البحث

عبارات مقترحة:

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الدعاء والصيام وتوديع رمضان وزكاة الفطر

العربية

المؤلف محمود الطائي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. الصيام وفضائل الدعاء وفوائده .
  2. العشر المباركة وفضائلها .
  3. بماذا ندعو؟ .
  4. في وداع رمضان .
  5. أحكام زكاة الفطر وإخراج القيمة .

اقتباس

كم من مسلم فقد أحبة له، غيبهم الموت، وأخذهم هادم اللذات، من آباء وأمهات، وأخوة وأخوات، وأصدقاء وأصحاب، يتمنى أن يبرهم بشيء، وأن يُحسن لهم بمعروف، وليس أصدق من دعوة صالحة يصل ثوابها لهم، وتزيد في حسناتهم...

الخطبة الأولى:

عباد الله: لو أراد أحدٌ أن يدخل على ملك من الملوك أو رئيس من الرؤساء ليقضي له حاجة, فكم سيتعب وكم سيشقى, وكم سيدفعُ اموالاً ويقضي أوقاتاً, واذا حصل على موعد, كم سينتظر حتى يحين وقت المقابلة, والأهم من هذا هل سيلبى طلبه أم أنه سيرده, بل والأعظم من هذا, هل إن هذا الامر بيد هذا الملك أو هذا الرئيس
يقول -أحد التابعين-: "من مثلك يا ابن آدم! خلي بينك وبين المحراب تدخل منه إذا شئت على ربك، وليس بينك وبينه حُجّابٌ ولا تُرجمان".

فيا أيها المؤمن: إن ربك هو ملك الملوك، علام الغيوب, بيده الأمر كله, القهار الجبار، الذي لا يشبه مُلكَهُ مُلك، ولا سُلطانُه سُلطان, لا تحتاجَ إذا أردتَ دُعاءَهُ إلى مواعيد، ولا إلى وُسطاء، حتى إن (قل) لم ترد معها وكما تعلمون إن كل سؤال للنبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي بالقران بقل أو فقل الا هذا الموضع. 

إنما هو قلب صادق، وجوفٍ ليس فيه حرام, وتأتي الإجابة بإذن الله, جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي -صلى الله عليه وسلم-, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ, أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]

قال ابن كثير: "وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر". وقال بعض المفسرون: "وفي هذه الآية إيماءٌ إلى أن الصائم مرجو الإجابة, وإلى أن شهر رمضان مرجوةٌ دعواته". فتأمل كيف أن آية الدعاء جاءت في وسط آيات الصيام, وهي أن الصائم في حالة عبادة لله -سبحانه وتعالى-، والمُـتعبِّدُ له أبوابٌ كثيرة يستطيع أن يطرقَها ويفتحُها. ولعل من أقرب هذه الأبواب، وأقصرِها للوصول إلى الله - سبحانه وتعالى - الدعاء.

ونحن في هذه الليالي العشر أفضل ليالي السنة؛ لأن فيها أعظم ليلة ألا وهي ليلة القدر, كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ" وعَنْ عَائِشَةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَارَسُولَ اللَّهِ, أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: "تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".

فيا أهل الصيام والدعاء ها هي العشر المباركة قد أقبلت بنفحاتها وخيراتها وبركاتها, فشمروا لهذه الأيام القلائل, واسعوا فيها حق السعي, فهبات ربكم القريب توزع كلَّ ليلة:

يارجالَ الليلِ جِدُّوا

رُبَّ داعٍ لا يُرَدُّ
ما يقـومُ الليـلَ إلاَّ مَنْ لَهُ عَزْمٌ وَجِدُّ
ليس شيءٌ كصلاةِ الـلَيْلِ للقَبْرِ يُعَدُّ

 

واليوم آخرُ جمعةٍ يجتمع فيها ثلاث مواطِنَ لاستجابة الدعاء: آخر ساعة من نهار يوم الجمعة ودعوة الصائم وللصائم عند فطره دعوة لا ترد.

