البحث

عبارات مقترحة:

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

حاجتنا إلى الثقة بالله عند النوازل

العربية

المؤلف حسان أحمد العماري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الابتلاء سنة الله في الحياة .
  2. الحكم الشرعية من الابتلاء .
  3. نماذج رائعة في الثقة بالله .
  4. مجالات الثقة بالله .
  5. الثقة بالله حاجة وضرورة .

اقتباس

الابتلاء بما فيه من مشقةٍ وشدةٍ وعسر ومعاناة؛ إلا أن فيه منح إلهية، وجوائز ربانية، جعلها الله لعباده المؤمنين، وللصف والمجتمع والأمة المسلمة، فمن ذلك: تكفير الذنوب والخطايا، ورفع الدرجات، وتطهير النفوس وتزكيتها، وربطها بخالقها، والتمكين والنصر، والتمييز والتمحيص بين العباد، ومعرفة أهل الصدق والصبر والإيمان، وكشف وفضح أهل الخيانة والكذب و...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي عز جلاله،فلا تدركه الإفهام، وسما كماله، فلا يحيط به الأوهام، وشهدت أفعاله أنه الحكيم العلام، الموصوف بالعلم والقدرة والكلام، سبحانه هو الله الواحد السلام، المؤمنون حبب إليهم الإيمان، وشرح صدورهم للإسلام، ويقبل التوبة، ويكشف الحوبة، ويغفر الإجرام، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.

وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير شهادة من قال ربى الله ثم استقام.

الله ربى لا أريد سواه

هل في الوجود حقيقة إلا هوُ

يا من وجب الكمال بذاته

فالكل غاية فوزهم لقياهُ

عجز الأنام عن امتداحك

إنه تتصاغر الأفكار دون مداهُ

من كان يعرف أنك الحق الذي

بهر العقول فحسبه وكفاهُ

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه، جاهد في الله بعزم واهتمام، حتى انقشع عن سماء الحق تراكم الغمام، وظهر في أفق الإيمان بدر التمام.

إذا أردت أن تفوز وترتقي

درج العلى أو تنالَ منه رضاهُ

ادم الصلاة على محمد الذي

لولاه ما فتح المكبرُ فاهُ

وله الوسيلة واللواء وكوثر

يروى الورى وكذا يكونُ الجاهُ

صلى الله وسلم عليه وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته، واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله: كثير من الأحيان تبدو الحياة مملة، وقد تغدوا في فترات من الزمان جحيماً لا تطاق بسبب مشاكلها ومصائبها وفتنها وابتلاءاتها.

ومن يتأمل في كلام الله في كتابه الكريم يجد أن الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان وأمره بعبادته وعرضه للابتلاء والامتحان لينظر كيف يعمل، وبأي طريق سيهتدي، وهل ستغير هذه الابتلاءات والمحن والشبهات والشهوات التي يتعرض لها من إيمانه وتقواه وعمله الصالح، وعلاقته بربه الذي خلقه ورزقه، وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة، وتعبده بالصر والشكر والرضا، فكم من مصائب وكوارث وأزمات يتعرض لها الإنسان في حياته، سواء كان ذلك في نفسه، أو في مصدر رزقه، أو في أهله وماله وأولاده، أو في دينه ومجتمعه وأمته، وهذا هو الابتلاء لم يستثن منه أحد؛ حتى أنبيائه ورسله وهم أقرب الخلق، وأحبهم إليه؛ روى الإمام أحمد في مسنده وابن حبانَ في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنّه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الناسِ أشدّ بلاء؟ فقال: "أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسَب دينه، فإن كان في دينِه صلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقَّة ابتُلِي على قدرِ دينِه، فما يبرَح البلاءُ بالعبدِ حتّى يتركَه يمشِي على الأرض وما عليه خَطيئة"[السلسلة الصحيحة (143)].

وقال تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَذِبِينَ)[العنكبوت: 1-3].

