الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | محمد جمعة الحلبوسي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - صلاة العيدين |
إن التضحية هي أساس عزة الأمة، ولذلك سلفنا الصالح ضحّوا بالغالي والرخيص والدم والنفيس لوجه الله -جل وعلا-، تحمَّلوا الجوع والعطش والبرد والأذى لخدمة هذا الدين، صبروا على الامتحان، وآثروا العقيدة على نعيم الدنيا، تركوا أموالهم وعشيرتهم وأوطانهم، ضحّوا بالمصالح، وأواصر القربى والعلاقات والروابط..
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر ما لبس الحَجِيج ملابسَ الإحرام، الله أكبر ما رأوا الكعبة فبدَؤُوها بالتحيَّة والسلام، الله أكبر ما استلَمُوا الحجر، وطافُوا بالبيت، وصلُّوا عند المقام، الله أكبر ما اهتدوا بنور القرآن، وفرحوا بهدي الإسلام، الله أكبر ما وقَف الحجيج في صَعِيد عرفات، الله أكبر ما تضرَّعوا في الصفا والمروة بخالص الدعوات، الله أكبر ما غفَر لهم ربهم، وتحمَّل عنهم التَّبعات، الله أكبر ما رموا وحلَقُوا وتحلَّلوا ونحَرُوا، فتمَّت بذلك حجَّة الإسلام، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
أما بعد: أيها المسلم الكريم: ما أحوج الأمة في هذه الأيام، وفي هذا اليوم العظيم يوم الأضحى أن تتعلم -درس التضحية والفداء- من خليل الله إبراهيم -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام-؛ فسيدنا إبراهيم -عليه السلام- قد قدم للبشرية كلها أغلى وأعلى دروس التضحية والفداء.
فتعالوا بنا اليوم لنتعلم من خليل الله إبراهيم خُلق التضحية؛ لأن اليوم هو يوم التضحية، فها هو إبراهيم -عليه السلام- يتضرع إلى الله -جل وعلا- أن يرزقه ولداً صالحاً ليعينه في هذه الحياة، فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)[الصافات:100].
واستجاب الله -جل وعلا- دعاء خليله إبراهيم، فبشَّره بغلام حليم: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)[الصافات:101]، لم يكد إبراهيم -عليه السلام- يأنس بولده، ويسعد بصباه، ويفرح بسعيه معه، إلا ويفاجأ إبراهيم بالابتلاء العظيم؛ إنه يرى أنه يذبح ولده في المنام بيديه! ورؤيا الأنبياء وحي.
هل تتصورون هذه اللحظات أب مرَّت عليه السنوات الطويلة، ولم يُرزَق بذرية ثم يدعو ربه فيرزقه الله بولد، وليس أيّ ولد إنما بغلام حليم، ثم يؤمر بعد ذلك بذبحه كيف يكون حاله؟ كيف يكون موقفه؟
لكن خليل الرحمن -عليه السلام- يقوم لينفذ أمر ربه -جل وعلا- بهذا الغلام البارّ الحليم، ويقول له: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)[الصافات:102]، فيرد الغلام البارّ: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الصافات:102].
إنها التضحية، التضحية بماذا؟ التضحية بالابن الوحيد الذي طالما تطلع إليه إبراهيم -عليه السلام-، إنه الابتلاء الذي لا مثيل له في تاريخ البشر، إنها التضحية التي تعجز عقول البشر أن تتصورها مجرد تصور فحسب. وانطلق إبراهيم للتنفيذ فعلاً: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)[الصافات:103]، وهنا نادى الله -جل وعلا- على إبراهيم: (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الصافات:105-109]. سلام على خليل الرحمن سيدنا إبراهيم الذي علم الدنيا خلق التضحية في سبيل الله.
فأين مسلم اليوم من خُلق التضحية؟ ما هو دوره من التضحية؟ ماذا بذل وقدّم من تضحية لدينه وعقيدته؟ نعم نحن نضحي من أجل المال، ونضحّي من أجل الوظيفة، ونضحّي من أجل الزوجة والأولاد، ونضحي من أجل العشيرة، ونضحّي من أجل الكرسي، لكن القليل منا من يضحي من أجل دينه وعقيدته.