حاجاتنا كثيرة، ورغبتنا متنوعة، تنزل بنا الفتن، وتغشى بلادنا المحن، فلا يكشفها إلا الله، يمكر الأعداء بنا وبإخواننا في مشارق الأرض ومغاربها، فنُقصّر في عونهم، ويضعُف نصرنا لهم، فلا نملك غير دعوات صالحات، ترفعها أكف طاهرات، بالنصر لهم، وتمكينهم في الأرض، وبطلان كيد أعدائهم، وزوال مكرهم، فيسأل ربه أن يُعينهم ولا يُعين عليهم، ويمكر لهم ولا يمكر بهم، ويجعل دائرة السوْء تدورُ على من ظلمهم، وبغى عليهم.

كل واحد منا لديه هموم يريد زوالها، وديون يرجو قضاءها، وهو واجدٌ ذلك إذا توجه بالدعاء إلى ربه، وأنزل حاجته به -سبحانه-، كم من سقيم طريح الفراش، ومريض أضناه التعب، لو توجه إلى ربه لشفاه، ومن المرض عافاه، كم منا من يُعاني عقوق الأبناء، وفساد الأولاد، ونشوز النساء، فيسعى لإصلاحهم ويبذل وسعه في استقامتهم، ويلهج بالدعاء لهم: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74]

                                                            
كم من مسلم فقد أحبة له، غيبهم الموت، وأخذهم هادم اللذات، من آباء وأمهات، وأخوة وأخوات، وأصدقاء وأصحاب، يتمنى أن يبرهم بشيء، وأن يُحسن لهم بمعروف، وليس أصدق من دعوة صالحة يصل ثوابها لهم، وتزيد في حسناتهم, "اذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" وذكر منها: "أو ولد صالح يدعوا له".

الدعاء بسببه تفرّج الشِّدّائد، وتُنفّسُ الكُروب، فكم سمعنا عمن أُغلقت في وجهه الأبواب، وضاقت عليه السبل، فلما طَـرَقَ باب مسبب الأسباب، وألحّ على الله في الدعـاء، ورفع إليه الشكوى، فُتِحَتْ له الأبواب، وذهب ماحل به من الصعاب، وفي قصة أولئك الثلاثة الذين دخلوا غـاراً فسدت عليهـم الباب صخـرةٌ عظيمة، فما كان منهم إلا أن دعوا الله بصالح أعمالِهم وأخلصِها، فانفرجت الصخرةُ وخرجوا يمشون.

واسمع نداءه لك وهو الغني عنك: "يَا ابْنَ آدَمَ, إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي, يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي, يَا ابْنَ آدَمَ, إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".

 
فهو -سبحانه- يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، خاطب عبادَه المسرفين، فقال: "يَاعِبَادِي, إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ".

ولكن لنعلم جميعا أن هناك أناس مردودٌ دعاؤهم والعياذ بالله, فالنبي -صلى الله عليه وسلم- خاطب سعداً -رضي الله عنه- فقال: "يا سعدُ! أطب مطعمك، تكنْ مستجاب الدعوة". وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "الرجل يطيل سفره أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب! مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنّى يُستجاب له".

فيامن تلوثت بالحرام تب الى الله فمازال هناك فرصة, يامن تأكل الربا يا من له أموال يشغلها في المصارف الربوية, تب الى الله قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار.

اللهم طهرنا من الحرام, اللهم طهر اموالنا من الحرام, اللهم نعوذ بك ان نأكل أو نطعم اهلنا واولادنا من حرام, اللهم اجعلنا مستجابي الدعوة يالله, اللهم آمين.

وبما أن هذه آخر جمعة من رمضان فلتوديعه في خطبتنا مكان, وهذا هلالُ شوالٍ يُوشكُ أن يظهرَ, ويذهبُ النصبُ والسهرُ, وما يبقى بإذنِ اللهِ تعالى إلا الأجرُ,
رمضان قد أزف رحيله، ولم يبق إلا قليله, وقد كنا بالأمس القريب نتلقى التهاني بقدومه، ونسأل الله بلوغه، واليوم نتلقى التعازي برحيله، ونسأل الله قبوله.

