البحث

عبارات مقترحة:

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

ماذا يريد هؤلاء الأغرار؟!

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله بن حميد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. اتفاق الشرائع على حفظ حقوق الإنسان .
  2. سماحة الإسلام ورحمته .
  3. النكير على المفسدين في الأرض .
  4. عواقب التخريب والتفجير .
  5. أدلة تحريم الأعمال التخريبية والتفجيرية في بلاد المسلمين . .
اهداف الخطبة
  1. بيان أدلة تحريم الإعمال التخريبية في بلاد المسلمين
  2. بيان عواقب التخريب والتفجير في بلاد الإسلام .

اقتباس

إنَّ مثلَ هذه الإقدامَات الحمقاء قدَّمت الذرائعَ والمسوِّغات لمزيدٍ من التدخّل والتسلُّط ومزيدٍ من الإثارات والثارات على الإسلام وأهلِه ودياره. ألم يدرِكوا أنه لم يستفد من ذلك إلا الحاقِدون والموتورون الذينَ يسرُّهم أن يختلطَ أمرُ الأمة ويختلَّ أمنها ويضربَ بعضها بعضًا؟! لقد أصبحَ المسلمون بعلمائهم ورِجالهم وساستِهم ودعاتهم وبل شبابهم ...

 

  

أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتّقوا الله رحمكم الله، فمتاعُ الدّنيا قليل، والحساب طويل، فتهيّؤوا للنُّقلة قبلَ أن يفجأَ الرّحيل، واستعدّوا بالزّاد ليومِ المعاد، استغفِروا ربَّكم وتوبُوا إليه، تحلَّلوا من المظالِم، وخذوا على يد السفيهِ والظالِم، جِدّوا ولا تفَرّطوا، فحسرةُ الفوتِ أشدّ من سَكرة الموت، ومِن عَلامة إعراضِ الله عن العَبد أن يُشغِله فيما لا يَعنِيه، (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:39].

 
أيّها المسلمونَ، اتّفَقتِ الشرائعُ والملَل علَى حِفظ حقوقِ الإنسَان وتقريرِ كرامته، فالخلقُ سواسيَة في التكاليفِ والمسؤوليات، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
بَنُو آدَم كلُّهم أهلٌ للتّكريم والاحترام والتّفضيل، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:70]، (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الانفطار:6، 7] .

 
دينُ الله الذي جاءَت به الرّسُل عليهم السلام دعَا إلى ترابُط البشَر فيما بينهم وتعاوُنهم على الخيرِ والبرّ والعدلِ والصلاح: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل:90]، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2].
أمّا في دين الإسلام فإنّ السماحةَ والرحمةَ تأتي في أصولِ مبادئه وتعاليمه وفي روحِ أحكامه وتشريعاته، فرحمةُ ربّنا وسِعت كلَّ شيء، وهي قريبٌ من المحسنين، ومحمّد صلى الله عليه وسلم هو رحمةُ الله للعالمين أجمعين، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107].

 
وتأمّلوا ـ رحمكم الله ـ كيف جاء الاقترانَ بين النّهيِ عن الفساد في الأرض وأمَلِ الحُصول على رحمةِ الله عزّ وجلّ: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56].

 

كَما تتميَّز تعاليمُ دين الإسلام بإِعطاء الطابَع الإنسانيّ منزلةً متميّزة في قِيَم أخلاقيّة عالية، (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8]، (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:251]، (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) [الحج:40].

 
معاشرَ المسلمين، كلُّ هذه المبادِئ والمثُل وأمثالها لتكونَ الحياةُ طيّبَة ولتُعمَرَ الأرض ويسودَ الصّلاح والإصلاح، وذلكم هو سبيلُ التقوى والتّكريم، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].

 
وكلُّ هذه المبادئ والمثُل ليأمَن الناس على أنفسِهم مِن أنفسهم، وليتَّقوا شرورَ أنفسِهم وسيّئات أعمالهم، وليحذَروا نزغاتِ شياطين الإنسِ والجنّ ووسواسِهم، (شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام:112].

 
بنُو الإنسان هم خُلَفاء الأرضِ ليبنُوا ويعمُروا ويتنافَسوا في الإصلاح فيها، (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام:164، 165].

 
أيّها المسلمون، ولترسيخِ هذه المبادئِ وليسودَ الصلاح والإعمار فقد اشتدَّ النكير على من سَعَى في الأرض ليفسدَ فيها ويهلِكَ حرثَها ونسلَها: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) [الأعراف:56 ]، (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:205].