إن التضحية -أيها المسلم- هي أساس عزة الأمة، ولذلك سلفنا الصالح ضحّوا بالغالي والرخيص والدم والنفيس لوجه الله -جل وعلا-، تحمَّلوا الجوع والعطش والبرد والأذى لخدمة هذا الدين، صبروا على الامتحان، وآثروا العقيدة على نعيم الدنيا، تركوا أموالهم وعشيرتهم وأوطانهم، ضحّوا بالمصالح، وأواصر القربى والعلاقات والروابط، ضحوا بعلاقاتهم مع آبائهم وأبنائهم، وإخوانهم وأخواتهم وعشيرتهم في سبيل مرضاة الله -جل وعلا-، وفي سبيل إعلاء دينه، ورفعة كلمته.
هذا سيدنا مصعب بن عمير الصحابي الجليل أول سفير للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل المدينة، الرجل الذي سجل موقفًا عظيمًا في التضحية؛ مصعب كان أجمل شباب قريش، وأعطرهم، وأطيبهم، وأترفهم دلالاً، فلما خالط الإيمان بشاشة قلبه، وآمن بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً، فسمعت به أمه؛ فجاءت إليه فقال: يا مصعب! سمعت أنك آمنت بدعوة محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم يا أماه. قالت له: أريدك أن تكفر بدعوة محمد -صلى الله عليه وسلم-. فقال: لها لا يكون ذلك يا أماه. قالت له: سأحرمك من نعيمك ومن ترفك، وما أنت فيه؟
فماذا يفعل مصعب هل يتخلى عن المال والجاه والترف؟ أم يتخلى دين سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ وكلنا يعرف أن المال شقيق الروح، وأن المال له سحره وبيانه، وكم رأينا في دنيا اليوم من أخوين ناما في فراش واحد، ورضعا من ثدي واحد، وأكلا من رغيف واحد؛ فرَّق بينهما المال!، وكم رأينا أرحام تقاطعت بسبب المال!، وكم من أسرة تفرّقت بسبب المال!، وكم إنسان قتل أخاه من أجل المال!، وكم من إنسان باع دينه وضميره من أجل الحصول على المال!
لكن سيدنا مصعبا لم يؤثر فيه حب المال بل ضحى بالمال والترف والنعيم واختار دين محمد -صلى الله عليه وسلم- فقدَّمها وبذلها لله، فلبس أخشن اللباس، وبقي زاهداً في ذلك كله، حتى إنه -رضي الله عنه- لما استُشهد لم يجدوا ما يكفنونه به، فكُفِّنَ بعباءة إذا غُطِّي رأسه بدت رجلاه، وإذا غُطِّيت رجلاه بدا رأسه، وكان من أعطر وأثرى وأجمل وأترف شباب قريش، ولما مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، وقف ودعا له، ثمّ تلا قوله -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)[الأحزاب: 23].
فأين الأمة من تضحية سيدنا مصعب -رضي الله عنه-؟ هذا درس عظيم في التضحية يقدمه سيدنا مصعب لكل من باع دينه من أجل المال، وكل من ضحى بدينه من أجل الوظيفة. وكل من باع دينه من أجل الجاه والمنصب. ليقول لهم: ضحوا بكل من أجل دينكم وعقيدتكم؛ فالدنيا زائلة والآخرة هي خير وأبقى.
بل هذا حكيم بن حزام؛ صحابي من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن ضحوا لهذا الدين، حكيم، يسلم إسلاماً يملك عليه لبَّه، ويؤمن إيماناً يخالط دمه، ويمازج قلبه، وهو يقطع على نفسه عهداً أن يكفر عن كل موقف وقفه في الجاهلية، أو نفقة أنفقها في عداوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأضعاف أضعافها، وقد بَرَّ في قَسَمِه، وصدق فيما عاهد.
فيوم آلت إليه دار الندوة التي كانت تعقد قريش مؤتمراتها فيها في الجاهلية، ويجتمع ساداتها وكبراؤها فيها ليأتمروا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذه باعها بمائة ألف درهم، فيقول فتى من قريش: بعت مكرمة قريش يا حكيم؟! فقال: "يا بني! ذهبت المكارم كلها ولم يبقَ إلا التقوى، أو ما يسرك يا بني! أن أشتري بها داراً في الجنة؟ إني أشهدكم أني جعلت ثمنها في سبيل الله؛ أرجو ذخرها وبرّها عند الله"؛ ضحَّى بثمنها كله في سبيل الله.
ثم انظر إليه يوم ذهب لحج بيت الله الحرام ساق أمامه مائة ناقة مجللة بالأثواب الزاهية، ثم ينحرها جميعها؛ تقرباً إلى الله -تعالى-، ولا تعجب يوم يحج ثانية فيقف في عرفات، ومعه مائة من عبيده، قد جعل في عنق كل واحد منهم طوقاً من فضة، نقش عليه عتقاء لله -عز وجل- ثم يعتقهم جميعاً على عرفات؛ ويسأل الله -عز وجل- أن يعتق رقبته من النار.