فبماذا عسانا مودعوه؟! وبأي شعور نحن مفارقوه؟! كيف ولحظات الوداع تثير الشجون، وتُبكي العيون، وهل هناك فراق أشد وقعًا ووداعًا، وأكثر أسى والتياعاً من وداع شهر البر والجود والإحسان، شهر القرآن والغفران والعتق من النيران، ألا فسلام الله على شهر الصيام والقيام، سلام الله على شهر التراويح, والتلاوة والذكر والتسبيح، شهر عمارات القلوب، وكفارات الذنوب، كان مضمارًا للمتنافسين، وميدانًا للمتسابقين.

مضى هذا الشهر الكريم، وقد أحسن فيه أناس وأساء آخرون، وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه من أعمال، شاهد للمشمرين بصيامهم وقيامهم وبرهم وإحسانهم، وعلى المقصرين بغفلتهم وإعراضهم وشحهم وعصيانهم، ولا ندري هل سندركه مرة أخرى، أم يحول بيننا وبينه هادم اللذات ومفرق الجماعات؟.

فبادروا -يا رعاكم الله- فلعل بعضكم لا يدركه بعد هذا العام، فاغتنم -أيها المفرط- في طاعة المنان الفرصة قبل فوات الأوان، واحذر أن يشهد عليك الشهر بقبائح الآثام، واجتهد في حسن الخاتمة فالعبرة بحسن الختام.

وعاهِد نفسَك في هذا الشّهر بدوامِ المحافظةِ على الصّلوات الخمس ولا تكن من عباد رمضان فرب رمضان رب الشهور كلها , وروي ان علياً -رضي الله عنه- كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: "يا ليت شعري من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه".

ياخير من نزلَ النفوسَ أراحلُ
بالأمسِ جئتَ فكيفَ كيفَ سترحلُ
بكتِ القلوبُ على وداعك حُرقةً
كيف العيونُ إذا رحلتَ ستفعلُ
من للقلوبِ يضمها في حزنها
من للنفوس لجرحها سيعلّلُ
ما بال شهر الصومِ يمضي مسرعاً
وشهورُ باقي العام كم تتمهّلُ
عشنا انتظارك في الشهورِ بلوعةٍ
فنزلتَ فينا زائراً يتعجّلُ
ها قد رحلت أيا حبيبُ، وعمرنا
يمضي ومن يدري أَأَنتَستقبلُ
فعساكَ ربي قد قبلت صيامنا
وعساكَ كُلَّ قيامنا تتقبَّلُ
ياليلة القدر المعظَّمِ أجرها
هل اسمنا في الفائزينَ مسجّلُ؟
كم قائمٍ كم راكعٍ كم ساجدٍ
قد كانَ يدعو الله بل يتوسلُ
أعتقْ رقاباً قد أتتكَ يزيدُها
شوقاً إليكَ فؤادُها المتوكِّلُ
هلاّ غفرتَ ذنوبنا في سابقٍ
وجعلتنا في لاحقٍ لانفعلُ
يا سعدنا إن كانَ ذاكَ محقّقاً
يا ويلنا إن لم نفزْ أو نُغسَلُ
بكت المساجدُ تشتكي عُمَّارها
كم قَلَّ فيها قارئٌ ومُرتِّلُ
رمضانُ لا تمضي وفينا غافلٌ
ما كان يرجو الله أو يتذلَّلُ
حتى يعودَ لربه متضرِّعاً
فهو الرحيمُ المنعمُ المُتفضّلُ
وهو العفوُّ لمن سيأتي نادماً
عن ذنبهِ في كلِّ عفوٍ يأملُ
رمضانُ لا أدري أعمري ينقضي
في قادم الأيامِ أم نتقابلُ!!
فالقلبُ غايةَ سعدِهِ سيعيشُها
والعين في لقياكَ سوف تُكحِّلُ
 

الخطبة الثانية:

وبما أننا على أعتاب هذا الشهر الفضيل وجب علينا أن نبين مسألةً مهمة جدا, في عبادة عظيمة يختم بها شهر الصوم ألا وهي زكاة الفطر, هذه الفريضة فرضها النبي -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين صغيرهم وكبيرهم, غنيهم وفقيرهم, ذكرهم وأنثاهم وبين لها أحكامها ووضح لنا أسبابها ووقت إخراجها والغاية منها وإلى من تصرف.

