البحث

عبارات مقترحة:

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

في استقبال الحجيج

العربية

المؤلف ناصر بن مسفر الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحج
عناصر الخطبة
  1. ترحيبٌ بضيوف الرحمن .
  2. مَشَاهِدُ لمخْتَلِف الحُجَّاج .
  3. تعلُّق القلوب بالبيت .
  4. الحجُّ مَبْعَثُ الذكريات .
  5. إكرام الله للحُجَّاج .
  6. شروط الحج المبرور .
  7. الذِّكر حكمة الشرائع .
  8. فضل وجزاء الحج .

اقتباس

هذا النداء، هذا الدعاء، هذا البكاء، هذا المريض، هذا الأمير، هذا الوزير، هذا الملك، هؤلاء جميعا، لماذا تدافعوا؟ لماذا تسابقوا؟ لماذا قدِموا؟ يريدون مَن؟ ويقصدون من؟ ويهتفون لمن؟ ويخطبون ودّ مَن؟ يريدون الله! الله! الله! قادَهُمُ الحُبُّ، وساقَهُم الشوق، وحَدَاهُم الهوى؛ يرجون الرحمة، ويطمعون في المغفرة ..

(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:27-28]. 

مرحباً بضيوف الرحمن، وقاصِدِي البيت، وعُشَّاقِ مكة المكرمة، والمتلهِّفين للمدينة المنوَّرَة، مرحباً بكم من كل فج عميق، ومن أي أرض، ومن شتى الأجناس.

مرحباً بكم عدد ورق الأشجار، وأكمام الأزهار، مرحباً بكم عدد ما غردت الطيور، وصدحت البلابل، وهبت النسائم، تحييكم الأرواح، وتغني لكم المهج، وتهتف لكم المشاعر.

أهْلاً بِمَنْ في حنَايا الروحِ مَسْكَنُهُ

وحُبُّهُ قُرْبَةٌ عُظْمَى لرحمنِ
أَقْبِلْ فَأرْواحُنَا تشْدو مُغَرِّدةً بحبِّ أفْضَلِ زُوَّار ٍ وإِخْوانِ
يَا قاصِداً مكَّةَ الأشواقِ مُغْتَرِباً عنْ بَيْتِهِ إنَّ فيها بيتَكَ الثَّاني

ما أروع المنظر، وأبدع المشهد، وأعذب الموقف، وأجل المقام! هذا الشاب المتدفق حيوية، والمترع نشاطاً؛ لماذا ترك اللهو، وهجر الملذات، وأقبل يسارع الخطا إلى مكة؟! هذه الفتاة الحسناء، والغادة الجميلة، تركت الترف، وأعرضت عن الزينة، عزمت على السفر، وتحملت المشقة، وأسرعت إلى البيت الحرام. لماذا؟!.

هذا الزعيم الكبير، اصطحب حاشيته، وسافر عن رعيته، وخضع بجوارحه، وتناسى ملكه، وخفّض رأسه، وألقى تاجه، وخلع ملابس زعامته، وارتدى اللباس الأبيض، والزي المتواضع؛ ماذا يريد؟ هذا العجوز الكبير المنهك الذي يجتر الخطا، لماذا أتى؟ وإلى أين يذهب؟ هذه المرأة الطاعنة في السن، اللاهثة الفؤاد، الدامعة العين، المحدودبة الظهر، ما الذي جاء بها؟ وأي عاطفة تسوقها؟ وعمن تبحث؟!.

هذا الفقير المعدم، والمسكين البائس، لماذا قضى العمر، وطوى السنين، وهو يجمع تكاليف الرحلة، وقيمة التذكرة، ليقبل في شوق، ويُقْدِم في لهف؟ هذا المعوَّق الذي يزحف على الأرض، هذا المشلول المحمول على الأكتاف، هذا الكفيف الذي يتلمس الطريق وكأنه يبصر كل شيء، يبتسم في شوق، ويخطو في شغف؛ هذا الذي يمشي حافياً ويتلذذ بذلك وكأنما يمشي على الحرير.

هذا النداء، هذا الدعاء، هذا البكاء، هذا المريض، هذا الأمير، هذا الوزير، هذا الملك، هؤلاء جميعا، لماذا تدافعوا؟ لماذا تسابقوا؟ لماذا قدموا؟ يريدون مَن؟ ويقصدون من؟ ويهتفون لمن؟ ويخطبون ودّ مَن؟ يريدون الله! الله! الله! قادَهُمُ الحُبُّ، وساقَهُم الشوق، وحَدَاهُم الهوى؛ يرجون الرحمة، ويطمعون في المغفرة.

