الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | فيصل بن عبد الرحمن الشدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
فرح صلى الله عليه وسلم بالعيد قولاً وفعلاً، مَعَ أنَّ مكةَ حينها كانت في يد الكفار أسيرة، واليهود والمنافقون حول المدينة كالمستديرة، وقد قُتل من أحبابه وأصحابه جموعٌ غفيرة، ومع هذا كله لم يمنعه ذا ولا ذا من أن يفرح بالعيد ويُظهر الشعائر الصغيرة والكبيرة. فيا صائمون، فلْتَتهلَّلْ وجوهُكم بشراً، ولْتَفِضْ فرحاً وحمداً وثناء وشكراً ..
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بشرا، الله أكبر ما تعالت الأصوات تكبيراً وذكراً، الله أكبر ما توالت الأعياد عمراً ودهراً، لك المحامد ربَّنا سراً وجهراً، لك المحامد ربَّنا دوماً وكرَّا، لك المحامد ربَّنا شعراً ونثرا.
لك الحمد يوم أن كفر كثير من الناس وأسلمنا، لك الحمد يوم أن ضل كثير من المسلمين وابتدعوا وللسنة أقمنا، لك الحمد يوم أن فزع الناس وأمَّنْتَنا، لك الحمد يوم جاع كثير من الناس وأطعمتنا، لك الحمد يوم أنْ بين يديك أقَمْتَنا، ولك الحمد يوم أنْ لشهر الصيام كلَّه صائمين لك أشهدتنا.
لك الحمد عدد الحجر، لك عدد الحمد عدد الشجر، لك الحمد عدد البشر، لك الحمد ينطق بها ويثني ويُعيد ويزيدُ بها لساني، لك الحمد يفيض بها لك يا ربي جناني، لك الحمد بكل ذرة في كياني، وإني معه مقرٌّ بضعف قلمي وعجز لساني وبياني.
لك الحمد يا ربَّاً إن أبعدني الناس أدناني، لك الحمد يصيبني وبالصبر عزَّاني، لك الحمد ينعم وينعم وبالشكر حلَّاني، لك الحمد أحق محمود محبوب، وأعظم مرغوب مطلوب.
حُبُّنا وامتداحُنا ليس إلَّا | وَمْضَةٌ منكَ يا عظيمَ الهِباتِ |
لو بَرَيْنا الأشْجارَ أقْلامَ شُكْرٍ | بمِدادٍ من دجلةٍ والفراتِ |
لو نقشنا ثناءَنا مِن دِمانا | أو بذلْنا أرواحَنا الغالِياتِ |
ما أَبَنّا عن همْسَةٍ مِنْ مَعانٍ | في حَنايا نُفوسِنا كامِناتِ |
أوْ أتينا لذَرَّةٍ من جَلالٍ | أو شَكَرْنا آلاءَكَ الغامِراتِ |
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وصفينا محمد بن عبد الله، صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والصراط الممدود، فِداه أبي وأمي، غرة الزمن وشامة التاريخ، يا ربنا ويا مولانا بلغه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة، يا ربنا لا تحرمنا رؤياه في الجنة، اللهم صَلِّ وسلم وبارك وأنعِمْ عليه وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، وأتباعه الأبرار.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
هنيئاً للوجوه التي وجَّهَت وجهها لله، ويا سَعداً للبطون التي جاعت في سبيل الله، ويا لبشرى أكباد ظمئت طلباً لرضوان الله، ويا فوز أقدامٍ انتصبت قائمةً لله، وحرَّم الله عيوناً على النار فاضت من خشية الله.
جاء العيد فاستنار له وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو منير، وابتسم له ثغره فرحاً بيوم الجوائز الكبير، أشرقت شمس يوم العيد فأشرق وجهه -صلى الله عليه وسلم- فرحاً وبِشراً، حاديه قولُ ربه سبحانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
فرح -صلى الله عليه وسلم- بالعيد قولاً وفعلاً، مَعَ أنَّ مكةَ حينها كانت في يد الكفار أسيرة، واليهود والمنافقون حول المدينة كالمستديرة، وقد قتل من أحبابه وأصحابه جموعٌ غفيرة، ومع هذا كله لم يمنعه ذا ولا ذا من أن يفرح بالعيد ويُظهر الشعائر الصغيرة والكبيرة.