والابتلاء بما فيه من مشقةٍ وشدةٍ وعسر ومعاناة إلا أن فيه منح إلهية، وجوائز ربانية، جعلها الله لعباده المؤمنين، وللصف والمجتمع والأمة المسلمة، فمن ذلك: تكفير الذنوب والخطايا، ورفع الدرجات، وتطهير النفوس وتزكيتها، وربطها بخالقها، والتمكين والنصر، والتمييز والتمحيص بين العباد، ومعرفة أهل الصدق والصبر والإيمان، وكشف وفضح أهل الخيانة والكذب والنفاق، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَهِدِينَ مِنكُمْ وَلصَّبِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَرَكُمْ) [محمد: 31].

وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].

والابتلاء يحتاج من المؤمن إلى صبر وثقة ويقين بربه وخالقه سبحانه وتعالى بأن يعتقد أن ما كتبه الله وقدره إنما هو خيرٌ له في دينه ودنياه، وأن هناك حكم ومنح عظيمةٌ يدركها أو لا يدركها، وأن بعد الشدة يأتي الفرج، وبعد العسر يأتي اليسر، وأن بعد الليل مهما طال يأتي الفجر؛ فعلى المؤمن أن يحسن الظن بربه، وأن يلجأ إليه، قال تعالى وهو يخاطب المؤمنين وهم في موضع الابتلاء: (لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [النور: 11].

عباد الله: مهما كثرت المصائب، وتنوعت الخطوب، واشتدت المحن إلا المؤمن لابد أن يحيا وثقته بالله عظيمة، وأمله بالله كبير، فيحس بسكينة النفس، وطمأنينة القلب، فلا ييأس من تغيير الظروف وتبدل الأحوال، فهو يأوي إلى الملك العظيم الذي إن شاء أغنى الفقير، وأفقر الغني، وقوى الضعيف، وأضعف القوي، ونصر المظلوم، وأخذ الظالم، وشفى المريض، ويسر على المعسر، وأعز الذليل، وأذل العزيز، قد يفعل ذلك بأسباب معتادة معروفة، وقد يفعله بأسباب غير مألوفة، لا حجر على مشيئته، ولا ينازعه أحد في سلطانه.

هذا الأمل، وهذه الثقة بالله إنما هي ثمرة من ثمار الإيمان اليانعة، وجدتها أم موسى -عليه السلام- عندما أمرت أن تلقى ولدها وفلذة كبدها في البحر الهائج المتلاطم الأمواج، وهو الطفل الرضيع خوفاً من فرعون وجنوده، قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَلْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَمَنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)[القصص: 7- 9].

فلما كان حال هذه الأم، وكانت ثقتها بالله عظيمة تتابعت الأحداث، وتهيأت الأسباب، وعاد الولد إلى حضن أمه، قال تعالى: (فَرَدَدْنَهُ إِلَى أُمّهِ كَي تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)[القصص: 13].

لتعلم أن وعد الله حق، وأن الله قادر لا يعجزه شيء، والثقة بالله وجدتها هاجر عندما ولى زوجها ابراهيم -عليه السلام- وقد تركها في واد غير ذي زرع، صحراء قاحلة، وشمس ملتهبة، قائلة له: يا إبراهيم لمن تتركنا؟! قالتها فقط لتسمع منه كلمة يطمئن بها قلبها، فلما علمت أنه أمر إلهي، قالت بعزة الواثق بالله: "إذًا لا يضيعنا" ففجر لها ماء زمزم، وخلد سعيها في العالمين.

ومن وثق بالله نجاه من كل كرب أهمه؛ قال أبو العالية: "إن الله -تعالى- قضى على نفسه أن من آمن به هداه، وتصديق ذلك في كتاب الله: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن: 11].

ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3].

ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)[البقرة: 245].

ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186].

وكن واثقا بأن الله رازقك وكافيك، قال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[هود: 6].

وإذا كان العبد موقنا بأن الله رازقه، وبذل الأسباب الجالبة لذلك؛ رزقه الله، وأعطاه طلبه؛ جاء في الحديث عن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا"[رواه ابن ماجة(4164)].

وفي الحديث عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله"[صحيح الترغيب والترهيب للألباني (1703)].

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو فر أحدكم من رزقه أدركه كما يدركه الموت"[صحيح الترغيب والترهيب للألباني (1704)].

أيها المؤمنون -عباد الله-: كونوا على ثقة أيضاً بأن الله ناصر دينه، وعباده المؤمنين؛ فقد وعد بذلك، فقال: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر: 1].