ثم يحج ثالثة فيسوق أمامه ألف شاة، ثم يريق دماءها كلها في منى، ويطعم بلحومها فقراء المسلمين؛ تقرُّباً لله -عزَّ وجلَّ-. هكذا ضحَّى أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية بأموالهم، ولم يضحوا بأموالهم فحسب، بل ضحوا بدمائهم في سبيل الله رجاء ما عند الله.
وهذا عمرو بن الجموح رجل أعرج لا جهاد عليه، قد أسقط الله عنه الجهاد، لكنه يسمع النداء: يا خيل الله اركبي، حي على الجهاد، ويريد أن ينطلق للجهاد في سبيل الله -جل وعلا-، فيقول أبناؤه الأربعة الذين ما تركوا غزوة مع رسول الله؛ يقولون لأبيهم: يا أبانا لقد أسقط الله عنك الجهاد، ونحن نكفيك، فيبكي عمرو بن الجموح وينطلق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليشتكي لرسول الله وهو يقول: يا رسول الله! إن أبنائي يمنعوني من الخروج للجهاد في سبيل الله، ووالله إني لأريد أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فيلتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عمرو ويقول: "يا عمرو فقد أسقط الله عنك الجهاد، فقد عذرك الله -جل وعلا-"، ومع ذلك يرى النبي رغبة عارمة في قلب عمرو بن الجموح للجهاد في سبيل الله، فيلتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أبنائه الأربعة ويقول لهم: "لا تمنعوه! لعل الله أن يرزقه الشهادة في سبيله".
وينطلق عمرو بن الجموح، لا أقول يبحث عن النصر، بل يبحث عن الشهادة في سبيل الله -جل وعلا-، ويرزقه الله الشهادة في سبيله، صدق الله فصدقه الله -جل وعلا-. ويمر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما قُتل فيقول: "والله لكأني أنظر إليك تمشي برِجلك في الجنة وهي صحيحة".
بل أذكركم بقصة الغلام والراهب والساحر الذي حدثنا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف ضحى بنفسه من أجل دينه وعقيدته؛ فاسمع إلى قصته التي سأختم بها كلامي: "كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر فبعث إليه غلامًا يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال –الغلام-: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟، فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب، فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى؛ فإن ابتليت فلا تدل عليَّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله؛ فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك؛ فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام؛ فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام؛ فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل؛ فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء الغلام يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور -قيل معناها السفينة الصغيرة-؛ فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهمًا من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم، فمات؛ فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك؛ قد آمن الناس، فأمر بالأخاديد في أفواه السكك فخُدَّت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها -اطرحوه- أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست -توقفت- أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق".
الله أكبر!! أمةٌ بأكملها دخلت في دين الله -عز وجل-، والسبب هي التضحية التي قدمها غلام صغير، وبعد هذا كله أنا أدعوكم من خلال درس التضحية إلى أن نهيئ أنفسنا للتضحية بالنفس، للتضحية بالمال، للتضحية بالأولاد، للتضحية بالأوقات، للتضحية بأغلى ما نملك لدين الله -جل وعلا-، وبغير هذه التضحية لا عزة لنا ولا كرامة.
والله ثم والله لا عزة ولا كرامة للأمة إلا بالتضحية. فالمسلم الذي يحافظ على صلاته في وقتها هذه تضحية، الموظف الذي يؤدي وظيفته بأمانة وإتقان هذه تضحية، العامل الذي يعمل بإخلاص ولا يغش هذه تضحية، الطيب الذي يخدم الإنسان بعلمه هذه تضحية، الزوج الذي يعمل ليعف نفسه وأهله هذه تضحية، الزوجة التي تطيع زوجها وتقوم على خدمتها هذه تضحية، الولد الذي يعمل جاهدًا على إرضاء أبويه هذه تضحية، المسلم الذي يعفو ويسامح الآخرين هذه تضحية. وكل مسلم يقدّم خدمة لله ولمجتمعه ولأمته فهذه تضحية، فأين من يسلك طريق التضحية ويسجل له موقفًا ينفعه هناك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينصر الإسلام وأن يعز المسلمين، اللهم لا تخرجنا من هذا المسجد إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور برحمتك يا عزيز يا غفور، اللهم اجعل بلادنا وبلاد المسلمين واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.