فيا صائمون فلْتَتهلل وجوهكم بشراً، ولْتَفِضْ فرحاً وحمداً وثناء وشكراً، فرحاً بفضل الله ورحمته، فرحاً بالهدى يوم أن ضلت أمواجٌ من البشر عن شريعته، فرحاً يوم أن هدانا واجتبانا على ملته، (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [الحج:78]، فرحاً بإتمام الصيام وإكمال عِدته: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"، وفرحاً بألوان عطاياه ونعمته، (وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَآ) [النحل:18].
فيا مسلمون : أعيدوا للعيد بهجته، وارسموا على الوجوه صدقاً فرحته، وكما لبستم من الثياب جديداً، فلتلبس القلوب من الحياة عهداً جديداً.
العيدُ أقبل والبلابلُ تَصْدَحُ | والشمْسُ تبسُمُ للضِّياء وتمرَحُ |
وبراعِمُ الأرضِ احتفَتْ وتقافزَتْ | فتأرجحَتْ بالعِطْرِ أرضٌ تمْرحُ |
اليومَ يومُ العيدِ يومَ جوائز الــ | رحمن فالمــُعطى أكيداً يربحُ |
الكلُّ حينَ أتى ليحْمدَ ربَّهُ | فرحاً به والبشرُ بادٍ ينضحُ |
اليومَ عيدُ الشُّكْرِ، كلُّ حياتنا | شكرٌ لما أسداهُ ربٌّ يمنحُ |
لله يوم أن نرى فرحة العيد تدوي في حاراتنا، وتنير بيوتنا، وتجمع شملنا، وتلم شتاتنا، وتصل قاطعنا، وتصلح هاجرنا، يا متقاطعين! اليوم يومُ العفو والتصافح، والتعافي والتسامح، يا متهاجرين! اليوم يوم السلام والتزاور، وترك التجافي والتكابر.
كفَى! أقولها مِن على منبر العيد وأثنيها، كفَى! أفرحوا أحبابكم بفرحة العيد ولم شمل قطع سنين عدداً، ماذا تنتظرون؟ لا صلاة تُرفع، ولا دعاء لكم يعرض على الله ويُسمع، يقول الله لملائكته: "أَنْظِروا هذين حتى يصطلحا".
حتى ولو كنت مظلوماً صِلْ، فالله أوصل، وابتغ وجه ربك فالله أعلى وأجل، فدُنيا تخاصمتم عليها هي -وَرَبِّي!- أحقر وأقل. كفى على الهجران البقاء، وتذكروا أن عند الله الملتقى.
حق لكم يا صائمون بعيدكم فرحاً، وبيومكم أنساً ومرحاً، فدينكم متين، وكتابكم مبين، وربكم أرحم الراحمين، فعمر الإسلام أطول من أعماركم، وآفاقهُ أوسع من أوطانكم، وبشائر نصره تلوح في آفاقكم.
تالله إن الأزمة المالية العالمية وتهاوي عروش اقتصاديات الغرب لَهُوَ بِشارة نصر للإسلام، ولأهل الإسلام، ولمنهج الإسلام؛ إنها لعَنَاتُ الربا التي عاشوا عليها سنيناً اقتياتاً على أموال الضعفاء، وأكلاً لحقوق البسطاء، اليوم تَمْحَقُ لهم اليابسة والخضراء، (يَمْحَقُ اللّهُ الْرّبَا وَيُرْبِي الصّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ كَفّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276].
أزمةٌ هزت صروحاً للربا طاولت عنان السماء دهراً، لكن الله أراد بقضائه أمرا، ولتبقى المصارف الإسلامية شامخة في هذه الأزمة، رافعة للمنهج الإسلامي النقي ذكراً.
