُعَاءَ المُضطَّرِّينَ، وَأَلِحُّوا إِلحَاحَ المُحتَاجِينَ، فَوَاللهِ لا غِنى لَكُم عَن رَبِّكُم طَرفَةَ عَينٍ! (أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفَاءَ الأَرضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ، قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62].
أَتَهَزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزدَرِيهِ | وَمَا تَدرِي بِمَا صَنَعَ الدُّعَاءُ؟ |
سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخطِي وَلَكِنْ | لَهَا أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ انقِضَاءُ |