 
ومِن أجل ذلك كذلك فإنَّ من أعظم الذنوب وأكبرِ الكبائر سفكَ الدم الحرام وقصدَ المعصومين بالتخويفِ والتّرويع والإيذاءِ والقتل، ناهيكم باستخدامِ وسائل التفجيرِ والتخريب، فكلّ ذلك من أشدِّ أنواع الفساد في الأرض والإفسادِ في الخَلق.

 
وإنَّ من الحكمةِ والتعقّل النظرَ في آثار مِثل هذه التصرُّفات ونتائجِ مثل هذه المسالك، ولا سيّما على أهل الإسلام وديارِ الإسلام. لا بدَّ من وقفةِ حِساب وموقفِ محاسبةٍ مِن أجل النظر في المكاسِب والخسائر، ماذا جرّت هذه التصرفات؟ وماذا جرى لأهلِ الإسلام؟ لقد تغلغَلَ الأعداء في كثيرٍ مِن ديار المسلمين واستطالوا على المسلمين بألسنَتِهم وأسلِحتِهم وإعلامهم وأقلامهم، واستنفَروا جمعيّاتٍ ومنظَّمات وهيئاتٍ، حتى جعَلوا المظلومَ ظالمًا وصاحبَ الحقِّ باغيًا، مستدِلّين ومستندين إلى مثلِ هذه التصرّفات الرَّعناء، ومتذرِّعين بمثل هذه المسالِك الهوجاء. لقد أوشكَت أن تضمحلَّ قضايا المسلمين الكبرى، وتتوارَى مشكلاتٌ أخرَى يرادُ لها أن تأخذَ المسارَ نفسَه.

 
إنَّ مثلَ هذه الإقدامَات الحمقاء قدَّمت الذرائعَ والمسوِّغات لمزيدٍ من التدخّل والتسلُّط ومزيدٍ من الإثارات والثارات على الإسلام وأهلِه ودياره. ألم يدرِكوا أنه لم يستفد من ذلك إلا الحاقِدون والموتورون الذينَ يسرُّهم أن يختلطَ أمرُ الأمة ويختلَّ أمنها ويضربَ بعضها بعضًا؟! لقد أصبحَ المسلمون بعلمائهم ورِجالهم وساستِهم ودعاتهم وبل شبابهم مادّةً يلوكها الإعلامُ والفضاء، وكم من ساخطٍ وحاقد تدخَّل فيما لا يعنيه بسببِ هذه التصرفات.

 
هؤلاء الصِّغار الأغرار هاجموا بلادَهم، وقتَّلوا أهليهم ورجالهم، وخفروا ذمّةَ ولاةَ أمورهم، وروَّعوا الآمنين، وفتحوا الأبوابَ لتمكين المتربِّصين. ويحَهم، هل يريدون جرَّ الأمّة إلى ويلاتٍ تحلق الدينَ وتزعزع الأمنَ وتشيع الفوضَى وتحبِط النفوس وتعطِّل مشاريعَ الخير ومسيرةَ الإصلاح؟! هل يريدون أن يذلَّ الأحرار وتدَنَّس الحرائِر ويخرجَ النّاس من ديارهم؟! هل يريدون أن يكثرَ القتل وتنتهَكَ الحرُمات وتتفرّقَ الناس في الولاءات وتتعدَّد في المرجعيات حتى يغبط الأحياءُ الأمواتَ كما هو واقعٌ ـ مع الأسف ـ في بعض الديار التي عمَّتها الفوضى وافترَسها الأعداء؟! يريدون إثارةَ فِتن وقودُها الناس والأموال والثّمرات، ونِتاجُها نَقص الدّين ونشر الخوفِ والجوع والفُرقة.

 
ألا يعلَم هؤلاء الأغرَار أنّه على طولِ التاريخ لم تنجَح حركةٌ تتَّخِذ من العنف مسلكًا؟! ألم يعلَموا أنه لا يمكِن أن يؤدّيَ الإرهاب إلى تحقيقِ هدَفٍ أو مكسب؟! ناهيكم إذا لم يكُن له هدفٌ واضح أو قضيّة بيّنة، فضلاً أن يكونَ له هدف مشروعٌ أو حقّ ظاهر. كم من شابّ غرٍّ أقدم على اغتيالٍ وتفجير وتدميرٍ، قتل نفسَه ومن حوله دونَ مسوِّغ شرعيٍّ عياذًا بالله.