تالله إن ثبات المجاهدين الصامدين في غزة أمام العالَم كله أمام أزيز الطائرات وراجمات القاذفات، أمام الجو والبحر والبر، تالله إنه مؤشر نصر وانتصار، وفيها ذكرى وادكار، ( كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ) [البقرة:249].
تالله إن مرض أنفلونزا الخنازير الذي دوى في العالم أمرُه، واستطار شره، لهو مؤشر لنصر الإسلام، وعقيدة الإسلام، (إِنّمَا حَرّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدّمَ وَلَحْمَ الْخَنْزِيرِ) [البقرة:173، النحل:115]، (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنّهُ رِجْسٌ) [الأنعام:145]، هذا هو قرآننا بذلك ينطق ويحذر، ويُرشد ويذكر.
لكن تأبى حضارة الخنازير حضارة الصليبيين إلا أن تأكله طعاماً، وتقتاته رجساً حراماً، ليأت بهذا الوباء العالمي به الشر المستطير، مرتعه وأسه الخنزير؛ لتخوض أبحاث الغربيين الطبية فيه خوضها لتُخلص دراساتهم أن الخنزير مرتع لأكثر من (450) مرضاً وبائياً.
تالله إن الإعلان الماكر، والبث الداعر، والنقل الفاجر الذي أعمله أعدائنا في عقولنا وأبصارنا وأجيالنا سنيناً لا تعرف من التلفاز إلا هو، لتدور دورة العمر، ويأتي الله بقنوات إسلامية هادفة تخاطب الصغير والكبير، تنقل إعلاماً نقياً صافياً، تالله إنه مؤشرُ نصرٍ للإسلام وأهل الإسلام.
فلتفرحوا بعيدكم وبإسلامكم ومنهجكم، (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139].
ولتعلموا أن أراضي المسلمين التي تثعب دما زاكياً في فلسطين أو العراق أو الصومال أو غيرها ما كانت على الله بخافية، ولكنها سنة الله الباقية، فهي بلاءٌ وابتلاء، ومس وضراء، فلنقدم يداً بعطاء، ولساناً صادقاً بدعاء، ووعياً بدوائر الأعداء، وعملاً إيجابياً مؤثراً في ميادين الدعوة والنصرة والعطاء، عسى الله أن يرفع عن أمتنا الضراء ويكشف اللأواء، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: إن الأمة في ديارها ودينها تواجه تحدياتٍ ضخاماً وعقباتٍ عظاماً، إنها بين طرفين كلاهما ذميم، ومرتعه وخيم، وشره عميم، وربي إنها هوالك، ومهاوٍ ومهالك، تستوجب النظر والوقوف، حتى لا نهلك في مهالك الردى والحتوف.
فهؤلاء غلاة، وأولئك جفاة، شعار هؤلاء التكفير، وشعار أولئك التحرير، ودثارُ هؤلاء التفجير والتخريب، ودثار أولئك العلمنة والتغريب.
طاشت الموازين، وأقصت ذات الشمال وذات اليمين، يوم أن انحرف الفكر وانفرطت بوصلة التفكير، فجاء هؤلاء بالقتل للأرض وللناس، وجاء أولئك بالأرجاس والأنجاس، يجمعهم التلبيس بالشبهات، والقدح في العلماء الأثبات الثقاة، يجمعهم تفجير فهؤلاء فجروا أجساداً، وهؤلاء فجروا من القيم والأخلاق أبعاداً.
وهكذا الأمة تتجاذبها رسل غلو وعناد، ورسل نفاق وفساد؛ وهكذا الأمة تخوض في فتنة دهماء، تسفك فيها دماء، وتسفك فيها مُثلٌ وقيمٌ وأجيالٌ وأبناء، فإلى فتنة التكفير، ومسلسل القتل والتدمير، الذي راح ضحيته رجال أمننا، وفي المقابل شبابنا وأبناؤنا، ظننا أنه انتهى، ومضى وانقضى، وإذا بحلقة أضر، وتطور مريب، وتالله إنها شرارات فتنة إن لم نلتفت إليها، ونسارع بالماء إليها، لتكاد تحرق أمناً نتفيأ ظلاله سنين عدداً.