فاسمع الى حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرض النبي -صلى الله عليه وسلم-زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير". وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فرض النبي -عليه الصلاة والسلام- صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين". وقال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-ـ: "كنا نخرجها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام، وكان طعامنا التمر، والشعير، والزبيب والأقط" وهو الحليب المجفف.

مما تقدم من هذه الأحاديث يتضح لنا مسائل: أن زكاة الفطر فريضة على كل مسلم وعلى من تلزمه نفقتهم وأنها صاع والصاع هو أربعة أمداد والمد هو كفي رجل معتدل وقد قدرها بعض العلماء وزنا تقدير لأن الصاع يختلف عن باختلاف المادة على أنها ما يقارب كيلوين ونصف.

 
ومن جمع الأحاديث أيضا نعلم أن مادة إخراجها يكون غالب قوت البلد الذي يأكله الناس, ولا ينبغي إخراجها أموال لأن ذلك مخالفة صريحة للنصوص الصحيحة التي وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال عنها: "طعمة" وقال: "صاعا من طعام" وقد كان لديهم أموال ولكن خصصت هذه العبادة بإخراج الطعام كما خصصت زكاة المال والذهب بإخراج الأموال وتعطى للمساكين تغنيهم عن السؤال في العيد.

 
وزمن إخراجها صباح العيد قبل الصلاة: لقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"، ورخص في إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين, وليس هناك قول على أنها تخرج قبل هذا لأنها تسمى زكاة الفطر، فتضاف إلى الفطر، ولو قلنا بجواز إخراجها بدخول الشهر كان اسمها زكاة الصيام. 

وقد يقول قائل: إن المساكين بحاجة للمال فهو أفضل لهم من الرز مثلا, وإن عندهم ما يكفيهم من الأكل فهم بحاجة إلى المال لشراء الملابس والانفاق منها ونحو ذلك.

 
والجواب على هذا السؤال -واسمع يارعاك الله-: إن العبادات توقيفية فلا يجوز لنا أن نتجاوز النصوص بأفهامنا ولا بعواطفنا, وإن الذي شرع العبادة هو أعلم بخلقه منهم, فبحكمته فرض زكاة الفطر طعاما, ونحن المسلمين نقول: سمعنا وأطعنا؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [النور: 63].

ثم لابد أن يُعلم أن الغاية من زكاة الفطر, هي تطهير الصائم من اللغو والرفث الذي طرأ على صيامه فلابد أن تنتبه لنفسك وما ينفعك لتطهر صيامك لا أن تقول: إن هذا ينفع المسكين أو هذا لا ينفع, فربك ورب المسكين واحد يعلم ما ينفعك وما ينفعه.

والذي يقول: إن المساكين اليوم لا يأخذون الطعام أو مواد غذائية فليذهب مع لجان توزيع زكاة الفطر في الأحياء الفقيرة ليرى كيف أن هناك من يأخذ الطعام!!.

 
والله سمعنا قصصا في هذه المدينة عن الفقراء والمساكين والجياع من أناس ذهبوا بأنفسهم ودخلوا بيوتهم, والله تقشعر لها الأبدان وتذرف لها الدموع.

 
فنحن في حال لا نعلم كيف يعيش غيرنا, فلو ذهبنا إليهم ورأينا حالهم لرقت قلوبنا ولعلمنا مانحن فيه من النعم ثم بعد ان نعطيهم زكاة الفطر ونقوم بإعطائهم الصدقات فزكاة الفطر عبادة والصدقات والزكاة عبادة أخرى.

 
فالذي يقول: أنا اخرج زكاة الفطر مالاً, كأنه لا ينفق الا زكاة الفطر, أليس في السنة صدقات إلا زكاة الفطر؟ أين نحن من قول الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 271]. (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) [الحديد: 18]. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 254]. (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون: 10]

نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأن يجعلنا من المنفقين والمتصدقين وقبل ذلك من المتبعين للنبي -صلى الله عليه وسلم-.