بِعْتُ ذاتِي علَى حبيبٍ قريبٍ

مِنْ فؤادِي وَمِنْهُ حُبِّي وذَاتِي
تَاهَ لُبِّي وذابَ قَلْبِي لِرَبِّي فَهْوَ حُبِّي وسَلْوَتِي في حَيَاتِي
وَلَهُ كُلُّ ذَرَّةٍ في كِيانِي ومَمَاتي ومَنْسَكي وصَلَاتِي

رأى بعض الصالحين الحُجَّاج وقد هيؤوا إحرامهم، واستعدوا لسفرهم، وانطلقوا على رواحلهم، ميمِّمين البلد الحرام، فاهتزت مشاعره، واضطربت نفسه، ووقف يبكي ويردد: واضعفاه! واحسرتاه! وينشد، وهو يودع ركبهم:

فَقُلْتُ دَعُونِي واتِّبَاعِي رِكَابَكُمْ أَكُنْ طَوْعَ أَيْدِيكُمْ كَمَا يفْعَلُ العَبْدُ

ثُمَّ تَنَفَّسَ بأَلَمٍ وحرارة وقال: هذه حسرة من انقطع عن الوصول إلى البيت، فكيف تكون حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت؟ آه! يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق، ولمن شاهد السائرين إلى ديار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.

لِلَّهِ دَرُّ ركائِبٍ سَارَتْ بِهِمْ

تَطْوِي القِفَارَ الشاسِعاتِ على الدُّجى
رَحَلوا إلى البيْتِ الحَرامِ وَقَدْ شَجَا قَلبَ المُتَيَّمِ منهُمُ ما قد شَجا
نَزَلوا ببابٍ لا يَخيبُ نزيلُهُ وقُلُوبُهُمْ بَيْنَ المخَافَةِ والرَّجا

سبحان من جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمناً! يترددون إليه، ويرجعون عنه، ولا يرون أنهم قضوا منه وطراً! لقد أضاف الله تعالى هذا البيت إلى نفسه، وَنَسَبَهُ إليه، بقوله لخليله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) [الحج:26]، فتعلقت قلوب المحبين ببيت محبوبهم، فكلما ذكر لهم ذلك البيت حنُّوا، وكلما تذكروا بُعدهم عنه أنُّوا.

لا يُذْكَرُ الرَّمْلُ إِلَّا حَنَّ مُغْتَرِبٌ

لَهُ بِذي الرَّمْلِ أوطارٌ وأوطانُ
تهْفُو إِلى البَانِ مِن قلبي نوازِعُهُ ومَا بِيَ البَانُ، بلْ مَنْ دارُهُ البانُ

يا لها من مشاعر يثيرها الحج! يا لها من ذكريات يذكرنا إياها الحج! إنها الذكريات التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، إنه ربط القلوب بمجدها الوثيق، وتاريخها العميق، الذي يبدأ منذ فجر البشرية؛ فهنا مبعث الأنبياء، ومَهْوَى قُلُوبِ الأولياء، هنا أتى آدم -عليه السلام-، هنا سار إبراهيم وإسماعيل، هنا حج موسى ويونس ومحمد -صلى الله عليه وسلم-، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، هنا درج الأولياء وبكى الأتقياء، وتناثرت دموع التائبين، وتردد أنين الخاشعين.

هنا تُسكَب العبَرات، وتقال العثرات، وتُمْحَى الزلات؛ هنا الكعبة، وزمزم والركن والمقام، والخيف وحراء ومنى وعرفات؛ هنا هبطت (اقْرَأْ) على قلب اليتيم، فانفتح دفتر الكون، وسجل قلم التاريخ، وانطلقت رحلة الكرامة؛ من هنا تنفس صبح الفضيلة، وبزغ فجر الإيمان، وأشرقت شمس التوحيد.

أيها الحاج! لقد أكرمك الله مرتين: الأولى في الدنيا، بأن هداك لزيارته، واجتباك لرحابه، وشرفك بطاعته، وجاد عليك بأنواع الجود، براحة نفسك، ويقين فؤادك، واطمئنان خاطرك، وسمو أخلاقك، ونقاء وجدانك، وفرح مشاعرك، ولقاء إخوانك، وسياحة روحك، وغفران ذنوبك، فضلاً عن المنافع الدنيوية المتعددة التي ستشهدها بحجك لبيت الله، وقدومك لطاعته، كما قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم) [الحج:28].

فالإيمان راحة في الدنيا، وأنس في الحياة؛ والعمل الصالح يشرح الصدر، ويبهج القلب؛ قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

والإكرام الثاني هو الإكرام في الآخرة، وهو الإكرام الأهم، والعطاء الأكبر، والجود الآجِل، والإحسان الأسمى (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:38]، (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى:17].

إكرامه هناك لا تحده حدود، ولا تصفه كلمات، ولا تجليه عبارات، ولا يتخيله عقل، ولا يخطر على قلب، كما قال تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17]، عطاؤك هناك: "ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، عطاؤك هناك أن يعتقك من النار، ويدخلك الجنة، ويلبسك الرضوان، ويمنحك الحسنى، وزيادة!.

واستمع الآن إلى القرآن وهو يحدثك عن شيء من الإكرام، وبعض من النعيم، حيث يقول تعالى: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) [الزخرف:68-73]. (يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) [الدخان:51-55].
 

وهذا هو المصطفى صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن الجنة ونعيمها بألفاظ أحلى من الشهد، وأرق من النسيم، وأضوأ من الفجر، تبعث البشرى، وتنشر الرضا، وتسبي القلوب، وتطرب الأرواح، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ومالنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا" متفق عليه.

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبَيِّضْ وُجوهَنا؟ ألم تُدْخِلْنا الجنة وتُنَجينا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم" رواه مسلم.

إن الحج بوابة عظمى إلى الجنة، وطريق موصل إلى الرضوان؛ فها هو أعظم مَن حَجَّ البيتَ، وأتْقَى من قَصَدَ الحرم، وأزكى من صدح بالتلبية، يحدثنا عن الحج وبدائعه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" رواه البخاري.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق عليه، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم" السلسلة الصحيحة.

إن الحج جزاؤه الجنة، لكنه الحج المبرور! والحج المبرور هو الذي تجتمع فيه ثلاثة أمور:
الأول: إخلاص النية لله عز وجل، والسلامة من الرياء، (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) [البقرة:196]، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: حج النبي -صلى الله عليه وسلم- على رحلٍ رثٍّ لا تساوي أربعة دراهم، ثم قال: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة" ابن ماجه وصحَّحه الألباني. فعلى الحاج ألا يقصد بحَجِّهِ رياءً ولا سمعة، ولا مباهاة ولا فخراً ولا خيلاء، وإنما يقصد به وجه الله ورضوانه، ويتواضع في حجه ويستكين، ويخشع لربه، ويلزم السكينة والإخبات، والخشوع والخضوع.

والثاني: الإتيان بأعمال البر، من الإحسان إلى الناس بالقول والفعل، والقيام بأعمال الطاعات كلها، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البر فقال: "البر حسن الخلق" رواه مسلم، وكان ابن عمر يقول: البِرُّ شَيْءٌ هَيِّن: وَجْهٌ طَلِيقٌ، وكَلَامٌ لَيِّن.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم-: "إن من موجبات المغفرة بذل السلام، وحسن الكلام" الطبراني وصححه الألباني، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بِرُّ الحج إطعام الطعام، وطِيب الكلام" رواه الحاكم وحسَّنه الألباني. ومن أعظم أنواع بر الحج كثرة ذكر الله تعالى فيه، فما أقيمت الشعائر إلا لإعلان ذكره، والترنيم بشكره وهو القائل: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [البقرة:200].
 

والأمر الثالث: الذي يكون الحج به مبروراً هو اجتناب أفعال الإثم فيه من الرفث والفسوق والجدال المفضي إلى الخصام. والرفث هو الجماع والكلام فيه، والفسوق هو المعاصي والخروج عن السنن والأحكام الواجب اتباعها إلى البدع والمحدَثات، وما يخالط ذلك من الشرك بدعاء غير الله أو الاستغاثة به.

وما تزود حاج ولا غيره بأفضل من زاد التقوى، ولا دُعي للحاج عند توديعه بأفضل من أن يزوده الله التقوى، ولا وُصِّي بأحسن من التزام تقوى الله؛ فهي رأس مال الفائزين، ووصية الله للأولين والآخرين. عن أنس -رضي الله عنه- جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أريد السفر، فزوِّدْني. قال: "زوَّدَكَ اللهُ التقوى" الترمذي وحسَّنه الألباني.
 

وقال رجل لمن ودعه للحج: أوصيك بما وصَّى به النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذاً حين ودَّعَه: "اتق الله حيثما كنت، وأَتْبِع السيئةَ الحسنةَ تمْحُها، وخَالِق الناس بخلق حسن" صحيح التومذي.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة؛ وأما وقوفك بعرفة، فإن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاؤوني شُعْثَاً غُبْرَاً من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني. فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثْلُ رملٍ عالجٍ -أي متراكم-، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوبا، غسلها الله عنك؛ وأما رميك الجمار فإنه مذخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك" صحيح الترغيب.

يَا إِلهِي إِنِّي مُقِرٌّ بِذَنْبِي

وخَطَايَا جَوارِحٍ مُسْرِفَاتِ
يَا إِلهي ومَنْ إِليه اتِّجاهي يَا رَبيعَ الأَفْكَارِ والذِّكْرَياتِ
اُمْحُ عنَّا صحائفَاً مِنْ ذُنُوبٍ واعْفُ عَنَّا يا غافِرَ السَّيِّئاتِ