ألا وإن صهوة جواد هذه الفتنة هو الجهل بمسائل الولاء والبراء، والجهاد والتكفير والدماء، نعم وقفوا عند ظواهر النصوص وحكمُوها، فأين أقوال أهل العلم، ألا أعملوها؟ أين حوارهم وأين مناقشتهم؟.
ما كان -والله!- الانترنت وكُتاب الأسماء المقنعة يوماً من الأيام هم مصادر العلم، أفلا جلسوا على موائد العلماء، وعرضوا الشُّبَه، وناقشوا المصالح والمفاسد ليجدوا بياناً شافياً، أو علماً من منبعه صافياً؟ أهو هين عند الله أن يرمى مسلم بكفر؟ صح في مسلم، يقول-صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".
أهو هين عند الله أن يراق دم امرئ مسلم؟ أين التمعن في عواقب الأمور؟ وما هو أثرها؟ وهل ما فعلوا في بلاد الحرمين نكأ في إسرائيل؟ أو جرح في الصليبيين الغزاة؟ بل والله كانوا سبباً في محاربة العمل الخيري، وتشويه صور الجهاد والمجاهدين!.
وإلى فتنة التغريب، ودعاة العلمنة والتحرير بل قل التخريب، ورب الكعبة إنهم سيفٌ مسلطٌ في وجه كل فضيلة، ودافعٌ قويٌ لكل خسة ورذيلة! في أحضان الأعداء ارتموا، وللباسهم لبسوا، بشرع الله استهزؤوا، وبأهل الخير والعلم والفضل شنعوا، في كتاباتهم كتبوا، وفي حواراتهم جادلوا، وبشبههم شبهوا، على المرأة صاحوا، وعلى حجابها ناحوا، ولفقهنا طعنوا، ولجمعيات التحفيظ والهيئات ومكاتب الدعوة هاجموا، بمنابع الخير شرقوا، كل هذا بشعار الإصلاح زعموا، وبدافع حرية الرأي كذبوا.
وإن من أجلى خبثهم، وأبين مكرهم، ما يسعون فيه من تسويغ الاختلاط المحرم وتجويزه، يغتنمون الفرص السانحة، ويندبون الأقلام المأجورة النائحة، لجر المجتمع إلى حمأة الاختلاط، لعلمهم أن ما بعده من الفساد أهون.
بأي شبهة يشبهون، وبأي أدلة يشوشون، والقرآن والسنة بين أظهرنا؟ ألا فليمحوها إن استطاعوا! (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ) [الأحزاب:53]، هذا الخطاب لأطهر الأمة قلوباً وهم الصحابة -رضوان الله عليهم-، وأعف النساء وهن أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن-، فكيف بمن دونهم.
وبأي شيء سيردون ما صح في البخاري ومسلم: "إياكم والدخول على النساء"؟ هذا مجرد الدخول، فكيف بالمكث عندهن وأمامهن، وفي ساعات العمل بجوارهن.
وجدوا على الناس باباً سهلاً، باب العمل والوظيفة فنادوا المرأة للتمريض في المستشفيات مع الرجال، ولتعمل في الاستقبال للرجال والنساء على حد سواء، دعوها للاجتماعات جنباً إلى جنب مع الرجال، وما إن تحدث مثل هذه اللقاءات حتى تُصوَّر وتزف للمجتمع؛ لعل حاجز الحشمة والحياء يسقط أو يتصدع.
فحق وربي الاحتساب على دعاة التكفير ودعاة التحرير؛ تفنيداً لشبههم، ورداً عليهم، وإنكاراً لأطروحاتهم، بكل وضوح وجلاء، ودون مواربة أو خفاء.
لزاماً علينا أسراً وبيوتاً ومعلمين ودعاة أن نبين خطورة هذه الأفعال وعواقبها، وإن سكتنا أو عن دورنا تخاذلنا فالنار التي تحرق غيرنا حتماً ستمتد فتحرق ما تحت أقدامنا؛ بل ستحرقنا تكفيراً أو تغريباً.