 

إنهم أغَيلِمةٌ صِغار يعيشون عزلَتَين: عزلةً نفسيّة شعوريّة، وعزلة علميّة، انطواءٌ على الذّات وانفصالٌ عن المجتَمَع وأهل العلم وعَزلٌ للمرجعيّات المعتَبَرة والبُعد عن وسَطِ أهلِ العلم وبيئَتهم، ومن ثَمَّ ليُّ أعناقِ النّصوص الشرعية وتوظيفُ دلالتها غيرِ الدّالّة في تسويغِ فِكرهم وأعمالهم؛ ليعيشوا في بيئةٍ متعالمةٍ ضيِّقة خاصّة قاتمةٍ على التحيُّز والتعصّب والاستدلال المنبَتّ عن أصولِه وضوابطه المعتبرة. ولقد علِموا ـ إن كانوا يعلمون ـ أنّه لا يوجَد أحَدٌ مِن أهل العلم ممّن يُعتَدّ به أجازَ مِثلَ هذه الأعمالِ والتصرّفات. وليحذَر مَن يتّقي اللهَ ربَّه وينصَح لدينه وأهلِه أن يسوِّغ لمثل هذه الأعمالِ أو يفرَحَ بها أو يتردَّد في إنكارها.
أيّها المسلمون، إنَّ المخاطر كثيرة، وإنَّ مكرَ الأعداء كبير، وهذا كلُّه يستوجِب يقظةَ الجميعِ في مواجهةِ كلِّ فكرٍ ضالّ أو تصرُّف عنيف أو سلوكٍ إرهابيّ.

 

إنَّ هذا الإفسادَ في الأرض يستهدِف الجميعَ، وتهدِّد نتائجُه وآثارُه الجميع. يجب توعيةُ النّاشئة وتذكيرهم ليعظِّموا أوامرَ الله وحرماتِه، ويحذَروا سخطَه ونواهيَه، وكما تدرِك الأمّة عِظمَ ذَنب تارك الصلاةِ يجب أن تدركَ عظَمَ جُرم هذا الإفسادِ وخطَره على الدّين والدّنيا، فنبيُّنا محمّد صلى الله عليه وسلم الذي قال: " العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، من تركَها فقد كفر " هو الذي قال: " لزَوال الدّنيا أهونُ عند الله من إراقة دمِ مسلمٍ"، وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام: " لا يَزال المرءُ في فسحةٍ من دينِه ما لم يصِب دمًا حرامًا " ، وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: " من قَتَل معاهدًا لم يرَح رائحةَ الجنّة " ، وهو الذي قال ـ بأبي هو وأمي ـ عليه الصلاة والسلام: "من خرَج على أمتي بسيفِه يضرِب برَّها وفاجرها فليس منّي ولست منه" ، وهو الذي قال: " مَن رفَع علينا السلاح فليسَ منّا ".

إنّنا بحاجةٍ إلى المواجهةِ بكلِمة الحقِّ الصادِعة والقولِ السّديد، ينهضُ به العالمُ والمعلّم والواعظ والخطيب والمفكِّر والكاتب.

 

إنَّ على العلماء والمفكِّرين وأصحابِ الرأي والقلم وهم حُرّاس الدّين والدّيار والقِيَم والمكتسَبات، عليهم مسؤوليّة كبرى في توجيهِ الشّباب وتثقيفِهم وتوعيَتِهم وحمايَتِهم من الانسياق وراءَ أصحاب الأفكارِ الشاذّة والمنحرفة وأصحابِ الأغراضِ والأهواء، لا بدّ من حسن التوظيف للمنابر ووسائل الإعلام والنشر والمناهج والسعي الجادِّ نحو حِفظ الدين والأمّةِ والدّيار، يجب التوجُّه نحوَ حِفظ الحقوق وبِناء القوّة والسعي الجادّ في حِفظ جمعِ الكَلِمة والمحافظَة على وحدةِ الصفِّ ومعرفةِ فِقهِ الخِلاف وأدَبِ الاختلاف وحسنِ الدعوة إلى الله والجِدال بالتي هي أحسَن لا بالتي هي أخشن والحوارِ الهادِئ والنّقد البنّاء.

 
أيّها المسلمون، ومع هذا كلِّه فإنّ الأمةَ مطمئنّة إلى أهلها ورجالها وصِغارها وكِبارها، شبابِها وعلمائها، ساستِها وأهلِ الرأي فيها، كلُّهم على منهجٍ وسَط، فللَّه الحمد والمنّة.

 

 تلكم حقيقةٌ راسخة ثابِتة، لا يمكن تغييرُها والخروجُ عليها بإذن الله، تربَّوا عليها في مناهجِ التعليم، وفقهُوها وعيًا، وتمثَّلوها مسؤوليّةً وسلوكًا، فهم لا يشُقّون الطاعة، ولا يفرِّقون الجماعة، ولا ينازِعون الأمرَ أهلَه، ولا يضخِّمون الأخطاءَ، ولا يخفُونَ الحسَنات، ولا يقطَعون ما أمَرَ الله به أن يوصَل، ولا يفسِدون في الأرض، ولا يثيرُونَ الفتَن، ولا يعتدُون على مؤمِنٍ ولا مستَأمَن، ولا يغدِرون بذمّة، ولا يروِّعون آمنًا، ويتّقون اللهَ ما استطاعوا، يؤمُرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويسارِعون في الخيرات بإذن الله. هذا عندهم منهجٌ ودِين ومسلَك وعقيدةٌ، والتّقصير البشريّ وارِد، بل واقع، والنّقدُ الهادِف مُتاح، وكلّ ابنِ آدم خطّاء، وخيرُ الخطّائين التّوّابون.

 
وبعد: عباد الله، فالسّعيد من أدركته منيّتُه وهو ثابتٌ على شهادةِ التّوحيد، ليس في رقَبَته شيءٌ من حقوقِ العباد، ملازِمٌ لجماعة المسلِمين، متّقٍ للفِتَن، يحذَر فِتنًا لا تصيب الذين ظلَموا خاصّة.

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) آل عمران:8، 9 .

 
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم وبهدي محمّد صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله مَا سبّحَت بحمدِه ألسنةُ الذاكِرين، وسبحانَ الله ما أشرَقت بأنوار الطاعةِ وجوهُ العابدين، أحمده سبحانه وأشكُره، أفاض علينَا من النِّعَم والإحسان ما لا تبلُغه مسائل السائلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيّدنا ونبيَّنا محمّدا عبد الله ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بحسان إلى يومِ الدّين.

 
أمّا بعد:

 أيّها المسلمون، إنّ المخاطرَ كثيرةٌ، وإنّ مكرَ الأعداء كبير، وإن المستهدَفَ هو الإسلام وأهل الإسلام، وبخاصّة دار الإسلام الأولى بلادُ الحرمين الشريفين، يريدون ضربَ دورِها الرئيس في محيطِها العربيّ والإسلاميّ والدّوليّ، غيرَ أنَّ الحقَّ وأهلَه ودولتَه تقِف في مثل هذا مواقفَ حازِمَة، وتتعامل معها بمسؤوليّةٍ حِمايةً للدّين والدّار والنّاس، ولقد برهَنَت هذه الأحداثُ على اليَقَظة والكفَاءة والأداء الرفيع ودِقّة التّعامل، ممّا يسجِّل إنجازاتٍ أمنيّةً وقوّة إدارية ورؤيَة بعيدَة في كلِّ الظروف الزّمانيّة والمكانيّة، فلله الحمد والمنّة.

 

لقد نجَحَت كلُّ القِطاعات ـ الإداري منها والأمنيّ والسياسيّ ـ في التعامُل مع هذه الأحداثِ حِفاظًا على الدّين والدار والمكتسَبَات؛ لقناعة الجميع بأنَّ أيَّ تصرُّف من هذه التصرّفات الشاذّة لا يستهدف سوى الدين ومركز هذه البلاد وأمنِها وجماعتها.

 

موقفٌ حازم تتّخذُه الدولةُ ضدَّ الإرهاب والفوضى والفتنة في جهدٍ أمنيّ وتوجيهٍ تربويّ وخِطاب توعويٍّ لمنع هذا الفكرِ الشاذِّ، وبخاصّةٍ في أوساطِ الشباب وأصحابِ المعارف القليلة والإدراكِ المحدود.

 
ومع كلِّ هذه الإنجازاتِ المشكورة والثّقَةِ الواثقةِ فمطلوبٌ مزيدٌ من اليقَظَة، وبخاصّةٍ على المستوى الفرديّ والشعبيّ والأسريّ، في تنبيهِ الأبناء وتحذيرِهم من هذه المخاطِر والانزلاقاتِ في الأفكار الضالّة غلوًّا وجفاءً، حمَى الله هذه الديارَ وديارَ المسلمين من كلِّ سوء، وجنَّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وحفِظ علينا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا وآخرتَنا التي إليها معادنا، إنه سميعٌ مجيب.

 

هذا، وصلّوا وسلِّموا على الرّحمة المهداةِ والنّعمَة المسداة المبعوث رحمةً للعالمين سيد الأولين والآخرين، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم التنزيل، فقال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56 ].

 
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك نبينا محمّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...