وقال: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ)[الصافات: 171- 172].

فإذا كنت مؤمنا بالله، واثقا بوعده؛ فلا تهن ولا تحزن، قال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139].

وكونوا على ثقة بأن الظلم ما شاع في أمة إلا أهلكها، ولا انتشر في بلدة إلا خربها، ولا حل في قرية إلا دمرها، قال تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)[الكهف: 59].

وأن الظلم لا يدوم ولا يطول، وسرعان ما ينتهي ويزول، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم: 42].

وليل الظلم والطغيان لابد أن يبزغ بعده فجر الحرية والعدالة والكرامة؛ فجر تسود فيه قيم الحق والخير، فجر يأمن الخائف وينصف المظلوم وترد الحق ويقتص من الباغي، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].

فهذه هي سنةُ الله -تعالى- في خلقه، فلا يغترن أحد بالإمهال، فإنه ليس بإهمال، ولقد توعد الله -تعالى- الظالمين بالهلاك، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ) [يونس: 13].

وها نحن نرى الظلمة والطغاة والمتجبرين يتساقطون، وتسومهم سنة الله في العذاب والهلاك بعد الظلم والتكبر والتجبر على البلاد والعباد، فهل من متعظ ومعتبر قبل فوات الأوان؟

وأنت -أيها المظلوم-: ثق بالله وبقدرته ونصره فإنَّ مع العسر يسرا، ومع الصبر نصرا، وبعد الليل فجر، وبعد الشدة رخاء، وبعد الضراء سراء، قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 5- 6].

وقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7].

اللهم اجعلنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيقاً سعة ومخرجاً.

قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

عباد الله: إننا بحاجة إلى تربية أنفسنا على الثقة بالله والتوكل والاعتماد عليه؛ لتصلح أحوالنا، وتفرج همومنا، وتدفع عنا البلايا والمصائب والفتن، ذلك أنه لما ضعف التوكل على الله، وقع عدد من المسلمين في الشرك، ولجأ كثير من الناس إلى ارتكاب المحرمات والموبقات؛ لتأمين متطلباتهم، وتوفير حاجياتهم، وتحقيق رغباتهم.

فسفكت الدماء، وضيعت الأمانات، وظهر الغش والجشع، وحلت الشحناء والبغضاء بين الناس، وباع الرجل دينه بعرض من الدنيا قليل، وسكت كثير من الناس عن قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فظنوا وهم في حالة ضعف أن الرزق والأجل يمكن أن يتحكم بهما أحدُ من البشر، وأرضى الناس المخلوق بضعفه وفقره وحاجته، ونسوا الخالق -سبحانه- بقوته وقدرته وسعة ملكه، بل ظهر القلق والخوف والهلع في حياة الناس بسبب ضعف التوكل على الله؛ لأن قلوبهم لم تتصل بالله، ولم تعتمد عليه، فضاقت النفوس، وتكدرت الأحوال، ولم يصل المرء إلى غايته ومبتغاه، فخسر دينه ودنياه وآخرته.

لقد نسي هؤلاء أن الله هو الذي بيده الموت والحياة، وكل شيء عنده بمقدار، وأنه كتب الآجال وقدر الأقدار، وحكم بين العباد ولا يجري في هذا الكون أمر إلا بإرادته ومشيئته، وعنده علم الغيب لا ينازعه فيه أحد، قال تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].

لما أخرج الله يوسف من السجن لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن، ولم يأمر جدران السجن فتتصدّع، بل أرسل رؤيا تتسلل في هدوء الليل لخيال الملك وهو نائم، فيطلب من سيدنا يوسف أن يفسرها، ويخرج من السجن عزيزا كريما، هكذا، نلجأ إلى الله في كل أمورنا، ونثق به؛ لأنه هو الذي بيده مفاتيح الفرج، فثقوا بالله، وتوكلوا عليه، تصلح أحوالكم، وتطيب نفوسكم، وقدموا بين يدي ربكم عبادة خالصة، وعمل صالح، وخلق حسن وسلوك سوي.

اللهم اجعلنا ممن يتوكلون على ربهم حق التوكل، واحفظنا بالإسلام وأدم علينا نعمة الإيمان.

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.