لنضرع إلى الله بدعوات صادقة أن يكفينا الله شر الفتن وسوءات المحن، التي -وربي!- كم من عين وعين تربص بالمسلمين وأهله الدوائر! أبطل الله كيد الماكر، أبطل الله كيد الماكر، واستغفروا ربكم الرحيم الغافر.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حبيب رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: رغم العلم، ورغم الطب، ورغم المال، إلا أنه يبقى عاجزاً عن كشف الكربات والأضرار، فلا يكشف الضر إلا الله، ولا يرفع البلاء إلا الله، ولا يشفي من المرض إلا الله، (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80].
ها هو شاهد حاضرنا، وحديث مجالسنا، مرض أنفلونزا الخنازير، كنا نسمع عنه في وسائل الإعلام في بلاد بعيدة، وإذا بالمرض يسير تلك المسافات الشاسعة ليصل إلى مجتمعاتنا، إنها قدرة الله، إنه أمر الله، إنه ابتلاء الله، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُواْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].
يقول ابن القيم رحمه الله: وكلما أحدث الناس ظلماً وفجوراً أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم، وفواكههم، وأهويتهم، ومياههم، وأبدانهم، وخلقهم، وصورهم، وأشكالهم، وأخلاقهم من النقص والآفات ما هو موجب أعمالهم وظُلمهم.
عباد الله: إن ربكم يغضب أن تُعتدى محارمه، وتقترف مآثمه، إن ربكم يغار على حُرمه، أوَظنكم أن الشرك بالله من السحر والكهانة وغيره لا تغضب الله؟ أوَظنكم أن البيوت التي لا يعرف رجالها للمسجد طريقاً ولا للصلاة سبيلاً لا تغضب الله؟ أوَظنكم أن ربا المرابين، ورشاوى المرتشين، لا تغضب الله؟ أوَظنكم أن دشوش الفساد التي تصب فوق رؤوس المسلمين الخنا ورقص العهر لا تغضب الله؟ أوَظنكم أن ظلم العمال والنساء الضعيفات لا يغضب الله؟ أو ظنكم أن الإسراف والفخر والخيلاء لا يغضب الله؟.
أو ظنكم أن هذه الذنوب التي يبارز الله بها لا تغضب الله؟ بل والله يغضب لها، بل تالله إنه يغار لها، بل وربي ينتقم لها! (وَيُحَذّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران:28، 30]، (ذَلِكَ يُخَوّفُ اللّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَعِبَادِ فَاتّقُونِ) [الزمر:16].
فلابد من الضراعة بالدعاء أن الله يكشف عنَّا هذا الوباء، ولابد من إصلاح أحوالنا مع الله والأخذ على أيدي السفهاء والقيام بأمر الله وشرعه والاحتساب على أهل المنكرات كما أنه من الأمور المهمة التذكير بها عدم جواز إرعاب المسلمين والنشر بينهم ما يؤدي إلى إفزاعهم، والحذر من الشائعات، والأخذ بأسباب الوقاية الصحية، والمبادرة للعلاج والاحتساب عند الله: (وَمَن يَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3].
يا صائمون: هكذا الدنيا تمر كما مر رمضان، تمضي سريعاً، وتنقضي أيامها جميعاً، ينسى الطائع فيها مشقة الطاعة؛ لكن أجرها محفوظ في صحيفته، وينسى العاصي لذة المعصية، لكن وزرها مدونٌ في صحيفته، ومن هنا قال السلف الصالح: اجعل دهرك كله رمضان بالصيام عن العصيان، والاجتهاد في الطاعة، حتى إذا جاءك الموت حان وقت فطرك، وبشّرتك ملائكة الرحمن، بما لذ وطاب من النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول.
واعلموا -رحمكم الله- أن من علامة قبول الحسنة إتباعها بمثلها، ومن ذلك صيام الست من شوال، فقد صح عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر".